فقه الخروج على الحاكم
د. حامد بن أحمد الرفاعي
التعاقد بين الحاكم والمحكوم مبدأ مقدس في نظام الإسلام لقوله تعالى:"إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ"والخليفة الراشد سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بدأ عهده بتأكيد التعاقد وبيان شروطه فقال:"أيها الناس،إني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم،فإن أحسنت فأعينوني،وإن أسأت فقوِّموني،الصدق أمانة،والكذب خيانة،والضعيف فيكم قويٌ عندي حتى آخذ الحق له إن شاء الله،والقوي فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله،لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللّه إلا ضربهم الله بالذل،ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء،أطيعوني ما أطعت الله ورسوله،فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم"هذا هو أصل التعاقد وهذا منشأ فريضة السمع والطاعة لقوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"وأكد الله تعالى الوفاء بالعقود لقوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ"وحذَّر من نكث العهود لقوله تعالى:"فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ"ومسؤولية ولي الأمر والأمة سواء بسواء في الامتثال للعقود..وعقد الحكم(البيعة) يقوم على مرتكزين(مرتكز طاعة الأمة،ومرتكز طاعة الله)والخروج على عقد الحكم على درجات(خروج كامل..أو خروج جزئي)ولكل حالة حكمها:
1. خروج ولي الأمر على كامل مرتكزات العقد وتضييع أمانة الحفاظ على هوية الأمة وسيادتها ووحدة أراضيها..يوجب الخروج على طاعته.
2. خروج ولي الأمر عن شروط عقد الحكم فيما يخص اختيار الإمامة..مع التزامه طاعة الله في اتباع شرعته وإقامة العدل بين الناس(الملك العضوض أو الجبري)..فعلى الأمة نصحه بالتزام العقد فإن أبى..؟فعليها السمع والطاعة مادام مطيعاً لله مقيماً لشرعته وعدله فيهم.
3. خروج ولي الأمر على طاعة الله بموافقة غالب الأمة..فالقلة الرافضة لمثل هذا الخروج هم في خيار:الخضوع مع الإنكار في القلب أو الهجرة.
4. خروج شريحة أو بعض شرائح من الأمة على مرتكزات العقد والتمرد على طاعة ولي الأمر وتهديد سيادة الأمة وأمنها ووحدة شعبها وأراضيها..فعلى ولي الأمر والأمة معاً مقاومة هذا الخروج واستعادة الولاء لعقد الحكم وهيبته.
5. استيلاء واستلاب شخص ما أو مجموعة أفراد مقاليد حكم الأمة بالقوة والغلبة..وإلغاء عقد الحكم وإفساد هوية الأمة..فعلى الأمة مقاومة هذا العدوان والبغي حتى تنهيه وتسقطه.
وبعد ..فالأمة إذاً أمام حالات من الخروج على عقد الحكم( البيعة)وكل أمة عليها أن تشخص حالة الخروج التي تعاني منها.. وتقرر موقفها وفق ما تمّ بيانه أعلاه من أحكام.
v أما حالة تواطؤ شريحة ما من المجتمع مع دولة غازية لتحتل الوطن وتلغي هويته وسيادته..فإنها حالة الاستلاب والاستيلاء وخيانة عظمة لا شأن لها بفقه الخروج والسمع والطاعة بحال من الأحوال..بل هي جريمة عدوان وبغي كبرى..يقرر الإسلام وكل الأديان والأعراف البشرية أن مقاومتها وقتالها وإزالتها بكل الوسائل الممكنة فرض عين وواجب قانوني ووطني.