عباس لن يوقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل
في رد فعل حاد وعصبي أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ؛ كافة . يأتي هذا الرد على هدم إسرائيل 18 بناية تضم 100 شقة في وادي الحمص ، في صور باهر ، وهي منطقة تخضع للسلطة الفلسطينية مدنيا وأمنيا لكونها مصنفة في القسم "أ " حسب التقسيم الثلاثي للضفة في اتفاق أوسلو . أي أن إسرائيل لا تملك الحق " القانوني " في فعل ما فعلت مسوغة له بأن البنايات مقامة على بعد 250 مترا من سور الفصل العنصري ، وهذا في رأيها يخالف قرارا إسرائيليا صدر في 2011 يحظر على الفلسطينيين البناء في هذا النطاق . لا أحد ، أيا كان ، يتوقع أن تنفذ السلطة الفلسطينية ما أعلنه عباس ، الخميس ، عقب اجتماع للقيادة الفلسطينية في رام الله ، وهو ، مثلما هو معروف ، قرار سابق للمجلس المركزي لمنظمة التحرير اتخذ في أكتوبر 2018 ، ولم ينفذ ، فما الذي يحفز الآن على توقع تنفيذه ؟! لا شيء البتة . والحال أن عباس شعر بأنه مجبر على رد فعل على مجزرة الهدم المروعة التي خلفت 550 مواطنا بلا مأوى ، فأعاد إعلان قرار المجلس المركزي السابق ، ومن ضمنه تعليق الاعتراف بإسرائيل حتى تعترف بدولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو 1967 ، عاصمتها القدس .لو كانت السلطة قادرة على تنفيذ قرار المركزي لنفذته عند صدوره في 2018 ، وهي لم تكسب قدرة على تنفيذه بعد مجزرة الهدم الرهيبة . وإعلان عباس الأخير نفسه يحمل علامات العجز عن التنفيذ ، فهو :
أولا : يقول إنه : "سيتم وضع آليات لتنفيذ قرارات المجلس المركزي " ،
وهذه إشارة قوية إلى تسويف ينفي نية التنفيذ ، فلو كانت هناك نية تنفيذ لوضعت آلياتها بعد صدور القرار في 2018 .
ثانيا : يطالب عباس المجتمع الدولي بالوقوف " عند مسئولياته ، واتخاذ خطوات على الأرض تجاه الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية " ، وهذا اعتراف بالعجز الذاتي عن فعل أي شيء تجاه إسرائيل ، وإحالة المسئولية على المجتمع الدولي ، وهي نغمة قديمة مستهلكة لا تأبه بها إسرائيل . وبقية كلام عباس في اجتماع رام الله إعادة لما يردده دائما هو وشخصيات سلطته ، مثل قوله : " لا سلام ولا أمن ولا استقرار ( والمترادفات هنا تصرخ يأسا وعجزا ) في منطقتنا والعالم دون أن ينعم شعبنا بحقوقه كاملة " ، وكل هذا لا يوقف شعرة واحدة في جسد إسرائيل البارد المطمئن . إنها تعرف عناصر قوتها ، وتعرف عناصر ضعف سلطة عباس في العلاقة بينهما ، وتعرف أنه لا يستطيع فعل شيء يضرها ، وأنه مع سلطته في عوز مصيري إليها . وماذا يضرها تعليق الاعتراف بها ؟! في يدها وثيقة اعتراف موقعة من منظمة التحرير الفلسطينية ، ولا قيمة لتعليق هذا الاعتراف ، والاتفاقات لا تلغى أو تعلق
او تؤجل أو تضاف عليها أو تحذف منها بنود جديدة إلا برضا طرفيها ، وقد يحدث أحيانا شيء من هذا من الطرف الأقوى ، أما الطرف الأضعف فلا يستطيع الخروج على الاتفاقات . وإسرائيل ألغت كثيرا من اتفاقاتها مع منظمة التحرير ، أو لم تنفذ بعضها روحا ، وأحيانا ألغتها عبر أميركا مثلما حدث في مسألة القدس ، ولم تفعل المنظمة أو السلطة شيئا ، وهدم بنايات وادي الحمص إلغاء لجزء من هذه الاتفاقات .
منظمة التحرير ، والسلطة التي أنتجتها في الضفة وغزة ، واقعتان في قبضة إسرائيل الحديدية الصارمة ، ولا أمل في الإفلات من هذه القبضة المميتة إلا بالرجوع الصادق للشعب الفلسطيني للعمل مع كل قواه للإفلات من توابع نكبة أوسلو . وسؤال يكشف حقيقة ما أعلنه عباس : هل تنوي السلطة وقف التنسيق الأمني ؟! لو أوقفته لرأينا نوعية رد إسرائيل . هنا ستكلم إسرائيل السلطة بالعبري الخشن العنيف ، لا بالعربي الناعم اللطيف . استمرار التنسيق خط إسرائيلي أحمر ، وهو جوهر علاقة إسرائيل بالسلطة ، ووقفه في حسابها يعني نهاية السلطة ، والسلطة تعرف هذا ، أما الإعلانات والقرارات التي لا تنفذ التي تصدر عن مؤسسات منظمة التحرير وعن عباس وشخصيات سلطته فهي لا تضر إسرائيل ، ومباح لهم المناورة الكلامية في نطاقها ، ولا نستبعد أن إعلان الخميس نُسِق مع إسرائيل .
وسوم: العدد 835