الطَّريق إلى «أُوسكو»
د. محمد عناد سليمان
وقعت «منظمة التَّحرير الفلسطينيّة» عام /1993م/ في «الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة» اتفاقية مع «إسرائيل» وعُرفت بمعاهدة «أوسلو»، وتعني رسميًّا: «إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذَّاتي الانتقاليّ»، ومن المفترض أن يكون اتِّفاق «سلام»، جاء ثمرة محادثات سرِّيَّة جرت في مدينة «أوسلو» النِّرويجيَّة عام /1991م/، ثم أُقرِّت في مؤتمر «مدريد».
وتعدُّ أوَّل اتفاقيَّة رسميَّة بين «إسرائيل» ممثَّلة بوزير خارجيِّتها حينها «شمعون بيريز»، وبين «منظمة التَّحرير الفلسطينيَّة» ممثَّلة بأمين سرّ اللَّجنة التَّنفيذيَّة حينها السِّيِّد «محمود عبَّاس»، وعلى الرَّغم من أنَّ هذه الاتِّفاقيَّة تنصُّ على تحقيق «السَّلام» بين الطَّرفين إلا أنَّ الأمر لم يتحقَّق، حيث شهدت نزاعات مسلَّحة، وحربًا متكرِّرة ممَّا يجعل هذه الاتفاقيَّة مجرَّد بنود موثَّقة بين ثنايا صفحاتها التي كُتبت عليها، وأصبحت ذريعةً يتمسَّكُ بها من يريد أن يبرِّر لنفسه العنف والعنف المضادّ في المنطقة.
ويبدو أنَّ «الأزمة السُّوريَّة» تسير على الخطى نفسها، وقد لا يكون وصفها ب«الأزمة» مستساغًا لدى الكثيرين، إلا أنَّها في حقيقة الأمر بالنِّسبة إلى الأطراف الفاعلة في إدارة «الملفِّ» «أزمة» تشبه إلى حدٍّ كبير «النِّزاع الفلسطينيّ الإسرائيليّ»، وكنَّا قد حذَّرْنا سابقًا من سعي هذه الأطراف إلى تحويل «الثَّورة السُّوريَّة» إلى «قضيَّة» تضارع «القضيَّة الفلسطينيَّة»، بحيث يسعون إلى حلِّها على الطَّريقة ذاتها، ولم يكن مؤتمر «جنيف1»، و«جنيف2» إلا دليلاً واضحًا على ذلك.
لكنَّ الطَّريق إلى حلِّها قد يختلف من حيث التَّسمية لا من حيث المضمون، إذ يسعى «المبعوث الأمميّ» إلى الوصول إلى حالة من الاستقرار النَّسبيّ من خلال وقف إطلاق النَّار الجزئيّ في مناطق دون أُخرى، في محاولة متكرِّرة من أجل تمهيد الطَّريق لحلِّ سياسيّ كما يزعمون.
ولا يخفى على أحدٍ الدَّور الكبير الذي تشغله «روسيا» في إدارة «القضيَّة»، تصعيدًا، أو تجميدًا، والتي سعتْ من خلال مركزها في «مجلس الأمن الدُّوليّ» إلى الحفاظ على «النِّظام السُّوريّ»؛ والحيلولة دون الوصول إلى أيّ حلٍّ من شأنه إنهاء مأساة «الشَّعب السُّوريّ».
لكنَّها في الوقت نفسه تسعى إلى إيجاد حلٍّ على طريقتها، تمثَّلَ في دعوة بعض «المعارضين» ممَّن يرون «الحلَّ السِّياسيّ» الحلَّ الأمثل والوحيد للخروج من «الأزمة»، حيث عُقد في «موسكو» المؤتمر الأوَّل من أجل الوصول إلى هذه الغاية؛ وكنتُ على تواصل مباشر مع المعنيِّين والحاضرين قبل انعقاد المؤتمر حينها وعند السُّؤال عن بنود اللِّقاء، وجدول أعماله كان الرَّدّ: «لا يوجد أيّ بنود، وإنَّما سيكون الحوار من أجل تبادل وجهات النَّظر، والاتفاق على قواسم مشتركة بين الطَّرفين».
واليوم تدعو «موسكو» إلى عقد لقاءٍ حواريّ ثانٍ من الممكن أن نطلق عليه اسم «موسكو2»، وغالب الظَّنِّ أنَّه يجري على منوال سابقه، إذ لا جدول أعمال، ولا بنود ظاهرة، ولا نيَّة صادقة في تحقيق أي خطوة باتِّجاه «الحلِّ السِّياسيّ» الذي يسعون إليه.
وكنتُ أتمنَّى لو أنَّ «الائتلاف الوطنيّ السُّوريّ» قد اتَّخذ موقفه الرَّافض للحضور بناء على هذه المعايير، وأن لا رؤية واضحة فيه، لكنَّه كعادته يعكس موقف الدُّول الدَّاعمة التي تحرِّكُه كيفما تشاء، وأينما تشاء، بعد أن بلغ الخلل منه ذروته وسنامه، وكان دورُه سلبيًّا، تجلَّى في الفوضى الإداريَّة الدَّاخليَّة التي يعيشها، وعدم وجود إستراتيجية سياسيَّة واضحة يسير عليها؛ بل رضيَ لنفسه أن يكون مطيَّة لمن «يدفع أكثر»، وإن كان على حساب «الوطن والمواطن».
لقد استطاعت الدُّول المؤثرة في القرار الدُّوليّ تحويلَ «الثَّورة السُّوريَّة» إلى «قضيَّة دوليَّة» تحتاج إلى أكثر من «جنيف3»، وأكثر من «موسكو3»، وقد تعود البداية إلى «أوسلو»، ولا أستبعدُ الخروج باتفاق مشترك يمكن أن نُطلق عليه اسم «أوسكو».