إسرائيل إذ توسع دائرة تدخلها العسكري المباشر في المنطقة
توسع إسرائيل دائرة تدخلها العسكري المباشر في المنطقة بسرعة مندفعة ، وترد هذا التوسيع إلى تصميمها على محاربة إيران ، ومنع تمركزها عسكريا في أي دولة من دول المنطقة ؛ لأن إيران في رأيها ، رأي إسرائيل ، تسعى إلى تدميرها . فبعد مهاجمتها للتواجد العسكري الإيراني في سوريا ؛ انتقلت إلى مهاجمة هذا التواجد في العراق ، فضربت مقرات للحشد الشعبي العراقي الموالي لإيران ، وكان أشد هذه الضربات ضرب معسكر صقر في بغداد . والخميس الماضي ، 22 أغسطس الحالي ، نقلت صحيفة " الجريدة " الكويتية _ وهي صحيفة مشبوهة الصلة بإسرائيل _ عن مصدر لم تحدده ، ونقدر أنه إسرائيلي ، أن إسرائيل تنوي ضرب منشآت ومواقع حساسة لجماعة أنصار الله اليمنية وحزب الله اللبناني عند مضيق باب المندب ، والحجة نفس الحجة : وصول عتاد عسكري إيراني إلى جماعة أنصار الله زاعمة أنه يستهدف القيام بعمليات ضد حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر ، وأنها تقاسمت هذه المعلومات مع الدول المعنية ، ومنها بداهة النظام السعودي . وفي مقابلة إعلامية في كييف العاصمة الأوكرانية تبجح نتنياهو بأن إسرائيل ستواصل عملياتها العسكرية في العراق " لزم هذا أو لم يلزم " ! " أو لم يلزم " ! هذا ترف موغل في إسرافه في استعمال القوة العسكرية ، وخلفه اطمئنان راسخ إلى عجز من يهاجمهم عن الرد . ونشير هنا إلى اعتماد إسرائيل في بعض هجماتها في العراق على طائرة " ف 35 " التي لا تستطيع الرادارات كشفها . فما مصدر جنون العربدة هذا الذي يدفع إسرائيل متغطرسة لا مبالية إلى توسيع دائرة تدخلها العسكري المباشر في المنطقة ؟!
بقليل من التفحص نتأكد أنه في أكثره لا يعود إلى القوة العسكرية الإسرائيلية الذاتية . في سوريا ، اعتمدت عملياتها على تنسيق وثيق مع روسيا ، وهو موقف تلام عليه روسيا أشد اللوم ، ويحرك أقوى الريب حول إخلاصها في معاونة سوريا في مواجهة حشود أعدائها الكثر المتنوعين ، وفي صدق توافقها مع إيران على مواجهة التغول الأميركي في المنطقة وفي العالم . وفي العراق ، تعتمد على التنسيق مع أميركا ، وتضيف إليه بعض المصادر التنسيق مع النظام السعودي خاصة ما يتصل بعبور الطائرات الإسرائيلية في أجواء بلاد الحرمين ، وفي اليمن ، تعتمد على لتنسيق السعودي والإماراتي والأميركي . وترمي المشاركة العسكرية الإسرائيلية المتوقعة في اليمن _ وهي ليست جديدة لكونها قائمة بأشكال متعددة منذ بداية عدوان التحالف العربي على اليمن _ إلى التظاهر بمعاونة النظام السعودي وحليفه الإماراتي على النجاة من بلاء تدخلهما العسكري الأهوج غير المدروس في اليمن . وأهداف إسرائيل من كل تحركاتها العسكرية في المنطقة :
أولا : إقناع أعدائها في محور المقاومة بأنها قادرة على مهاجمتهم عسكريا ، وأنهم عاجزون عن الرد عليها .
ثانيا : أن تبرهن للنظام السعودي والإماراتي والبحريني أنها قوة يعتمد عليها لمواجهة من يرونه عدوا مشتركا لهم ولها ، وهو إيران وبقية محور المقاومة ، وكون إسرائيل عسكريا بهذه القدرة والفعالية مثلما تقدم نفسها لهذه الأنظمة فالمستوجب من هذه الأنظمة أن تجاهر بعلاقاتها معها ، وتعترف بها ، وتقيم معها كل أنواع العلاقات بدءا بالدبلوماسية .
ثالثا : إشعار مواطنيها المحبطين من تآكل ما يسمونه قوة الردع الإسرائيلي بأن دولتهم قوية ، وتتصرف عسكريا في المنطقة بصفتها قوة كبرى ، يخافها الأعداء ، ويطمع في ودها وحمايتها الضعفاء من الدول العربية التي كانت تحسب يوما ولو ظاهريا في جانب الأعداء .
فهل تحقق إسرائيل ما تريد من توسيع دائرة تدخلها العسكري المباشر في المنطقة ؟!
المؤكد لا . وستكون عواقب هذا التدخل شرا مستطيرا عليها ؛ لأنه سيوسع دائرة أعدائها ، ويخلق لها أعداء حقيقيين فعليين بعد أن كانوا أعداء عاطفيين يؤازرون القضية الفلسطينية من بعيد . ستدخلهم إلى دائرة الاشتباك المباشر معها ، ويستقر لديهم أنها خطر على جميع العرب والمسلمين ، وإن كان خطرها ابتلي به الفلسطينيون قبل غيرهم وأكثر من غيرهم . وستكثف من تعرية كل من يتعاون معها من العرب ، فيشتد كرهه ونبذه بينهم . ولتعتبر إسرائيل من تجربة احتلالها لجنوب لبنان ، وكثرة اعتدائها ماضيا عليه ! أخرج لها الاحتلال وكثرة الاعتداء أشد أعدائها بأسا وتحديا لها ، وهو حزب الله الذي صنع معها معادلة ردع لم تصنعها أي دولة عربية . ولتتأمل درس تجربتها في غزة التي انتقلت من منطقة صغيرة محاصرة إسرائيليا وعربيا إلى مصدر دائم للغم والفزع لمستوطني غلاف غزة الشرقي والشمالي ، وجبهة محيرة للقيادات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية . إسرائيل الآن تضيف العراقيين مهما اختلفوا في ما بينهم ، وتضيف اليمنيين مهما اختلفوا في ما بينهم ؛ إلى جبهة أعدائها المباشرين . مأساة إسرائيل ، وهي مأساة تفرحنا ، أنها ترى في العدوان على الآخرين أمانا لها ومصدرا لشرعيتها ، وهذا متوقع منها لكونها ولدت بلا شرعية سوى شرعية القوة ، وشرعية القوة لها حدود ، بل لا دوام لها في النهاية ، فمن يولد بالسيف يمت به .
وسوم: العدد 839