العبارة التي فاز بعدها نجيب محفوظ بجائزة نوبل
بملف " 13 عاما على رحيل سيد الرواية العربية " الذي نشرته أسبوعية " أكتوبر " القاهرية ، فتح من جديد باب الجدل القديم حول ملابسات ومسوغات فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب في 1988 عن روايته " أولاد حارتنا " التي نشرت مسلسلة في " الأهرام " في 1959 ومنع الأزهر نشرها في كتاب لدعوتها لحوار الأديان ، ونشرت بعد ذلك كتابا في بيروت، ولم تدخل مصر بهذه الصورة إلا في حكم السادات . ويقول الناقد الأدبي أسامة فوزي في العدد 72 2 من مجلة "سوراقيا" الصادرة في 31 أكتوبر 1988 عن رواية " أولاد حارتنا " إنها أضعف روايات نجيب محفوظ ، وإنها " محاولة فلسفية للدفاع عن الطائفة اليهودية أمام بطش عبدالناصر ، بعد أن تسللت المخابرات الإسرائيلية إلى عناصر هذه الطائفة في القاهرة فوظفتها في حملة تفجير " . وقد تعددت التفسيرات العربية حول مسوغات ذلك الفوز . الذين فرحوا بالجائزة قالوا إن نجيب فاز بها لقيمة فنه الروائي ، وفريق آخر ارتاب في خلفية فوزه ، وعزاه إلى تأييده لاتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ، وأن الدوائر الصهيونية ذات التأثير الواسع على الجائزة أرادت أن تكافئه على تأييده للاتفاقية ولموقفه المتعاطف مع اليهود مثلما أفصحت عنه تلك الرواية ، وفريق ثالث يعزو فوزه بها لعلمانيته وموقفه من الدين . وفي تقديري أن العامل الحاسم وراء ذلك الفوز_ فوق ما سبق _ عبارة قالها نجيب مفرقا فيها بين علاقة البيض الأوروبيين بجنوب أفريقيا وبين علاقة اليهود بفلسطين ، ومضمونها أن البيض الأوروبيين في جنوب أفريقيا مستوطنون وافدون أما اليهود في فلسطين فأناس عادوا إلى بلاد تخصهم ، وهذا كما نعرف المسوغ الذي قدمته الحركة الصهيونية لإقامة دولتها في فلسطين بالذات ، ورتب على تفرقته تلك نصيحة للفلسطينيين خلاصتها أن يطالبوا بحقوق مدنية ضمن دولة إسرائيل . بعد التصريح بتلك العبارة ، نشطت خطوات ترتيب فوزه بالجائزة . ومعروف أن نجيب كان على علاقة بناقد أدبي إسرائيلي عراقي الأصل هو ساسون سوميخ الذي كتب دراسة في بعض أدب نجيب عدها نجيب أفضل ما كتب عن ذلك الأدب ، وشكره عليها في رسالة بعث بها إليه في 12 / 10 / 1978 ، . ولا نعرف لم قال نجيب إنه فوجىء بخبر فوزه بالجائزة ، وكانت صحيفة " الشرق الأوسط " السعودية أول من بشره به . ترى هل كان ذلك مداراة
منه لتلك الخلفية للفوز ؟ يدافع أنصار نجيب عن فوزه بالجائزة بأن العامل السياسي لا يكفي وحده لمنح جائزة في قيمة نوبل ، وهذا دفاع منطقي في ظاهره ، ولكن عند التفصيل للأمر يمكن أن يكفي لإيثار كاتب على آخر بها في حال تقارب أو حتى تطابق مستواهما الفني ، ودليلنا أن هناك أدباء على مستوى العالم حرموا منها أعلى قيمة فنية وأدبية ممن نالوها ، وحامت شبهات مبررة حول القيمة الأدبية لنائليها مثل الشاعر السوفيتي باسترناك ومواطنه الروائي سولجينيتسن المنشقين عن النظام السوفيتي . ومن الأدباء العرب من تحلب ريقه وذاب قلبه لهفة وحرقة لنيلها مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس الذي اعتاد أن يجلس يوم إعلانها جوار هاتفه مترقبا خبر فوزه بها. وفي العالم العربي قامات أدبية جديرة بنوبل مثل محمود درويش ومحمد ديب في ثلاثيته " البيت " ، ومع ذلك لم ينلها أي من الاثنين . ولا شك أن نجيب قامة روائية رفيعة ، ولكن ذلك لم يكن العامل الحاسم في فوزه بنوبل ، وجاء العامل السياسي ممثلا في العبارة المنسوبة إليه وغيرها من آرائه ومواقفه ليكمل مسوغات ذلك الفوز . والمعتاد أن تلفت نوبل الأنظار على مستوى العالم للأديب الذي يفوز بها ، فيترجم عمله الفائز إلى كثير من اللغات ، ويكثر قراؤه ، وتترجم له أعمال أخرى ، وما حدث مع أعمال نجيب خالف ذلك المعتاد ؛ إذ نشر بعد مدة من فوزه أن أعماله المترجمة لم تسجل إقبالا ملحوظا عليه بين القراء في العالم ، وأن الاهتمام بأعماله المترجمة ظل محصورا في الدوائر والمراكز الأكاديمية التي لاهتمامها بالأدب أسباب تختلف عن اهتمام جمهور القراء الذين يبحثون عن الممتع والمشوق والمثير في مقروءاتهم ، وهي سمات يفتقدها أدب نجيب الرصين الخالي من المفاجآت والغوامض ، والهادىء الإيقاع حتى البطء ، وما قيل عن نجيب هنا هو ما حدث مع سولجينيتسين الذي طواه النسيان سريعا بعد هجرته إلى الغرب . ونجيب في مجمله ، ولمزايا فنية منها مواصلة تجديد تقنيات سرده ، مفضل لدى النقاد والمثقفين ، والميل إليه قليل لدى عامة القراء ، وحتى بين المثقفين هناك من لا يقبلون عليه ، ويستوقفنا في هذا السياق أن لويس عوض الذي كان يشرف على ملحق " الأهرام " الأدبي في ستينات القرن الماضي روى في محاضرة له في جامعة أميركية أنه عرض على هيكل رواية لنجيب لنشرها في الملحق الأدبي ، فرفضها هيكل واصفا لها بأنها " فن رديء" ، وما ذكره عوض لا يؤخذ على إجماله ،فالمعروف أن " الأهرام " نشرت في ذلك الحين بعض روايات نجيب مسلسلة ، ومنها " ميرامار " . على كل حال أدب نجيب الروائي والقصصي ذخر جيد في أدبنا ، وشكل مرحلة هامة في تاريخ هذا الأدب ، ومهد لتطورات واسعة فيه ، وكم كانت سعادتنا ستكون كبيرة لولم يشب فوزه بنوبل ما شابه من كدر المواقف السياسية خاصة العبارة المشينة المنسوبة إليه وغيرها من الآراء والمواقف التي بدا فيها متجاهلا لخطر الحركة الصهيونية ، منقصا من لحق الفلسطيني .
وسوم: العدد 840