عدوانية إسرائيل ستقضي عليها
في حكاية رمزية أن عقربا أرادت أن تعبر مجرى مائيا ، وتلفتت حولها ، فرأت ضفدعا تدخل المجرى لعبوره ، فاستغاثت بها راجية أن تعينها في العبور لعجزها فطرة عن السباحة ، وكانت الضفدع على قدر كبير من طيبة القلب وشهامة النفس ، فاستجابت استغاثة العقرب ، وحملتها فوق ظهرها ، وفي منتصف المجرى فوجئت بها تلدغها في رقبتها ، فصرخت متألمة مصدومة : " ويحك ! لم لدغتني ؟! " ، فأجابتها العقرب : " ماذا أفعل ؟! طبعي " . وهلكت الضفدع سما ، وهلكت العقرب غرقا . هذه الحكاية مثال دقيق محكم يصور لب شخصية إسرائيل النفسية والسلوكية . لا تستطيع الحياة دون عدوان ما على القريب منها والبعيد عنها ، والعدوان على القريب له وسائله ، والعدوان على البعيد له وسائله . على القريب ، وهو هنا الفلسطينيون وبعض العرب والمسلمين ، تعتدي بالسلاح وتقتل أو تجرح ، وتختص الفلسطينيين فوق القتل والجرح بالاعتقال والسجن ، وإغلاق الطرق ، وهدم البيوت والمرافق ، والاستيلاء على الأرض ، والحصار ومنع دخول المئات من السلع الحيوية مثلما تفعل مع غزة . وإذا قاومها أحد بأي وسيلة ولو باللسان أو بالإعلام صرخت وتشنجت وتلوت متضجرة متأففة . سماء غزة الصغيرة لا تخلو ليل نهار من طائراتها استطلاعية أو قاصفة ، وإن لم تقصف خلقت من الإزعاج والتشويش ما لا صبر عليه . وعقب انسحابها من غزة في 12 سبتمبر 2005 ، شرعت طائراتها القاصفة إف 16 تجوب سماء غزة ، وتكسر حاجز الصوت بانفجارات مخيفة مرتفقة بموجات عريضة من الشرر واللهب ، ولم توقف هذه الأفعال الشيطانية إلا حين تذمر منها مستوطنو غلاف غزة . وزوارقها الحربية تطارد صيادي غزة في المنطقة الضيقة التي تسمح بالصيد فيها ، تطلق النار على سفنهم الصغيرة ، فتقتل وتجرح بعضهم ، وأحيانا تأسرهم مع سفنهم . وإذا أرسلت مقاومة غزة طيارة ورقية أو بالونا حارقا فوق مناطق الغلاف الاستيطاني صرخت إسرائيل ولطمت وجهها وشدت شعرها ، واتهم مستوطنو الغلاف رئيس الوزراء والجيش بإهمالهم والتقصير الفاضح في حمايتهم . وهذه الأيام ، عشية انتخابات الإعادة ، يجمع الإسرائيليون على ضرورة العدوان على غزة ، ومن يسمع كلامهم الهاذي عن غزة وخطرها يتصورها دولة كبرى . وهنا أتريث لحظة ، وأنبه إلى أن بعض الأصوات في المقاومة تعين إسرائيل دون نية في خلق أسطورة دولة غزة الكبرى بالإفراط في الحديث المتحمس عن المفاجآت التي تنتظر الجيش الإسرائيلي إن بدأ عدوانه عليها . المغالاة في قوة الذات كثيرا ما تكون شاهد حماقة وسمة سوء تقدير قاتل . الحروب بين الدول ليست شجارا بين عائلات يمكن أن تسرف فيه بتهديد من تشاجره توكيدا لشعورك بكرامتك . الاقتراب من الحروب بين الدول يجب أن يوزن بميزان الذهب بصفتها حروب مصائر وخسائر بشرية ومالية وعمرانية قد يمتد تعويضها سنوات طوالا . وادخار القوة للأوقات العصيبة الحاسمة رأس الحكمة وروح صواب الرأي ، ولا حكمة ولا صواب رأي في إضاعة قوتك قطعة قطعة . ابتلينا نحن _ الفلسطينيين _ بإسرائيل ، أو بالسرطان اليهودي حسبما قال ونستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق صاحب العبارات البليغة اللامعة ؛ عقب صدور وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 . هذا السرطان أحدثَ دولة في وطننا بقوة السلاح ، أي ولدت دولته بجريمة العدوان ، وعاشت حتى الآن بالعدوان المسنود من أكبر قوة عرفها التاريخ ، أميركا ، ومن الغرب الأوروبي ، ومن الخيانات العربية الفاجرة . ولا حياة موصولة لهذه الدولة إلا بالعدوان حماية وتوسعا واستشعارا للطمأنينة الجماعية حتى لا يعود مهاجروها إلى المواطن الكثيرة التي قدموا منها موعودين بأرض العسل واللبن والشجرة التي تثمر في العام سبع مرات . صار العدوان في شخصية هذه الدولة طبيعة متثبتة مثلما أن اللدغ طبيعة متثبتة في العقرب لم تخمدها نخوة الضفدع وطيبةة قلبها وسخاء نفسها ، وستظل إسرائيل تلدغ هنا ، وتلدغ هنا ، وتعتدي هنا ، وتعتدي هنا حتى تقضي عليها عدوانيتها مثلما قضت عدوانية العقرب عليها . لا عقل في رأس إسرائيل إن توهمت أنها ستتغلب على العرب والمسلمين ، ومصيب أقصى إصابة ما قاله ديفيد هيرست منذ أيام تعليقا على نية نتنياهو ضم الأغوار وشمال البحر الميت إن فاز في الانتخابات : " خطوة الضم التي ينويها نتنياهو ستفتك بإسرائيل " .
وسوم: العدد 842