المادة الثانية من مرسوم العفو الرئاسي !!؟ عنوان الإنسانية والرحمة

مهما كنا موقنين من عبثية المراسيم والقوانين التي تصدر عن زمرة السلطة التي يبتلى بها وطننا وشعبنا ، فإننا لا يجوز أن نتوقف عن فضح الزيف ، وكشف الألاعيب ، وإيصال الحقائق إلى شرائح كبرى من المواطنين ، عارية من كل بهرج وزخرف حتى تتضح الحقائق أمام أعين القريب والبعيد ..

عنوان مثل " عفو عام " جدير بأن يغر ويخدع الكثيرين ..ولذا فلا زال المأمول من رجال القانون في سياق الثورة السورية أن يترجموا للناس مدلولات اللغة القانونية ، ومعانيها ، ليعلم الجميع أنه لم يستفد من هذا المرسوم - ربما - غير الجنائيين من اللصوص والمرتشين وتجار المخدرات والمهربين ..

سنقف في هذه العجالة فقط مع المادة الثانية من المرسوم التشريعي ، المادة التي تمنح العفو في ظاهرها ، للمصابين بمرض عضال لا أمل في الشفاء منه . وأضع القراءة المستوفية أمام أعين جميع المواطنين ، بمن فيهم المدافعين عن سياسات بشار الأسد من الشبيحة ومن المخدوعين .. وأنا لن أمل من خطاب كل السوريين .

نصت المادة الثانية من المرسوم :

المادة الثانية

عن كامل العقوبة المؤقتة أو المؤبدة السالبة للحرية للمحكوم عليه المصاب بمرض عضال غير قابل للشفاء بشرطين ...

الأول : أن يكون الحكم مبرما ..

الثاني :أن يكون المحكوم عليه قد بلغ الخامسة والسبعين من العمر بتاريخ نفوذ هذا المرسوم التشريعي .

انتهى نص المادة ..

نحن هنا أمام حالة إنسانية محضة - مثل حالة ، أسماء الأخرس، مثلا وهي تواجه مرض السرطان - بل أمام حالة مرض السرطان فيها قد تطور أكثر حتى أصبح يوصف حسب تقارير الأطباء - أنه غير قابل للشفاء -

فلننظر كيف تعامل " الرئيس الرحيم ذي القلب الكبير" مع حالة إنسان مريض مرضا عضالا لا أمل في الشفاء منه . ومن باب أولى لا قدرة لإدارات السجون والمعتقلات على متابعة علاجه ..

 المادة الثانية التي نحن بصددها منحت المريض المذكور العفو العام ، وستقول هذا جيد وجميل !! ولكنها واشترطت لكي يستفيد الإنسان من هذا العفو لذلك شرطين صغيرين جدا وهذا ربما لن يتوقف عنده الكثيرون !!

الشرط الأول أن يكون قد صدر بحق المريض بالمرض الذي لا برء منه حكم قطعي مبرم . سيفسر أهل القرار معنى حكم مبرم . إلا أننا سندرك أن هذا القرار لا يستفيد منه من لم يصدر بحقه حكم أصلا ، أو من صدر بحقه حكم غير مبرم ، ومن حقه أن يعترض عليه بأي طرائق الاعتراض .

سنفهم من هذا الشرط الصغير أن جميع المعتقلين - وأكثر من في سجون الأسد هم معتقلون - لن يستفيدوا بأي حال من الأحوال من هذا القانون لأنهم لم يصدر بحقهم حكم أصلا ، ولم يقدموا إلى محاكم أصلا . فهذا العفو الإنساني هو خاص فقط بالذين صدرت بحقهم أحكام بل أحكام مبرمة : استنفدت كل عمليات التقاضي الشكلية من استئناف وتمييز .إذا كان ما يزال في تراتبية القضاء السوري كما درسناها يوما استئناف وتمييز .

ثم ننتقل إلى الشرط الثاني وهو الشرط الأصغر المعبر عن رحمة - السيد رئيس الجمهورية - فهذا الإنسان " السجين " المصاب بمرض عضال ، تشهد التقارير الطبية أنه لا أمل في شفائه ، والذي صدر بحقه حكم مبرم لن يستفيد من العفو إذا كان عمره أقل من خمسة وسبعين عاما ..ولو أربعة وسبعين أو ثلاثة وسبعين ..

نفهم من هذا أن صاحب المرسوم التشريعي أراد أن يسجل فيه مادة لغوية عبثية في مرسوم عفو لا يستفيد منها إلا من يريد صاحب المرسوم أن يتخفف من أعباء دفنه أو تسليم جثته .

تذكرون وأذكر عندما أفرج حافظ الأسد عن رئيس الجمهورية العربية السورية البعثي نور الدين الأتاسي من زنزانته إلى القبر .. خلال بضعة شهور ..

ربما تكون المادة الثانية من هذا المرسوم هي أكثر المواد شفقة ورحمة وإنسانية في قلب " الرئيس الكبير " لعلكم تعلمون ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 842