جواد الأسدي وغياب الديمقراطية على الشاشة السورية
أخيراً تمكّن المخرج المسرحي العراقي البارز جواد الأسدي من كتابة حكاية أخيه عبدالله الأسدي، الذي قضى زمن حكم صدام حسين. كان كلما حاول من قبل كتابتها يدخل في غيبوبة، كما باح لمحاوره “الضاري” نضال زغبور في مقابلة تلفزيونية.
الأسدي، العائد أخيراً من بغداد، يتحدث من قلب “مكتبة الأسد”، إثر مشاركته في محاضرة ضمن فعاليات معرض الكتاب فيها بعنوان “جماليات السردي والبصري في عمل الممثل المسرحي.. التمثيل السوري نموذجاً”، يروي كيف قُتل أخوه شاباً في الخامسة والعشرين من عمره، وكيف أن “حثالة الناس”، بحسب وصفه، جاؤوا بتابوت الشاب فوضعوه أمام البيت مطالبين أمّه بثمن الرصاصات التي رموه بها.
الحكاية الدموية كتبها الأسدي في عمل مسرحي اشتغله أخيراً في العراق بعنوان “حنين حارّ”، بـ “لغة شعرية عالية” كما قال، معتبراً أن هذا ليس حال أخيه وحسب، بل هذا حال العراق، وحال “جحيم فريد من نوعه في مجتمعاتنا العربية”.
بحسب الأسدي، فإن أخاه أعدم “لأسباب غياب الحياة الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية”. عبارة يقولها المخرج من دون خجل عبر شاشة نظام الأسد، الذي باتت اليوم عبارة “غياب الديمقراطية” في وصفه جملة نيئة، لا تداني حجم الرعب والمجزرة.
يتحدث الأسدي من قلب مملكة الرعب والدم، لا يردعه دم أخيه، ولا دم آلاف الشبان السوريين الذين قتلوا في مجازر أو تحت التعذيب في سجون النظام السوري.
فكرتُ في أن أناشد ضمير المخرج، مستحلفاً إياه بدم أخيه، أن ينظر إلى حكاية ابن داريا غياث مطر، وقد يكون بالضبط في عمر أخيه عندما قتل على يد أجهزة الأمن السورية، أو حكاية السينمائي الشاب باسل شحادة، وباسل خرطبيل، آلاف الشبان من أبناء درعا، وأجمل الصبايا من مختلف المدن السورية. فكرت أن أناشده إن كان يرى في تلك الشاشة، وأصحاب ذلك المنبر أكثر ديمقراطية من قتلة أخيه.
لكن أي ضمير بعد عشر سنوات من الذبح، وخمسين عاماً قبلها من القمع والرعب في مملكة الصمت التي يعرفها جواد الأسدي أكثر منا جميعاً.
وسوم: العدد 843