الدفع في اتجاه جر المغرب إلى مجتمع علماني يجعل العلمانيين يحشرون أنوفهم في مسائل الفقه الإسلامي بطريقة مثيرة للسخرية
دأب من يحسبون على العلمانية عندنا في المغرب على ركوب كل قضية ذات صلة بالإسلام لحشر أنوفهم في قضاياه ومسائله الفقهية ،وقصدهم من وراء ذلك هو ترجيح كفة رهانهم على جر البلاد إلى ما يسمونه مجتمعا علمانيا حداثيا يحل محل المجتمع المسلم التقليدي حسب تصنيفهم .
وآخر قضية وليست الأخيرة التي ركبها هؤلاء هي قضية الإجهاض التي يستميتون في الدفاع عن رفع التحريم والتجريم عنها في القانون الجنائي المغربي ، حيث طلع علينا كالعادة الموقع الإعلامي الرقمي المحسوب عند أصحابه الراكبين غرورهم الأول في المغرب،مع ما راج من أخبارعن مصدر تمويله ، والذي يضعونه رهن إشارة التوجه العلماني الحداثي بمقال تحت عنوان : " الإجهاض بين الفقه الإسلامي والتوظيف السياسوي " للمدعو سعيد الكحل الذي حشر أنفه في مسألة فقهية تتعلق بقضية الإجهاض ، وحاول الظهور في مقاله بمظهر الخبير بآراء الفقهاء فيها معتمدا طريقة ما يسمى " نقل إلصاق " لينتهي في آخر مقاله إلى النتيجة والخاتمة التالية :
" ما دامت ظاهرة الإجهاض السري مقلقة وخطيرة على حياة النساء والأطفال ،300 ألف حالة إجهاض سرية سنويا في المغرب ، عشرات الآلاف من الأطفال متخلى عنهم في الشوارع ، 24 رضيعا يلقون يوميا في القمامات ، الظواهر الاجتماعية المترتبة عن منع وتجريم الإجهاض : الانحراف ، الدعارة ، الانتحار،الإجرام . وأمام هذه الأمراض الاجتماعية والنفسية المترتبة عن تجريم الاجهاض بات مطلوبا من الفقهاء والمشرعين تغيير الفتاوى والقوانين التي تحرم وتجرم الإجهاض ، وذلك بالأخذ برأي جمهور الفقهاء وغالبية الأئمة الذين يجيزون الإجهاض. وكما انفتح المشرع المغربي على المذهب الحنفي في مسألة ولاية المرأة على نفسها في الزواج ، يمكنه الانفتاح على آراء الفقهاء والأئمة من باقي المذاهب في إباحة الإجهاض قبل التخلق ".
بهذه الطريقة المثيرة للسخرية يتقدم صاحب المقال بحل لقضية الإجهاض مقترحا رفع التحريم والتجريم عنها دونما التفات إلى التناقضات الصارخة التي وقع فيها ونذكر منها ما يلي :
ـ مطالبة الفقهاء والمشرعين بتغيير الفتاوى والقوانين التي تحرم وتجرم الإجهاض ، وفي نفس الوقت مطالبتهم بالانفتاح على آراء الفقهاء والأئمة من باقي المذاهب في إباحة الإجهاض قبل التخلق وكأن هؤلاء لم يحرموه ، وأن من حرموه لهم فتاوى غير فتاوى أئمة الفقه ، فهل الفقهاء والمشرعون الذين يطالبهم صاحب المقال بتغيير الفتاوى والقوانين يجهلون آراء فقهاء وأئمة المذاهب في قضية الإجهاض ؟ وهل هو على علمانيته أعلم وأدرى منهم بها ؟
ـ أئمة المذاهب في قضية الإجهاض قبل التخلق يتحدثون عن إجهاض في إطار علاقة نكاح شرعي وبسبب عذر شرعي ، لا في إطارعلاقة سفاح وزنا كما يريد صاحب المقال الذي يحرص على اعتماد آراء هؤلاء الأئمة في قضية الإجهاض ضاربا عرض الحائط آراءهم في جريمة الزنا التي تتسبب في الإجهاض.
ـ مطالبة صاحب المقال رفع التحريم والتجريم عن إجهاض الحمل الناتج عن السفاح يعني بالضرورة إقرار السفاح في مجتمع مسلم، الشيء الذي يدل بشكل واضح على رغبته في جر هذا المجتمع إلى مستنقع العلمانية الذي تبيح السفاح ، وبناء على هذا يعتبر خوضه في آراء أئمة الفقه المتعلقة بالإجهاض خوضا باطلا لأن منطلقه العلماني مناقض لمنطلقهم الإسلامي ، و لهذا تكون مطالبته باعتماد آرائهم تلفيقا صارخا ومثيرا للسخرية ، وشأنه في ذلك شأن من يقف على ضفة نهر ويريد أن يرد من ماء ضفته الأخرى .
ـ وأكبر تناقض يقع فيه صاحب المقال هو أن مشكل الإجهاض الذي استفحل أمره واستعصى على الحل بالرغم من وجود فتاوى التحريم وقوانين التجريم ، يمكن أن يحل بإسقاط تحريمه وتجريمه ، فبأي منطق يتحدث صاحب هذا الزعم ؟ ومن يريد إقناعهم بهذا المنطق السخيف ؟وإذا سلمنا جدلا بهذا الزعم المثير للسخرية ، وجب علينا أن نعمم حكمه على كل ما حرّم ، وجرّم ، الشيء الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى إلغاء الشرع والقانون جملة وتفصيلا إذ لا يعقل ألا يجرّم الإجهاض والزنا المرتبط به ضمنيا ،ويجرّم القتل ، والسرقة... وما إلى ذلك من جرائم مما حرّم الشرع ، وجرّم القانون .
وأخيرا نقول للطابور الخامس العلماني عندنا ألا تخجلون من أنفسكم وأنتم تحشرون أنوفكم في قضايا الشرع الإسلامي، وجهلكم بها فاضح ومثير للسخرية ؟ هلاّ أرحتم أنفسكم بالاشتغال بعلمانيتكم دون الدخول في حرب مع الإسلام ، ودون اشتراط ترجيح كفتها على كفته ، أو تحقيق وجودها على حساب وجوده في بلد اختار أهله طواعية الإسلام منذ الفتح الإسلامي الأول، وسيبقون على ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ؟
وإذا كنتم تريدون رفع التجريم عن إجهاض السفاح بالنسبة إليكم، فذلك شأنكم ولا دخل لكم في شؤون غيركم ، وليس موقف الفقهاء الذين تنتقدونهم كموقفكم، فإذا كنتم أنتم ترغبون في فرض تعميم إشاعة الفاحشة زنا وإجهاضا وفق قناعتكم العلمانية ، فإنهم لا يزيدون عن توضيح موقف الشرع مما حرم الله عز وجل ، ولا يرغبون في فرض سلطتهم على الناس كما ترغبون أنتم في ذلك .
وسوم: العدد 845