رسالة إلى جامعة الدول العربية
صدمني مشاهدة رئيس جمهورية العراق وهو يلقي خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة الكردية، وهو رئيس دولة عربية معروفة!!! وتناقلت رسائل التواصل الاجتماعي هذا الخبر بشكل كبير، ما دفعني لكتابة هذا المقال.
إن العراق -البلد العربي الأصيل- بلد اللغة الرسمية فيه هي العربية، وهو من مؤسسي جامعة الدول لعربية، وهو صاحب التاريخ، والحضارة العربية العريقة، حضارة آشور، وبابل، كما أن أصول عشائره الأصلية عربية؛ ترجع إلى عدنان، وقحطان، فهل العراق اليوم يشبه عراق الأمس أي هل هو جزء من الأمة العربية، أم ماذا؟
في 22 نيسان 1945م تمّت المصادقة على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل الدول الآتية: (العراق، مصر، سوريا، لبنان، شرق الأردن) وتتضمن الفقرة (2) من ميثاق الجامعة المتكون من (20) فقرة (أن الغرض الرئيس من هذه الجامعة هو: توثيق الصلات بين الدول الأعضاء، وتنسيق الخطط السياسية لسلامة أرضها وشعبها والنظر في مصالحها). لقد مضى أكثر من نصف قرن على تأسيس “جامعة الدول العربية”، وهي فترة طويلة في حياة الشعوب، والعراق لايزال عضوا مؤسسا لها، فماذا حدث، حتى تتحوّل إلى دولة ليس لها هُوية، وتصبح مشاعة لكل من هبّ ودبّ! هل هناك مؤامرة على هذا البلد العربي لإخراجه من الأمّة العربية، وتغيير هويته من خلال التغيير الديمغرافي، أم أنها الديمقراطية الأمريكية التي جاءت مع المحتل؟
فبعد احتلال العراق عام 2003 م من قبل أمريكا، وبالتعاون مع دول الجوار العربي وإيران، تمّ تفكيك الدولة العراقية بكل مؤسساتها! على أمل إنهاء تاريخ هذا البلد العريق، فتخلّى الكلّ عن العراق وأهل وسلمت أمريكا العراق إلى إيران، وفق صفقة المصالح، بعد أن أسس الحاكم العسكري الدستور المدمّر لهذا البلد (الدستور الطائفي) لغرض تدمير العراق وتفكيك بنية الاجتماعية، وجعله فِرقا وشِيعا متناحرة، رغم أن سكان العراق العرب أكثر من 85%، لكنهم كتبوا في ذلك الدستور المكتوب بقوّة السلاح (أن رئيس الدولة العراقية كردي)، ورئيس الوزراء شيعي، وكذا فككوا الدولة العراقية على أساس طائفي وعرقي، صحيح إن المحاصصة السقيمة فُرضت بإرادة خارجية كي يكون رئيس البلاد كرديا، ولكن هذا لا يمنحه الحق أن يلقي كلمة البلد في محفل دولي بلغة غير لغته الرسمة، فكيف يحصل هذا؟ ليس تعصبًا فلو كان احتلال المنصب قد جاء في سياقه الطبيعي، من أي قومية أو مذهب أو ديانة. لا ضير أن يحتل رئيس الدولة أو رئيس الوزراء من أي كائن بشرط أن يكون وطني، ولكن لا يشرعنوا الطائفية بشكل رسمي، وسكان العراق أكثر من 35 مليونا، ولا يشكل الأكراد فيه نسبة 15% فهل من المنطق أن يكون التقسيم العرقي والطائفي بهذه الصورة، وهل يحق لرئيس الدولة العربية ولغتها الرسمية العربية أن يتكلم بمحفل دولي بلغة قومية أخرى؟! رغم أنها جزء من المجتمع العراقي، أية إهانة هذه وأي استهزاء بهذه الدولة؟! إلى أين وصل الحقد والتآمر على عراق العروبة والإسلام؟! وأين الحكومة العراقية، ألم تسمع الخطاب هل صُمّت آذانهم؟!!!
قد يعترض بعض الإخوة المثقفين أصحاب نظرية عدم المؤامرة، على أن الأمر طبيعي ولا يوجد تآمر، وأقول: إن الدولة العراقية منذ تأسيها إلى أن جاء الاحتلال هي دولة لكل العراقيين بكل أطيافهم وأديانهم وقومياتهم، وقد تولى فيها المناصب كل أطياف الشعب العراقي (العربي، والكردي، والتركماني، السني، والشيعي، والمسيحي. وآيزيدي…)، ولكن على أساس الكفاءة والوطنية وليس على أساس طائفي أو عرقي، ولم يتحدّث أي منهم غير لغة الدولة الرسمية “اللغة العربية”، ولا يوجد في قانون العراق من يمتلك جنسية ثانية يحق له الاستحواذ على المناصب الرئاسية، وليس في العراق وحده بل كل دول العالم، أما عراقنا الحالي، فرئيس الجمهورية فيه يحمل الجنسية الأمريكية! ورئيس الوزراء يحمل جنسية فرنسية! وكذلك الوزراء يحملون أكثر من جنسية، أي دولة هذه وماذا يراد بك يا عراق، أليست مؤامرة على بلد العروبة!!!
وفي الجانب الآخر بعد أن تسلمت إيران العراق، بدأ التغيّر الديميغرافي للعراق من شماله إلى جنوبه وفق أجندة مخطّط لها مسبقا، جرى تجنيس خمسة ملايين أو أكثر من الإيرانيين والأفغان ومن دول أخرى وفق أجندة لطائفية مدروسة، فتمّ تهجير السكان الأصليين، وإسكان هؤلاء المرتزقة مكانهم، وأصدرت الدولة التي يحكمها أصحاب الجنسيات الدخيلة؛ مشروع تعديل قانون الجنسية العراقية، حيث أفادت المعلومات بأنه يتضمن منح الجنسية لمن يقيم في العراق عاماً واحداً، وقد وجهت لهذا المشروع انتقادات واسعة بين الأوساط السياسية، والشعبية، وسط تحذيرات من الإقدام على مثل هذه الخطوات التي تسعى لإقرارها جهات سياسية، ومليشيات متنفذة في الحكومة. وأن الغرض ينتج عنه عمليات تغيير ديموغرافي كبير؛ نتيجة عمليات المنح غير المدروس أو المقصود في بعض الأحيان.
واعتبر سياسيون وناشطون عراقيون هذا القانون حيلة جديدة للعبث بأمن العراق ومقدراته، وإحداث مزيد من الانقسام الاجتماعي، والتغيير الديموغرافي لإنهاء وجود الشعب العراقي واستبداله بأجناس من إيران، وأفغانستان، وجنسيات أخرى.
فماذا نسمي كل هذا، أليس مؤامرة مخطّط لها لطمس تاريخ هذا الشعب وتمزيق هويته أو مسحها من الوجود؟! فرئيس دولة يخطب في محفل دولي بغير اللغة الرسمية لهذه الدولة، كما أنه يحمل جنسية أخرى غير جنسية البلد الذي هو رئيسه، ورئيس الوزراء يحمل جنسية فرنسة، وكذلك الوزراء والنواب يحمل كل واحد منهم أكثر من جنسية، والأمر الأدهى أنهم يصرحون علنا أن ولاءهم لدولة اخرى غير العراق وهم يحكمون العراق!!! مع كل ذلك تعترف الجامعة العربية بأنها حكومة رسمية تمثل العراق، وكذلك تعترف بها الدول العربية كلها وتقيم العلاقات الرسمية معها، ألا يستحوا من صنيعهم هذا؟! متى يتحرك شعورهم العربي؟ هل فعلا ماتت عروبتهم؟
نعم نحن نعلم أن الجامعة العربية تمّ تجنيدها وتذويبها في بوتقة السلوك الأمريكي في النظام الدولي الجديد المنصب على تفكيك النظام الإقليمي العربي إلى نظام متفرد على شكل تجمعات، مثل مجلس التعاون الخليجي، والنظام المغاربي، والنظام الشرق أوسطي، ولكل نظام من هذه الأنظمة سياسة واقتصادية خاصة، مما ينتج في النهاية عنه شرذمة الأمة بكيانها الاقليمي، كل ذلك من خلال استخدام الجامعة العربية ومنظماتها ومؤتمراتها طوعًا أو كرهًا، ولكن أليس من المعيب أن يعترفوا بحكومة ليست عربية تحكم بلدا عربيا رغمًا عن شعبه، وحكومته ولاءها لغير العراق بل تعلن أن ولاءها لدولة أخرى، فماذا بقي أكثر من ذلك وماذا تنتظرون، أليس عليهم إعادة النظر في ميثاق الجامعة؟!!!
وأعتقد نحن في زمن ينطبق عليه المثل القائل:
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً.. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.
وسوم: العدد 845