أبو الغيط يتهم تركيا بغزو سورية
من جديد تؤكد الجامعة العربية انها تمثل أنظمة الحكم في دولها، وأنها لا تمثل طموحات وآمال ومطالب الشعوب العربية أو إرادتها، وهذا يثبت ويؤكد على أن هذه الأنظمة التي تسلقت جدران السلطة في بلدانها، غيلة وغدراً بدعم أنكلو صهيوني قديماً، وأمريكي روسي إيراني حديثاً، لتقهر شعوبها، وتنبطح أمام أعداء هذه الأمة، التي امتُحنت بتسلط هذه الأنظمة عليها، لتذيقها مرارة العيش وضيق الحال، والتقلب على جمر الفاقة والعوز، فالماء عزيز والغذاء شحيح والدواء مفقود والتعليم معدوم.
وعندما استفاقت هذه الشعوب وانتفضت في ربيع حسبته أنه سيغير من واقع حياتها، اصطدمت بسيف وسوط وسكين جلاد ينهال على جسدها العاري بلا رحمة أو شفقة، يبقر البطون، ويجز الرقاب، ويقطع الأطراف، ويفقأ العيون، ويدمر كل ما على الأرض من بشر وشجر وحجر.
وعندما استفاق الناس على مقتل ما يزيد على مليون ونصف مواطن في سورية ومثلهم في العراق و عشرات الآلاف في اليمن و مصر و ليبيا، أغلقت هذه الأنظمة حدودها في وجه الفارين من الموت في هذه الدول، وذهبت أبعد من ذلك عندما رحّلت الآلاف ممن استوطنوها لسنوات طويلة إلى خارج حدودها؛ بكل خسة ونذالة، ولم يجد هؤلاء الفارين من الموت، وهم بالملايين، سوى تركيا التي فتحت أبوابها لكل مضطهد في هذه البلدان، وقدمت لهم كل التسهيلات للعيش الكريم.
وحاولت تركيا لسنوات جاهدة لإيجاد منطقة آمنة في شمال سورية، يعود إليها المهجّرون إلى بلدانهم التي اغتُصبت من قبل فصيل كردي إرهابي، يعيث فساداً فيها، كانت تقف لها أمريكا بالمرصاد وتحول دون ذلك، مقدمة كل مساعدة عسكرية ولوجستية لفصائل إرهابية تمردت على بني جنسها من الأكراد، معلنة أنها تريد اقتطاع جزء من سورية لتقيم عليه دويلة شبيهة بدويلة بني صهيون، وعرفت تركيا اللعبة من ألفها إلى يائها، ووجدت سكوتها على ما تقوم به أمريكا وهذه العصابات الانفصالية، سيكون خنجراً مسموماً يستهدف أمنها واستقرارها، وقطع أي علاقات جمعتها مع شقيقتها سورية لقرون طويلة، فاتخذت قرارها بكل شجاعة وتصميم وإصرار وإقدام، على منع هذه الطغمة المارقة من تحيق حلمها، فدفعت بجيوشها مدعومة بعشرات الآلاف من عناصر الجيش الوطني السوري، متوكلين على الله وعلى سواعدهم وما لديهم من قوة وعتاد، وأمام هذه الإرادة والتصميم، أطرت أمريكا لسحب قواتها من أمام الجيش التركي وفصائل الجيش الوطني السوري، عندما وجدت أن الأمر بالنسبة لتركيا أمر جدي وقرار لا رجعة فيه، كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وبدلاً من أن تقف الدول العربية إلى جانب تركيا في عمليتها لتطهير الشمال السوري من العصابات الإرهابية والانفصالية المارقة، أرغدت وأزبدت واعتبرت ما تقوم به تركياً غزواً لدولة شقيقة، دون النظر إلى آمال وطموحات الشعب السوري المنكوب، والذي ظل يبحث عن مكان آمن يلجأ إليه منذ سنوات تسع عجاف، بعيداً عن براميل الموت وسموم الكلور والساريت التي يلقيها عليهم نمرود الشام، والصواريخ والقنابل الانشطارية والفراغية والعنقودية والنابالم، التي يقصفهم بها المحتل الروسي، والسكاكين والسواطير التي تبقر بها ميليشيات الحقد الطائفي، التي جندتها دولة القرامطة إيران، بطون النساء، ويجزون بها رؤوس الأطفال والشيوخ، وكان من نتيجتها قتل ما يزيد على مليون ونصف مليون سوري، وسجن واعتقال ما يزيد على نصف مليون سوري، وتهجير ما يزيد على ثمانية ملايين سوري، هاموا على وجوههم في بلاد الله الواسعة (أوروبا وأمريكا وأستراليا ونيوزلندا) إضافة إلى دول الجوار، والتي كان أكبر عدد من المهجرين لجأوا إلى تركيا (أربعة ملايين)، ونزوح أكثر من سبعة ملايين من بيوتهم ومدنهم وبلداتهم وقراهم ومزارعهم في الداخل السوري، بعيداً عن الموت وبحثاً عن الأمان، وكل هذا مجتمعاً إضافة إلى نهب الثروات السورية المتعددة، وإلى سرقة تراثها وتاريخها الحضاري.
وعندما بدأت عملية نبع السلام وتمكن الجيش التركي بدعم من الجيش الوطني السوري من عبور الحدود السورية التركية، بعمق 12 كيلو متر وطول 125 كم، تم خلالها تحرير مدينة رأس العين الاستراتيجية، وتطويق مدينة تل أبيض، وتحرير عشرات القرى والمواقع الاستراتيجية التي كانت تتمركز فيها قوات الانفصال الإرهابية الكردية، في هذه الأجواء التي أسعدت الشعب السوري وأفرحته، أعلن أبو الغيط أمين ما يسمى بجامعة الدول العربية اجتماعاً للتنديد بعملية نبع السلام، معتبراً أن ما قامت به تركيا هو غزو لبلد عربي شقيق.
وعُقد الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية عدد من الدول العربية بدعوة من مصر، عقب إطلاق تركيا عملية نبع السلام شمالي سورية، التي تنفذ فيها دول عديدة عمليات عسكرية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
وتحدث وزراء خارجية العراق ومصر، ولبنان، والبحرين، وتونس، وموريتانيا، وكذلك وزراء شؤون خارجية في السعودية والإمارات على أهمية وقف العملية، وإيجاد حل سياسي لسورية.
وفي كلمات ممثلي بلدانهم، دعا العراق والجزائر ولبنان، إلى أهمية إعادة سورية إلى مقعدها بالجامعة العربية، وتحفظت كل من قطر والصومال على البيان الختامي، فيما رفضت ليبيا طلب خفض التمثيل الدبلوماسي مع أنقرة.
وكان لمندوب الصومال موقفاً مغايراً لمواقف الدول العربية، فقد أشاد بدور “دول صديقة منها تركيا”، عما قامت به من دور في بناء مؤسساتها وجيشها الوطني، معلنا تضامنه مع الشعب السوري في وصول بلاده لحل سياسي.
وعقب ساعات من انتهاء الاجتماع، أعلنت وزارة الخارجية الليبية في بيان رفضها طلب الجامعة العربية خفض التمثيل الدبلوماسي ووقف التعاون مع تركيا.
ويأتي تأكيد الوزارة عقب إصدار الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب بيان طالب الدول العربية بعدم التعاون مع الحكومة التركية وخفض التمثيل الدبلوماسي لدى تركيا، حسب البيان.
فيما نقلت وسائل إعلام محلية، امتناع مندوب ليبيا الدائم لدى الجامعة العربية، عن إلقاء كلمة بلاده في الاجتماع العربي بالقاهرة، واكتفائه بتسليم كلمة مكتوبة.
تركيا من جهتها ردت على البيان الذي أصدرته الجامعة العربية ببيان أذاعه “فخر الدين ألتون” رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية، جاء فيه: إن “تركيا تدرك حقيقة أن أولئك الذين لا يشعرون بالارتياح من دفاع تركيا عن حقوق الشعب الفلسطيني، واعتراضها على الصفقات التي تستهدف القدس، ومعارضتها للانقلابات العسكرية والجرائم المرتكبة في مناطق شتى واستهداف المدنيين في اليمن، لا يمثلون العالم العربي”.
فيما اعتبر متحدث وزارة الخارجية التركية “حامي أقصوي” “اتهام أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط لبلاده بالمحتلة، شراكة في جرائم تنظيم “ب ي د- ي ب ك/ بي كا كا” الإرهابي، و”خيانة للعالم العربي”.
أخيراً ليعلم كل هؤلاء المتنطعون، الذين يعتبرون أنفسهم أنهم يمثلون الدول العربية المنضوية تحت يافطة ما يسمى بالجامعة العربية، ما هم إلا بيادق تحركها أصابع من وراء الحدود، ولا يمثلون في حال من الأحوال إرادة الشعوب العربية وتطلعاتها وأمانيها، وأن هذه الشعوب تثق بتركيا حكومة وشعباً وبكل ما تقوم به، من أنه يحقق مصالحها السورية التركية المشتركة، وأن كل ما هدفت إليه تركيا من وراء العملية العسكرية، هو القضاء على “الممر الإرهابي”، الذي تُبذل جهود لإنشائه على الحدود الجنوبية لتركيا، وإلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة وإلى عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى مناطقهم ومدنهم وبلداتهم ينعمون بالأمن والأمان والسلام، والذين يقولون لكم لا شكر الله سعيكم وأبطل الله سحركم وكيدكم ومكركم.
وسوم: العدد 846