ويأتينا بالأخبار السارة من لم نزود
«بعد عشرين عامًا من الغياب، تستأنف وكالة السفر الاسرائيلية flying carpet، (البساط الطائر) قريبا رحلاتها الجوية بين تل أبيب والمغرب، بتكلفة حد أدنى تبلغ 600 دولار للتذكرة، لتصل إلى ألف دولار للرحلة المباشرة، من إسرائيل إلى المغرب، وهي رحلة تستغرق 7 ساعات، ويتضمن هذا السعر الإقامة في فندق مع وجبة إفطار. وبداية أي في مايو/أيار المقبل سيجري تسيير خمس رحلات شهريًا من تل أبيب إلى الدار البيضاء ومراكش وطنجة ووجدة. وكانت شركة السفر الإسرائيلية هذه التي كان لها مكتب في الرباط، تقوم برحلات بين تل أبيب ومراكش قبل أن تتوقف بقرار ملكي، أفضى إلى غلق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، لتستأنف الشركة ذاتها رحلاتها عبر خطوط غير مباشرة انطلاقا من إسبانيا أو فرنسا».
هذا خبر تناقلته وكالة الأنباء، وبعض الصحف ووسائل الإعلام العربية في الأسبوع الماضي، الغرابة ليست في الخبر بحد ذاته، فللمغرب الرسمي تاريخ أسود في العلاقات مع الحركة الصهيونية، ودولة الاحتلال، تعود إلى أواسط القرن الماضي، وتكمن الغرابة في أن يمر هذا الخبر مرور الكرام فلسطينيا وعربيا، من دون الرد المستحق، وكأنه أمر طبيعي ومقبول أو مسلم به، أن ترتبط رئيسة لجنة القدس بعلاقات طيبة مع دولة الاحتلال، وهنا مكمن الخطر، والخوف أيضا أن تندرج هذه اللامبالاة في ردود الأفعال، على دول أخرى، خاصة أن هناك دولا عربية خليجية تمارس التطبيع المجاني مع دولة الاحتلال من تحت الطاولة. وتسعى إلى إخراجه إلى فوق الطاولة.
فباستثناء استنكار حركة المقاطعة «BDS»، لم تكن هناك احتجاجات واستنكارات أخرى. واعتبرت الحملة في بيانها الصادر يوم الاثنين -28/10/2019، أن مثل هذه الخطوات المستهجنة، التي تأتي في الوقت الذي يتم فيه الاعتداء على أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، خلال دعوته لمناهضة التطبيع مع الاحتلال ومقاطعته، في مشهد استفزازي لمشاعر الشارع العربي عموما، والمغربي خصوصا، إنما تمنح الشرعية للاحتلال والضوء الأخضر لزيادة وتيرة هجمته الوحشية العنصرية على الفلسطينيين، والتضييق عليهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم. ودعت الحملة الأحزاب والهيئات المغربية للتحرك العاجل لإدانة واستنكار هذه الخطوات، واتخاذ كافة الإجراءات لوقفها ومحاسبة المسؤولين عنها.
لو تزامن هذا الانفتاح المغربي الرسمي الجديد، أو بالأحرى المفاجأة المغربية الجديدة، ردا على تطور إيجابي في موقف حكومة الاحتلال نحو تحقيق السلام، وتراجعها عن خطواتها لضم الضفة الغربية وإجراءاتها المتسارعة لتهويد القدس، لوجدنا منفذا للتبرير وفهم هذه الخطوة، ولكن لا يفهم أن تأتي هذه الخطوة في وقت هو الأسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية عموما، وبالنسبة لقضية القدس، التي يترأس العاهل المغربي لجنتها التي تأسست عام1975 لغرض حماية القدس من المخططات والمؤامرات الصهيونية المتسارعة لتهويد المدينة المقدسة. هذه الخطوة تأتي في وقت تستعد فيه إدارة ترامب لطرح خطتها التصفوية للقضية الفلسطينية والقدس ومقدساتها، المعروفة بصفقة القرن.
فرض مجلس مدينة أوسلو، الذي تم تنصيبه حديثًا، الحظر على سلع ومنتجات المستوطنات الإسرائيلية
والشيء بالشيء يذكر فإن العلاقة بين الرباط وتل أبيب تعود إلى مطلع ستينيات القرن الماضي، مع تسلم الحسن الثاني الولاية من والده محمد الخامس، وتحديدا بعد الاتفاق السري الذي عقده جهاز الموساد مع السلطات المغربية عام 1961 لتهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل. منذ ذلك الحين، بدأ المغرب وإسرائيل في نسج علاقات سرية بينهما، وهو ما اتضح في اختطاف المعارض المغربي المقيم في باريس المهدي بن بركة في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1965، وقتله، ودور الموساد في تصفيته.
وتعززت العلاقات الأمنية بين إسرائيل والمغرب، إلى حد زعم وسائل إعلام إسرائيلية أن الرباط ساعدت الموساد في التجسس على القمة العربية، التي انعقدت في المغرب عام 1965. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية شلومو غازيت، قوله إن المغرب مكن إسرائيل من تسجيلات قمة عربية استضافها عام 1965. ما هيأ لها سبل الانتصار في حرب 1967.ومنذئذ لم تتوقف العلاقات المتينة بين البلدين، والكل يعرف تفاصيل الدور الذي لعبه المغرب في التمهيد لزيارة الرئيس المصري أنور السادات المشؤومة للقدس المحتلة عام 1977 ، وإلقاء خطاب فيه، أدى إلى معاهدة سلام كامب ديفيد عام 1979، وخروج مصر كبرى الدول العربية من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي. تلك الزيارة التي بدأ التخطيط لها عام 1976 عندنا استضاف الملك الحسن الثاني، للمرة الأولى، رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، الذي جاء لطلب المساعدة المحتملة من المغرب لتعزيز الحوار بين إسرائيل ومصر. وبعد مرور عام، نظّم المغرب اجتماعًا سريًا بين وزيري الخارجية المصري والإسرائيلي، ما مهد الطريق لتلك الزيارة المشؤومة.
وكان تركيز الموساد على المغرب لسببين، أولهما الوجود اليهودي الكبير هناك، ونفوذه القوي. وثانيًا لأهمية موقع المغرب الجغرافي. ويدخل ذلك في سياق الاستراتيجية الأمنية لجهاز الموساد، التي ترتكز على محاصرة العالم العربي، من خلال نسج علاقات وثيقة أمنية وسياسية واقتصادية وتجارية، مع الدول التي تقع على أطرافه. ونذكّر فقط بالعلاقات الحميمة بين جهازي السافاك الإيراني سيئ الذكر، إبان عهد الشاة والموساد، وكذلك العلاقات الوثيقة التي كانت تربط بين تركيا وإسرائيل قبل أن تتدهور العلاقات على الأقل ظاهريا في السنوات العشر الماضية؟ وهذا الشيء ينطبق على إثيوبيا، التي لا تزال ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، ولن ندخل في تفاصيل تهريب يهود الفلاشا.
وأخيرا فإنه في كل مرة نسمع فيها أخبارا عربية محبطة يزودنا بالأخبار المفرحة والرافعة للمعنويات من لم نزود، ومزودنا هذه المرة هو العاصمة النرويجية أوسلو، التي كانت سبب بلوانا باتفاق أوسلو المشؤوم عام 1993، الذي لا نزال ندفع ثمنه. ففي خطوة تاريخية، فرض مجلس مدينة أوسلو، الذي تم تنصيبه حديثًا، الحظر على السلع والمنتجات الاستيطانية من المشتريات العامة في بلدية أوسلو، وأصبح الحظر جزءا من البرنامج المعتمد حديثًا للفترة 2019-2023 الذي وافق عليه مجلس المدينة، الذي تم انتخابه مؤخرًا ، بقيادة اليسار الاشتراكي، وأحزاب العمل والخضر.
وقالت الحملة الدولية لمقاطعة «BDS» إنه رغم الجهود المتضافرة التي بذلتها إسرائيل وحلفاؤها اليمينيون في النرويج، وفي جميع أنحاء العالم لقمع تدابير المساءلة لدعم الحقوق الفلسطينية، أصبحت أوسلو عاصمة النرويج وأكبر مدنها، البلدية النرويجية السادسة التي تحظر السلع والخدمات الاستيطانية. والتزم مجلس أوسلو بما يلي: التحقيق في نطاق العمل في لوائح المشتريات، بعدم تجارة السلع والخدمات المنتجة في الأراضي التي يتم إنتاجها في مستوطنات الضفة، التي تنتهك القانون الدولي. ويشير قرار بلدية أوسلو إلى أن الحظر المفروض على المنتجات والخدمات الاستيطانية لا يميز بين الشركات الإسرائيلية والدولية، التي تعمل في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
ونختتم بالتأكيد على النتيجة التي توصلت إليها ومفادها أن العرب، وخلافا لما يتردد هم ليسوا كرماء بما لديهم، خلافا لحاتم الطائي. فهذا الأعرابي لم يكن بكرمه منقطع النظير يمثل جموع الأعراب، بل حالة نادرة ولهذا شاع صيته، وأصبح يضرب بكرمه المثل. والشيء الوحيد الذي يظهر فيه العرب ونعني العرب الرسميين، من المحيط إلى الخليج وبالعكس أنهم حقا من ذرية حاتم، عندما يتعلق الأمر بفلسطين قضية وأرضا وشعبا. فهم اختاروا أن يكونوا «حاتميين» في كرمهم يقدمون هدايا التطبيع مجانا لدولة الاحتلال ليثبتوا أن حاتم الطائي ليس وحيدا في كرمه، ولن يكون طالما بقيت فلسطين وطالما بقيت قضيتها.
وسوم: العدد 849