العراق بين استقالة عبد المهدي وقتل المتظاهرين السلميين
شهدت العاصمة العراقية ومحافظات وسط وجنوب العراق على مدى الأسبوع الأول من تشرين الأول احتجاجات شعبية واسعة، ضد الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية والبطالة، والمحاصصة الطائفية، وبتدخل إيران في الشؤون الداخلية للعراق، والمطالبة بحل أزمة الإسكان، وسوء الأداء الحكومي؛ في مجال الخدمات الأساسية والبنية التحتية، مع مطالبات بإسقاط الحكومة.
ورافقت الاحتجاجات التي استؤنفت الجمعة 25 تشرين الأول، حالات قمع عنيفة، شبيهة بما جرى في الاحتجاجات الماضية، ومن غير المستبعد أن تكشف الإجراءات القمعية الأخيرة التي رافقت احتجاجات 25 تشرين الأول عن تورط كبار المسؤولين في القوات الأمنية والحشد الشعبي في عمليات القتل، التي وصل عدد ضحاياها إلى 63 قتيلا في يومي الجمعة والسبت ووصلت إلى 74 قتيلا بحلول مساء الأحد.
بالإضافة إلى أن حصيلة القتلى من المدنيين المحتجين في ازدياد، فإن اتهام ومعاقبة قيادات أمنية وعسكرية سيخلق قناعات في أوساط المحتجين؛ بأن الاستمرار في استخدام العنف المميت، يقود إلى حقيقة اتباع الحكومة العراقية سياسة القمع بشكل ممنهج، وأن عبد المهدي بصفته القائد العام للقوات المسلحة، والذي ترتبط بمكتبه مباشرة هيئة الحشد الشعبي، هو المسؤول شخصياً عن مقتل هذا العدد الكبير من المحتجين.
في حين تعتقد منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية، استناداً إلى مقابلات أجرتها مع نشطاء شهدوا مقتل محتجين، أن قوات الأمن العراقية استخدمت الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين في حملة قمع وصفتها المنظمة بـالمروعة، بهدف مضايقة وتخويف المحتجين،
وترهيب واعتقال الناشطين السلميين، والصحفيين والمحتجين.
الحكومة العراقية تبرر ما وقع من عمليات قمع المتظاهرين إلى فقدان قادة الأجهزة الأمنية سيطرتهم على بعض عناصرهم خلال الاحتجاجات مما أدى إلى حالات قتل لـ 149 مدنيا وإصابة 4207 بجروح متفاوتة بين شديدة ومتوسطة وخفيفة، بحسب ما جاء في تقرير لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة العراقية.
المحتجون يصرون على أن موقف حكومة عادل عبد المهدي يتحملون كامل المسؤولية عن إصدار أوامر القتل لقادة الأجهزة الأمنية، وهم قيادات سياسية وأمنية وأخرى في الحشد الشعبي، متهمين حكومة عبد المهدي أنها تنفذ الأوامر التي تأتيها من إيران.
والمضحك المبكي أن لجنة التحقيق التي عينها عادل عبد المهدي يرأسها وزير التخطيط، نوري الدليمي، وهو عضو في الحكومة التي يترأسها عبد المهدي، الذي يتهمها المحتجون بأنها المسؤولة عن حوادث القتل؛ والمحتجون يرفضون مثل هذه اللجنة المسيسة وغير الحيادية، ويشككون بـمصداقية لجنة تحقيق يرأسها وزير تابع لعبد المهدي التي يطالب المحتجون باستقالتها.
لقد كان أكثر من 70% من القتلى إصابتهم بالرأس والصدر وفقا للتقرير، الذي قدّر أعداد القتلى بـ 149 مدنيا و8 من القوات الأمنية، كما أشار التقرير إلى أدلة توثق استهداف المحتجين من مبنى قرب ساحة التحرير في بغداد، برصاص القناصة، لكن التقرير تجنب التطرق إلى هوية هؤلاء مع اتهامات من ناشطين في الاحتجاجات، بتستر الحكومة عن الكشف عن هوية وانتماء القناصين.
لم يتضمن تقرير لجنة التحقيق أي إشارة إلى مسؤولية رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة، أو إلى أي من قيادات فصائل الحشد الشعبي أو عناصر الحمايات الخاصة لأعضاء مجلس النواب أو لقيادات سياسية ودينية كثيرا ما تحدث نشطاء عن مسؤوليتهم المباشرة عن عمليات القتل.
وهناك ثمة توافق بين ما يقوله المحتجون وبين بعض قادة القوات الأمنية؛ على أن هناك قناصة مجهولين يعتلون أسطح البنايات المطلة على ساحة التحرير وسط بغداد، وينفذون عمليات قنص تستهدف الطرفين، المحتجين والقوات الأمنية.
وتحدث ناشطون إعلاميون استنادا إلى شهود من المحتجين؛ أن بعض فصائل الحشد الشعبي مسؤولة عن استخدام سلاح القنص على نطاق واسع، كما أكد عدد من المحتجين أن الحشد الشعبي مسؤول عن مداهمة وتخريب ممتلكات بعض القنوات الفضائية.
في ذات الوقت، تحولت الاحتجاجات في بعض المحافظات جنوب بغداد إلى أعمال عنف وتخريب وإحراق لمبان حكومية ومكاتب تابعة للأحزاب السياسية وفصائل الحشد الشعبي، وأنكرت مجموعات الاحتجاجات الشعبية أي ارتباط لها أو مسؤولية عما حدث، من عمليات حرق وتخريب واعتداء على المؤسسات الحكومية أو المدنية، متهمين جهات مرتبطة بالأحزاب الدينية الموالية لإيران والحشد الشعبي الذي أعدته طهران وزودته بالعتاد والسلاح والمال، بافتعال تلك الأعمال التخريبية، لحرف مسار الاحتجاجات عن خطها السلمي وجر المحتجين إلى دوامة الاشتباك مع القوات الأمنية، كما فعلت مثيلتها في سورية.
من المؤكد أن لجنة التحقيق لم تكشف عن جميع الحقائق والأدلة التي حصلت عليها للرأي العام العراقي، وكان على عادل عبد المهدي أن يكلف لجنة قضائية مستقلة لهذا الغرض، وهو رأي تداوله ناشطون ومحتجون.
نتمنى أن يتغلب صوت العقل عند المرتبطين بالعراق الوطن والشعب، وأن يكونوا على قدر كبير من المسؤولية تجاه العراق العظيم بوابة العرب الشرقية، ويحولوا دون الانغماس في مستنقع الموت والخراب والتدمير كما حصل في الشام، فقد كفى العراق والعراقيون ما تحملوه منذ احتلاله من قبل القوات الأمريكية الغاشمة، وما جرّ عليها من ويلات وإحن ومصائب، على يد عملاء أمريكا التي حملتهم إلى بغداد على ظهر دباباتها، قادمين إليها من طهران؛ التي دربتهم وأعدتهم لتسلم مقاليد الحكم في العراق باسم معممي قم وتحت يافطة طائفية مقيتة، آثروا أن يكونوا خدماً للولي الفقيه ومؤتمرين بأوامره، ومنفذين لرغباته وأجندته، مبددين ثروات العراق وعابثين بقيم وحضارة بلاد الرافدين العظيمة.
وسوم: العدد 849