ثورة الكرامة أسقطت الأقنعة !!
كان "العراق" قِبلة السائحين وطلاب العلم، والمرضى الباحثين عن العلاج، كان منارة للعلم والتطوّر والمعرفة والتنمية والتصنيع في كافة نواحي الحياة، معروف بكرم الضيافة ورحابة الصدر وسخاء النفس!
منذ استحوذت إيران على العراق منذ عام ٢٠٠٣- بدعم أمريكي وإسرائيلي- تحوّل "العراق" رغم ثرواته الهائلة إلى مستنقع للفقر والمرض والموت... فصارت كل مدن "العراق" غارقة في الظلام والجهل. وكل ما يطمح إليه أهلها استنشاق الهواء النظيف بعيداً عن روائح النفايات ومستنقعات مياه الصرف الصحي.
كما تحولت تلك الأرض الخِصبة إلى أرض فقيرة قاحلة ومظلمة وطاردة لأهلها. شُرّد الملايين من العراقيين إلى جميع أصقاع المعمورة، ولم تنجُ من ذلك المصير المشؤوم إلا محافظات شمال العراق (كردستان) لتخادمها مع الشروع الإيراني.
هذا ما قدمته الجارة إيران لشعب العراق من شماله إلى جنوبه!!!
لقد انتشرت صور القتلى في كل مكان، وعمّ الفساد وكثرت الخرافات والعمالة والوصاية في كل المحافظات، كما انتشرت صور (الخميني، وخامنئي، ونصر الله، وأصحاب العمائم السوداء) في أرجاء البلاد، فضلا عن العبارات الداعمة للوصاية "الإيرانية" والتي كرّست للتبعية وضياع السيادة والكرامة والانتماء الوطني، وحوّلت العراق إلى منصات شحن طائفي وخرافات ودجل وتحريف وفساد، وأصبح العيش في العراق تحت زمرة عملاء إيران؛ جحيم لا يطاق. فأجبروا الشباب على الهروب الجماعي، والتهجير القسري الطائفي فضلا عن الاغتيالات والتصفيات السياسية لأصحاب العقول.
وامتلئ العراق بالسجون والمعتقلات الضخمة تحت شعارات معادية ل "أمريكا، وإسرائيل". وأغرقوا البلاد ب "ميليشيات" بدلا من "الجيوش" و"معسكرات للتدريب" بدلاً عن "المدارس"، هذا ما قدمته الجارة إيران من خلال عملائها المأجورين في السلطة.
أليس من حق الشعب العراقي أن يصحوا من عملية التخدير التي استخدمتها إيران لستة عشر عام، ويثور لاسترداد السيادة والكرمة؟
فانطلاق ثورة تشرين الشبابية في العرق كشفت زيف إيران وخزعبلاتها وأفكارها المشؤومة التي سمّمت عقول الشباب العراقي!! فلم تعد تجدي نفعًا، ولن تثمر في أرض الإباء والعزّ إلا الخيبة، فقد عملت إيران على تحويل العراقيين إلى خدم، ففي شهر محرم وتحت مسمّى خدمة الحسين عليه السلام يطلب إلى العراقيين خدمة الحجاج الإيرانيين! فاذا بالشباب الحرّ الأبيّ يصدم إيران ويثور في وجهها ويكشف خبثها ومكرها...
فصحوتهم هذه جاءت أسرع مما كان متوقعا، جاءت لتطالب بطرد إيران تماما وتسقط القناعة عن مشروعها الطائفي. فأعلن الشباب الثائر أن هُوية الشعب هو: (العراق الواحد) بكل أطيافه دون مسميات طائفية أو قومية أو إثنية.
لقد كتب أحد المتظاهرين بلهجته البسيطة: (رسالة إلى "خامنئي" اسحب ذيولك من العراق بعد لعبتك، مال سنه وشيعه؟! شيلها من بالك راحة من العراق صرنا شعب واحد كما كنا سابقا، العراقي يريد وطنا مستقلا ما يريد تبعية لأحد) عبّر بهذه الكلمات العاميّة البسيطة عن كل ما يدور في ذهن الشباب الثائر.
فأثبت العراقيون أنهم شعب واحد لا يفرقهم دين أو مذهب أو قومية وقالوها بصوت عالي ومن ساحة التحرير: "نحن العراق".
فكم كشفت ثورة تشرين من حقائق كانت مخفية، وأسقطت الأقنعة المزيفة، والعمائم الملوثة بالتبعية، والقيادات المأجورة...
فمن ثمرات الحراك العراقي:
1. سقوط المشرع الطائفي التوسعي الإيراني في العراق، وسقوط الأقنعة الطائفية بعد كل أساليب الخداع والتظليل خلال ستة عشر سنة.
2. كشفت تبعية ما يسمى الحكومة العراقية لإيران فهي تتلقى الأوامر منها ولا تستطيع اتخاذ أي إجراء دون الرجوع إلى الولي الفقيه!
1- سقوط أقنعة أهل العمائم الذين أقاموا الدنيا وأقعدوها احتجاجا على عازفة الكمان، بينما سكتوا بل تخارسوا عن مقتل المئات، وجرح الألاف من الشباب المسالم.
2- سقوط أقنعة التيار الصدري، وأساليبه لركوب الموجة خدمة لأسياده في إيران، حيث كان يتبجح ويدّعي زورا وكذبا أنه تيار الفقراء، وأنه جاء من رحم المعاناة.
3. كشفت السياسيين الذين صدّعوا رؤوسنا بخطاباتهم الوطنية وخاصة الذين يدّعون المدنية، فجميعهم تبرأ من الثورة أو تخارس ووضع رأسه بالرمال كالبقية، بل تحالفوا للقضاء على الثورة، وبذلك سقطت وطنيتهم.
4. كشفت خذلان الأشقاء العرب الذين كانوا يتهمون أهلنا في جنوب العراق (الشيعة العرب وعذرا للتسمية ولكن للتوضيح) أنهم حاضنة الولي الفقيه، وحينما هبوا ضدّ إيران لم نسمع منهم أي تأييد لهذه الثورة لا على مستوى الأنظمة العربية، ولم يصدر بيانا من الجامعة العربية ولا من الشعوب!!
5- كشفت زيف الديمقراطية التي جلبتها أمريكا للعراق، ودستورها البائس الذي يؤكد على الحريات الشخصية ومنها حرية التعبير والتظاهر.
6- كشفت إيران الفارسية التي كانت تتبجح بأنها الراعية للمذهب الشيعي وتدافع عنه وعن وجوده وقد صدّقها السذّج من القوم وها هي اليوم تقتل الشيعة بدم بارد حفاظا على مصالحها ونفوذها ولتؤكد أنها ليست دولة طائفية إنما هي عنصرية وتكره شعب العراق لأنهم عرب.
أيها الشباب الثائر إن ثورتكم هزّت طهران قبل الحكومة والبرلمان العراق حتى هب الرؤساء، والوزراء، والنواب وهم في حالة ذعر وارتياب، خوفا وخضوعا وانقيادًا... لإرضائكم بجوائز ترضية، كقطعة أرض، أو عقد عمل، أو وعود في تعديل الدستور، وكأنكم متسولون!
فلا تخدعكم وعودهم وألاعيبهم، ولتستمرّ الثورة حتى تحقيق كل المطالب وأولها طرد إيران وأذنابها من أرض العراق.
إن الإصرار على استخدام القوة وفتح النار على المتظاهرين يعكس هلع إيران وخوف السلطة السياسية العراقية بعد فشل حكوماتها المتعاقبة في تلبية حاجات العراقيين بالأمن والاستقرار والحفاظ على أموالهم التي استحوذ عليها حيتان الفساد ومن يدعمهم ويتستر على استمرارهم في نهب ثروة العراقيين.
في يوم السبت الموافق 9/10/2019 اجتمع قاسم سليماني مع مقتدى والعامري في طهران لتلقي الأوامر، وهذه الأوامر ستنعكس على لقاء الكتل الحاكمة، وعلى الاتفاق في الحفاظ على الحكومة، وتصفية الثورة بكل ثمن.
فماذا يعني لكم ذلك؟
هل وصف الخونة أو المرتزقة يعد كافيا؟!
وهل بقي شيء لم يفتضح؟
لقد سقطت كل الاقنعة وانكشفت كل النوايا، فلا تثقوا الوعود، لأن من يخون وطنه لا يمكن الثقة فيه.
الرحمة لأرواح الشهداء، والشفاء للجرحى، والتحية لكل من شارك في الثورة قولاً وفعلاً...
وسوم: العدد 850