الاحتجاجات في إيران تقودها إلى الإفلاس الاقتصادي
بعد موجة الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها معظم المدن والبلدات الإيرانية، يطلّ علينا المرشد علي خامنئي قائلاً: إن تنفيذ قرار زيادة سعر البنزين أمرٌ ضروري، بعد أن وافق عليه رؤساء السلطات الثلاث!
لكن السؤال المحوري هنا: لماذا يصرّ المرشد على تنفيذ هذا القرار بالرغم من الكلف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على تنفيذه؟!
إن كان يرى نفسه واحدًا من هؤلاء المراجع، فلماذا لم يبد تعاطفًا مع الشعب أو شفقة عليه كما فعل الآخرون؟ ولماذا يصرّ على تنفيذ القرار الذي من شأنه إشعال غضب المواطنين؟ ولماذا هذا الاصرار على تبني ما سماه ب "اقتصاد المقاومة"، الذي ابتدعه بنفسه؟!
بالتأكيد هو أول من وضع مصطلح "اقتصاد المقاومة" وصاغه عام 2010م. حيث تمّت صياغته في ظلّ العقوبات المفروضة على إيران، فإذا ما تمّ تنفيذ العقوبات على إيران، وبخاصّة المتعلقة بالمشروع النووي، فإن الحلول موجودة وقد طرحها خامنئي وفق سياقات مختلفة يأتي في مقدمتها، إنكار تأثير العقوبات وإقناع الشعب أنهم في وفرة اقتصادية.
أما السياق الثاني؛ فهو التفكير في كيفيّة تجاوز العقوبات والالتفاف عليها من خلال ابتكار وسائل جديدة لتهريب النفط، وتوظيف دول الجوار لتخفيف استراتيجية الخنق الاقتصادي التي تتوسل بها واشنطن، وكان من آثار هذه السياسة؛ هيمنة الحرس الثوري، ومافيات الفساد على الاقتصاد الإيراني المنهار أصلا.
أما السياق الثالث؛ فهو تبني "دبلوماسية حافّة الهاوية" والتي تزامنت مع مرحلة تصاعد وتيرة العقوبات، وتفعيل سياسة الاعتماد على الذات، ومحاولة تهيئة الأرضية الدبلوماسية لابتزاز دول الاتحاد الأوروبي لتفعيل آلية التعامل المالي، والتي باتت أشبه بالنفط مقابل الغذاء.
ولكن بعد هذه التطورات الأخيرة التي جرت في إيران إثر انفجار الاحتجاجات بعد موجة الغلاء التي اجتاحت إيران، حيث دخلت إيران بشكل متسارع في نفق الانهيار الاقتصادي، حتى وصل سعر الدولار الأميركي في إيران إلى 12 الف تومان متجاوزاً بذلك "حاجز المقاومة المحدّد"، "ودخلت أسعار الصرف مرحلة من التقلّب وعدم الاستقرار، وفي هذه الأثناء أشارت الصحافة اليومية الإيرانية إلى أن ميزانية العام المقبل ستشهد اضطرابا وعدم استقرار في سعر العملات الصعبة، محذرةً من أن تسعير العملة الصعبة في ميزانية العام المقبل قد يؤدّي إلى عجز كبير في الميزانية وقد تصل نسبة العجز إلى حدّ غير مسبوق في تاريخ إيران!
وفي الوقت نفسه أعلنت هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية، في أحدث تقرير لها، أن مشتريات الغاز الإيراني انخفضت إلى ثلث الكميّة التي كانت طهران تصدرها إلى أنقرة في الشهر نفسه من العام الماضي، وأفادت إحصائيات هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية أيضا، بأن البلاد لم تتلق أي شحنات نفطية من إيران. وعلاوة على ما سبق تتوالى المصائب الاقتصادية على إيران، حيث قال مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية "غلام رضا أنصاري": إن دولا مثل الصين لن تتعامل مع إيران إذا لم يتمّ اعتماد لوائح غسل الأموال، مؤكدا: "أن عدم إقرار لوائح مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) يعني دق المسمار الأخير في نعش النظام المصرفي في إيران. وأضاف إن دولاً مثل الصين أبلغت إيران أنه إذا لم يتم اعتماد هذه اللوائح "فلن تستطيع القيام بأي تحويلات مصرفية معها، سواء كان البنك يخضع للعقوبات أم لا"
يذكر أن مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) المكلفة بالإشراف على الشفافية المالية في التحويلات المصرفية الدولية، ومكافحة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، قد أعلنت أنها ستمنح إيران مهلة نهائية لمدة أربعة أشهر، حتى فبراير (شباط) 2020 المقبل، من أجل اعتماد معاهد مكافحة تمويل الإرهاب، ومكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للدول (باليرمو (وفي معرض إشارته إلى هذه المهلة النهائية، أضاف أنصاري أنه إذا لم تتم الموافقة على اللوائح المذكورة "فإن النظام المصرفي في البلاد سيواجه أزمة جدية". ولفت إلى أن النظام المصرفي في البلاد "تضرر بشدة" وأن الموافقة على لوائح "FATF، يشار إلى أنه في الوقت الراهن هناك لائحتان متعلقتان بغسل الأموال تنتظران القرار النهائي في مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران.
ويقول المعارضون المتشددون لمعاهد "باليرمو"، ومكافحة تمويل الإرهاب، في إيران ومعظمهم مقربون من المحافظين: إن اعتماد هذه المعاهدات قد يعرقل دعم إيران لحلفائها، بما في ذلك تنظيم حزب الله اللبناني، والحركة الحوثية .... ويقولون كذلك إنه مع إقرار هذه الاتفاقيات، ستغلق الطرق أمام النظام الإيراني للالتفاف على العقوبات الأميركية، ويزيد من فرص الانهيار الاقتصادي.
وسوم: العدد 853