كيف تكون الانتخابات الرئاسية في الجزائر نزيهة وشفافة وديمقراطية والمرشحون لها محسوبون على نظام يرفضه الشعب ؟
ما أسوأ حظ الشعب الجزائري الذي خرج منذ شهور يطالب برحيل نظام فاسد دون أن ينال ما أراد علما بأن هذا النظام نفسه يشهد على نفسه بفساده من خلال اعتقال بعض أفراده البعض الآخر بجريرة الفساد والسلب والنهب والظلم والاستبداد ، وبدا أن الأمر يتعلق بتصفية حسابات بينهم وبانتقام بعضهم من بعض ،علما بأن الشعب يريد رحيل الجميع ، ويدين الجميع ، ويطالب بمحاسبة ومحاكمة الجميع ، ويريد استبدال نظام فاسد بآخر يتوسم فيه الصلاح .
إن النظام الفاسد لا يريد الرحيل، ويتمسك بالسلطة معولا على جيش مهمته الحقيقة حماية حدود البلاد وليس قمع الشعب . هذا النظام ضيع الشعب الجزائري في عقود انصرمت كان بالإمكان أن يخطو خلالها خطوات حثيثة نحو الرقي والتقدم والعيش الكريم خصوصا وقد حباه الله عز وجل بخيرات ومقدرات كفيلة بتحقيق ما يصبو إليه .
إن ترشيح محسوبين على هذا النظام هو إصرار منه على التمسك بالسلطة ، ورفض الرضوخ لمطلب الشعب ، ويتضمن أيضا تهديدا صريحا له وتلويحا بالعودة إلى العشرية الدموية لأن مقاطعة الشعب لهذه الانتخابات أو رفضها بخروجه للتنديد بنتائجها سيتخذه النظام ذريعة لممارسة العنف والبطش متهما المتمسكين بالتظاهر بالشغب والفوضى ، وبتهمة جر الوطن إلى مصير مجهول على حد قوله مع أن البلاد إنما تواجه في الواقع هذا المصير المجهول بسبب استمرار تمسك هذا النظام الذي يرفضه الشعب بالسلطة .
إن ذريعة سد الفراغ في رئاسة البلاد لضمان الاستقرار إنما هي ذر للرماد في العيون خصوصا وأن الجزائر ظلت الرئاسة فيها غائبة بسبب وجود الرئيس السابق فيها وحالته الصحية لا تسمح له بتدبير شؤون البلاد، ومع ذلك فكر العابثون بمصير الجزائر في تقديمه مرشحا وحيدا لأثر من ولاية ، الشيء الذي أثار غضب الشعب وأخرجه إلى الشارع مطالبا بوضع حد للعبث بمصيره من طرف نظام ضالع في الفساد ، يحكم البلاد قهرا من خلال رئيس فاقد للأهلية بسبب حالته الصحية .
ولقد كان من المفروض ألا يتقدم إلى الانتخابات الرئاسية من لهم صلة بهذا النظام ، وأن يتقدم غيرهم ممن يحظون بثقة الشعب لنظافة أيديهم وسمعتهم ، وممن يتوقع إن فاز أن يكون رئيسا حقيقيا لا رئيسا ورقيا أو دمية يتلقى أوامره من السلطة العسكرية التي أبانت تصرفات من على رأسها أنه الآمر الناهي الذي لا ينازعه أحد فيما يقرر .
إن الرئيس الذي يكون بإمكانه أن يسير بالبلاد إلى بر السلام والأمن والاستقرار في هذا الظرف بالذات لا بد أن يكون من خارج دائرة النظام الحالي، أما أن يكون قد ساهم في الفساد من خلال تقلده مناصب فيه ،فإنه لا يصلح لقيادة البلاد ، وقد ساهم في إفسادها بشكل أو بآخر . ومما يشترط في الرئيس الصالح لهذه القيادة أيضا أن يكون مستقل القرار لا تحكمه إلا إرادة الشعب ، ويكون قوي الشخصية ذا خبرة وحنكة وباع طويل في السياسة لا يخضع للقيادة العسكرية بل هي التي تخضع له بموجب دستور لا تكون في العبارات الحمالة أوجه بل تكون محكمة الصياغة واضحة الدلالة ، وأن يبادر أولا بتنظيف الجيش من العناصر الفاسدة لأن الفساد لا يقتصر على المسؤولين المدنيين الذين يحاكمون اليوم دون العسكريين بل في هؤلاء من هو أشد فسادا لأنهم يتصرفون بموجب ما بأيديهم من سلطة وقوة يهددون بها كل من ينتقدهم رئاسة وشعبا . وأول ما تشمله عملية تنظيف الجهاز العسكري إحالة المعمرين من الضباط على التقاعد من كان نظيف اليد منهم ، أما من ثبت في حقه الفساد، فلا بد أن يحال على المحاكمة مع استرداد ما نهب إن بقي شيء منه داخل الوطن، ومع مطالبة الدول الأجنبية باسترداد ما أودعه هؤلاء في بنوكها من أموال أو ما استثمروه فيها من استثمارات .
ومما يثبت قوة شخصية من يتولى رئاسة البلاد أيضا حل الحزب الذي عشش فيه الفساد والذي لا زال يرتزق بماضي الثورة ودماء الشهداء ، والذي أضفى عليه من يستفيدون من ريعه القداسة ، وكل من ينتقده يخوّن ، ويطعن في وطنيته.
فهل يوجد مثل هذا الرئيس ضمن الرؤساء الكراكيز الذين رشحهم النظام الحالي للانخابات الرئاسية ؟ ومع أن الجواب واضح ، فإننا نتمنى للشعب الجزائري الشقيق خروجا موفقا من النفق المظلم الذي حوصر فيه ، وأن تنتهي أزمة بلاده بما يسر ويثلج الصدر ، وينهي الكابوس ، وأن يجنبه الله عز وجل عودة العشرية الدموية .
وسوم: العدد 854