تركيا في ليبيا: انتصار دبلوماسي.. لكن ماذا بعد؟
خلال الأسبوع الماضي، ناقش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتن الأزمة الليبية، وذلك على هامش افتتاح مشروع السيل التركي في اسطنبول.
وفي نهاية اللقاء، دعا الرجلان -في بيان مشترك- إلى «وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا، مدعوماً بالإجراءات اللازمة التي يتعين اتخاذها من أجل استقرار الوضع على الأرض، وعودة حياة الناس اليومية في طرابلس وغيرها من المدن إلى طبيعتها»، وذلك اعتباراً من منتصف ليل الأحد 12 يناير 2020.
ويعتبر هذا الإعلان المشترك بمثابة مؤشر على التوصل إلى تسوية بين الطرفين، تضمن لهما دوراً أكبر في ليبيا خلال المرحلة المقبلة.
الجانب التركي عجّل من إجراءات تنفيذ اتفاقية التعاون العسكري والأمني على وجه التحديد مع حكومة الوفاق الوطني، بعد التقارير المتزايدة عن دور المرتزقة الروس في إعطاء الكفة الوازنة في الصراع القائم إلى ميليشيات حفتر، وذلك بموازاة زيادة وتسارع الدعم المقدّم لمقاتليه من بعض الدول العربية والأوروبية للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، والسيطرة على طرابلس.
شكّل البيان التركي- الروسي المشترك اختباراً لمدى جدّية موسكو من جهة، ومدى تأثيرها على مجريات الأحداث في الميدان أيضاً.
رد الفعل الأوّلي لحفتر جاء على لسان الناطق باسمه، المساري الذي رفض الدعوة التركية- الروسية، مؤكّداً على استمرار العمليات العسكرية ضد حكومة الوفاق، لكن ما إن أشارت تقارير إلى بدء انسحاب المرتزقة الروس من المعارك، فضلاً عن الضغط الذي مارسه الجانب الروسي على النظام المصري للتوقف عن المراوغة، حتى أعلن حفتر مساء يوم السبت قبوله لوقف إطلاق النار، لا شك أنّ الموافقة على وقف إطلاق النار هو انتصار دبلوماسي لتركيا من جهة، ودليل على نفوذ روسيا على حفتر وداعميه من جهة أخرى.
ثمة حاجة بالتأكيد إلى آلية لتثبيت وقف إطلاق النار، ولا شك أنّه سيكون هناك سجالات حول ضرورة انسحاب حفتر من المناطق التي دخلها، والخروقات التي من الممكن أن تحصل، لكن مبدئياً، يمكن القول إنّه وبالرغم من الانتقادات الحادة التي وُجّهت لتركيا بشأن دخولها الملف الليبي، والضجيج المفتعل من قبل بعض الدول العربية والغربية، فإن أنقرة أثبتت أنّ دخولها استطاع تغيير المعادلة على الأقل حتى الوقت الراهن، واستطاعت أنقرة ضمان مصالحها، وجذب روسيا باتجاهها، وهو الأمر الذي كان له التأثير الأكبر على قرار حفتر وداعميه بالموافقة على وقف لإطلاق النار. أنقرة ردّت على الخطوة الروسية بتصريح أشارت فيه هي الأخرى أنّها لا تعارض اشتراك كل المكونات في العملية السياسية، بما في ذلك حفتر نفسه إذا التزم بعملية إطلاق النار.
الجانب التركي نجح أيضاً -من خلال تلويحه بالورقة العسكرية، ومن خلال الاتفاق الذي تم مع روسيا- في إعطاء المؤتمر -الذي تسعى ألمانيا إلى عقده بعد منتصف الشهر الحالي لدفع العملية السياسية قدماً إلى الأمام- ثقلاً لم يكن ليتمتع به لولا إيقاف العملية العسكرية.
التحدّي الأكبر الآن يكمن في تثبيت وقف إطلاق النار، والمضي قدماً في عملية سياسية ذات مصداقية، هذا الدور بالتحديد سيختبر كذلك موقف الأوروبيين الذين انقسموا على أنفسهم في الملف الليبي، لكن من المتوقع أن يجمعهم الحد الأدنى من الخوف من التداعيات التي قد تتركها الفوضى على الأمن الأوروبي.
وبانتظار مؤتمر برلين المقبل، يبقى هناك عدّة تساؤلات، لا يوجد جواب واضح لها حتى الآن، منها: ما يتعلّق بالثمن الذي طلبته موسكو مقابل موقفها السياسي الداعم لتركيا فيما يتعلق بإجبار حفتر على وقف إطلاق النار، والثاني هو هل سيتجرّأ المخرّبون على تحدّي التوافق التركي- الروسي هناك؟
وسوم: العدد 859