شتَّانَ شتَّانَ ما بينَ الضامنَين في سورية
بمقتضى خطة مؤسسة راند الأميركية للحل في سورية، التي أقرّها الرئيس أوباما، و نشرت في: 14/02/2016، عُهِدَ إلى روسيا لتكون ضامنًا للنظام، مثلما عُهِدَ إلى تركيا لتكون ضامنًا لفصائل الشمال، كما عُهِدَ للأردن أن تكون ضامنًا لفصائل الجنوب.
و كان الذي كان في الجنوب، ثم تبعته الغوطة، و شمال حمص، و خسرت المعارضة ثلاثًا من قلاعها المهمة، و لم يبقَ لها إلاّ الشمال، أو ما يُسمّى منطقة خفض التصعيد الرابعة، و اختصارًا " إدلب الكبرى ".
في الوقت الذي أخذت تركيا تتعامل مع الفصائل فيها بما تستوجبه الضمانة، فقَيَّدت إيديها، و جَمَّدت جبهاتها، و حَدَّتْ من تدفّق السلاح في كثير من الأحيان؛ كانت روسيا تقاتل نيابة عن النظام، فترسم له خطط المعارك، و تمهّد لعملياته بقصف جويّ يحرق الأخضر و اليابس، و يحيل الأرض يبابًا، و هو ما يُعرف بخطة غروزني ، أو دبيب النمل، أو تفكيك عُقَد السجادة.
الأمرُ الذي جعلَ الحواضن الشعبية للفصائل تتبرّم من التعهدات التركية، و تحمِّلها وزر ما يحصل على الأرض، من خسارات و انسحابات متتالية، بعد أن رفعت العلم التركي إلى جانب علم الثورة " علم الاستقلال "، في أكثر من مظاهرة، و لعلّ أشدها حضورًا مظاهرات أوتستراد المعرة، و مركز المدينة في إدلب " المحافظة "، في الشهر الثامن/ 2018.
و قد ازداد الحنق و الغضب على تركيا، و تحميلها جانبًا كبيرًا من المسؤولية لما آلتْ إليه الأوضاع، بعد التقدّم الدراماتيكي للقوات الروسية، في ريف حماة الشمالي، و قلعة المضيق، و أخيرًا في ريف إدلب الجنوبي، ثمّ الشرقي في هذه الأيام، كما في ريف حلب الغربي، و هو ما أفقد الفصائل 40% من الأراضي المحررة في الشمال، و نتج عنه دمارٌ يفوق الوصف، و خسائر اقتصادية فادحة بسبب ضياع آلاف الهكتارات الزراعية منها، ناهيك عن تشريد أكثر من مليون ونصف إنسان في العراء و تحت أشجار الزيتون.
إنّه بنظرة تقييمية فاحصة لموقف كلا الضامنَين: الروسي للنظام، و التركي للفصائل؛ يتبيّن للمتابع ما يمكن أن يفسِّر كثيرًا من اللبس و الحيرة لدى الحواضن الشعبية، في هشاشة و رخاوة المواقف التركية ممّا يجري في الشمال المحرر.
ففي الوقت الذي يمسك فيه بوتين بمقاليد الأمور في بلاده بقبضة من حديد، و يحذو حذو كاترين في إدارة روسيا القيصرية، لدرجة أنّه تحسبًا لانتهاء فترته الرئاسية سنة: 2024، يقوم بتعديل الدستور بما يسمح له في البقاء في السلطة لمُدَد غير محددة، و هو السيد الأوحد في صناعة القرار الروسي، و رسم تحركاتها في بؤر التوتر في العالم، و من بينها سورية، التي لو خطر بباله أن يستعمل فيها القنبلة الذرية، لا يجد معارضًا له في مجلس الدوما، أو حتى في الأحزاب، أو مؤسسات الدولة الأخرى، و هو قد قام بما هو قريب من ذلك، فاستعمل و جرّب أكثر من مائتي نوع من الأسلحة الفتاكة في السوريين، لا بل حتى أشرف و غطّى جريمة استعمال الغازات الكيماوية، في أكثر من موضع و مرة، و لم يرفّ له جفن.
نجد الرئيس أردوغان يتحرّك من غير مخالب، فهو و إن انتقل بتركيا إلى النظام الرئاسي، الذي يمنحه سلطات واسعة في إدارة البلاد، كان اجتيازه ذاك الاستفتاء بفارق 1.5%، و لو أرادت جماعة محمود أفندي أن تحرمه من ذلك لفعلت.
و تعترضه الكثير من العقبات الكأداء عندما يريد أن يُقدِم على قرار استراتيجي، في الداخل أو الخارج، فهو بحاجة إلى كسب ودّ الأحزاب في مجلس الشعب لتمرير أيّ تفويض لحكومته للتحرّك خارج حدود تركيا، و بحاجة إلى استعطاف رجالات المال في أتاشهير و كاديكوي في الجانب الأوروبي في استنبول.
و ما من أمرٍ تقدم عليه حكومته حتى تستنفر الدولة العميقة، و رجالات الأحزاب، و المعارضة بوجهه، لتحول بينه و بين ما يريد أن يقدم عليه، حتى و إن كان في ذلك مصلحة قومية للأتراك عمومًا، و هم يحملونه حتى أوزار فيضانات إستنبول في يوم السبت: 17 / 8/ 2019، و خسائر زلزال ولايتي ملاطيا وألازيغ يوم الجمعة: 24/ 1/ 2020.
إنّ قدر السوريين أن يكون هذا حال ضامنهم، و أن يكون قدره هو أن يبتلى بهم؛ فحال السوريين أيضًا لا تسرّ صديقًا، و لا تنكأ عدوًا؛ فمثلما هو قد قيِّدت يداه بتوازنات داخلية و خارجية، هم كذلك لم يتركوا سببًا من أسباب الهزيمة و الانكفاء إلاَّ و أخذوا بجانب منه، و لم يتركوا فجًّا لذلك إلاَّ و سلكوه.
وسوم: العدد 861