الاختلاط
[ من مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود (ت 1417هـ) رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر، المجلد الأول، ص 390-393 ]
هذا الاختلاط بين الشباب والشابات، واحتكاك بعضهم ببعض جنباً إلى جنب، وجريان الحديث والمزاح من بينهما، ثم المصاحبة والخلوة كما تقتضيه المجالسة والمؤانسة، هذا العمل ضار في ذاته ومؤدّ إلى الفاحشة الكبرى في غايته وسوء عاقبته، لأنه يُعدّ من أقوى الأسباب والوسائل لإفساد البنات المصونات وتمكّن الفسّاق من إغوائهن بنصب حبائل المكر والخداع لهن.
والفسّاق هم الذين يحرصون أشد الحرص على مثل هذا الاختلاط لينالوا أغراضهم ويُشبعوا شهواتهم. والصيانة نعم العون على العفاف والحصانة، فإن من العصمة أن لا تَقْدِر.
إلى متى نغُشّ أنفسنا أو نغش بناتنا وأهلَ ملّتنا، ونتعامى عما يترتب على هذا الاختلاط من فساد الآداب ومساوئ الأخلاق. فالنظرة هي نظرة في مبدئها لكنها تكون خَطْرة في القلب، ثم تكون خطوة بالقدم، ثم تكون خطيئة، وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العينان تزنيان وزناهما النظر، والقلب يتمنى ويشتهي، والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه". ولهذا أمر الله المؤمنين بأن يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم، وأمر المؤمنات بأن يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن، وكما أمر الله نساء نبيّه ونساء المؤمنين بأن يُدْنين عليهن من جلابيبهن وأن لا يتبرجن تبرّج الجاهلية الأولى.
إن كل ما قلنا يعدّ من البراهين التي لا مجال للجدل في صحتها لو كان للمسلمين رؤساء عقلاء يأخذونه بأيدي سفهائهم عن إقرار مثل هذا فيأطِرونهم على الحق أطراً، أي يلزمونهم به إلزاماً، فيدبّرون أمر بلدهم بحسن رأيهم ورعايتهم، ويتعاونون على جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرّهم، ولكنهم، وللأسف، أصبحوا فوضى لا سَراة لهم.
تُهدى الأمور بأهل الرأي ما صَلَحوا فإن تولَّوا فبالأشــــرار تنقادُ
لا يصْلُحُ الناس فوضى لا سَراة لهم ولا سـراةَ إذا جُهّالهم سادوا
وقد قال الحكماء: صنفان من الناس إذا صلحا صَلَحَ سائر الناس، وإذا فسدا فسد سائر الناس: العلماء والأمراء.
وسوم: العدد 863