نسبة خطاب الكراهية لكتاب الله عز وجل ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سوء أدب معهما يوقع أصحابه في إثم خطير
يقوم الإيمان بالله تعالى الإيمان الصحيح أساسا على الاعتقاد الراسخ بأن القرآن الكريم من الكتب التي أنزل الله عز وجل ، وهو آخرها والمصدق لما بين يديه والمهيمن عليه . وهذه الهيمنة اقتضت أن يحفظه الله عز وجل مما تعرضت له الكتب السابقة من تحريف تولى سبحانه فضحه في الكتاب المحفوظ الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه . وحكم السنة وهي أقوال وأفعال وتقريرات رسول الله صلى الله عليه وسلم مما صح عنه بأدلة على ذلك من كتاب الله عز وجل و من أقوال ثقات أهل العلم العدول ممن رسخت أقدامهم فيه كحكم القرآن الكريم .
وهكذا يجب أن يكون اعتقاد المؤمن في كتاب الله عز وجل و في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لمن أراد صيانة إيمانه من أي مطعن فيه يكون سببه شيء من الشك في مصداقيتهما أو القول فيهما بما لا يليق بقدسيتهما التي شهد بها رب العزة جل جلاله .
والمؤمن الحق هو من كانت مرجعيته الكتاب والسنة في كل أحواله وفي كل ما يعرض له وهو يخوض غمار الحياة خاضعا فيها للاختبار ليواجه المساءلة والمحسابة والجزاء بعد الرحيل عنها إلى دار الخلد والبقاء .
ومعلوم أن الإنسان المؤمن يظل ملتزما بمرجعيته ما دامت تعرض له أحواله ومواقف يكون فيها خلاف بين هوى نفسه وبين كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيرجح حكمهما على حكم هوى نفسه في كل تلك الأحوال.
وبالعودة إلى كتاب الله عز وجل نجد أن الله عز وجل قد صنف الخلق إلى صنفين كبيرين هما : صنف المؤمنين ، وصنف الكافرين ، وفصل القول في كل صنف وجعل له أوصافا ،ذلك أن صنف المؤمنين فيهم أهل الصلاح ، وفيهم العصاة الذين لا تخرجهم معاصيهم من حظيرة الإيمان ، وقد يلتحقون بأهل الصلاح إن صحت توبتهم وكانت توبة نصوحا ، وأن صنف الكافرين فيهم أصحاب كفر بواح ، ومشركون، ومنافقون ، وفيهم ملحدون ووثنيون وأهل كتاب .
هذا تصنيف الله عز وجل للخلق لا يحق لغيره أن يغيره أو يراجعه كما يزعم البعض . ومن حدثته نفسه بذلك يجد نفسه أمام نصوص قرآنية تحول دون ذلك ، فالله تعالى على سبيل المثال لا الحصر يقول :
ـ (( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة )) ، ففي هذه الآية الكريمة جمع الله عز وجل في الكفر أهل الكتاب والمشركين.
ويقول أيضا :
ـ (( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد )) ففي هذه الآية وصف الله تعالى أصحاب التثليث من أهل الكتاب بالكفر .
ويقول كذلك :
ـ (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )) ففي هذه الآية وصف الله تعالى بني إسرائيل بالكفر.
ويقول كذلك :
ـ (( وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يوفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )) ففي هاتين الآيتين جعل الله قول من نسبوا له الولد سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا مضاهيا لقول الكافرين الذي هو كفر بواح ، كما جعل اتخاذ الأحبار والرهبان والمسيح آلهة من دون الله شركا .
هذه نماذج من كتاب الله عز وجل وصف فيها سبحانه بعض أهل الكتاب بالكفر والشرك بشكل صريح لا يقبل تأويلا ، وفي نفس الوقت وصف آخرين منهم بالإيمان والصلاح فقال جل من قائل :
ـ (( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يومنون بالله واليوم الآخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين )) ففي هذه الآية كريمة يميز الله عز وجل من أهل الكتاب فئة توحده ولا تنسب له الولد الشريك له في الألوهية والربوبية أو الأحبار والرهبان الشركاء له ، وهي فئة تصدق بما نزل من عنده سبحانه وتعالى وتقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ووصفها بالصلاح .
ولا مجال للمزايدة بعد هذه الآية على كتاب الله عز وجل في إنصاف الصالحين من أهل الكتاب والثناء عليهم الثناء الصادق .ولن يبلغ أحد مهما كان إنصاف الله عز وجل لهؤلاء .
ومثل ذلك قوله تعالى :
ـ (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )) ففي هذه الآية دعوة صريحة لأهل الكتاب من أجل الحوار الهادف إلى توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك به ، ومطالبتهم بالشهادة بالإسلام لمن فعل ذلك إن هم لم يقبلوا به ، ويترتب على ذلك أنه من لم يقبل بتوحيد الله عز وجل يصنف عنده سبحانه وتعالى في فئة الكفر والشرك .
ولا مجال للمزايدة بعد هذه الآية على كتاب الله عز وجل بخصوص الحوار مع أهل الكتاب حوارا هادفا لا حوار المجاملة الكاذبة والمتملقة التي يدعو إليها البعض ، ويحسبونها على الحوار ، وما هي بحوار إن هم إلا يظنون أو يكذبون.
ويؤكد الصراحة في الحوار مع أهل الكتاب قول الله تعالى :
ـ (( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين )) ففي هذه الآية دعوة لأهل الكتاب بالقيام بما أنزل إليهم توراة وإنجيلا دون الكفر بالقرآن الكريم وإلا كان ذلك كفرا عند الله عز وجل .
والتوراة والإنجيل المطلوب القيام بهم إنما هما اللذان لم يلحقهما تحريف ، وورد فيهما ذكر محمد صلى الله عليه وسلم كما يقول الله تعالى :
ـ (( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون )) ففي هذه الآية الكريمة ما يشير إلى أن الدليل على صحة التوراة والإنجيل هو ورود ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل توراة أو إنجيل لا يتضمنان ذكره متهمان بالتحريف . والاعتراف بذكره فيهما حجة على أهل الكتاب، لأن ذلك يلزمهم اتباع ما جاء به بحكم تصديق ما بين يديه وهيمنته عليه ، والاتباع يقتضي إحلال ما أحل لهم وتحريم ما حرم عليهم ، ولا فلاح إلا باتباعه والاقتداء به .
وبناء على هذا لا مبرر لمجاملة من لا يقرون بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ،لأن القول بمصداقيتهما دون ورود ذكر رسول الله عليه الصلاة والسلام فيهما يعتبر تكذيبا للقرآن الكريم .
ومعلوم أن الذين لا يقرون بورود ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضون عنه ولا عمن يؤمن به كما جاء في قوله تعالى :
ـ (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير )) ففي هذه الآية الكريمة نهي واضح عن اتباع ملة أهل الكتاب يهود ونصارى لا يوجد في توراتهم و إنجيلهم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإشارة إلى أن الرضى منهم لا يحصل أبدا إلا إذا اتبعت ملتهم .
وانطلاقا من هذا النص كل رضى يظهره هؤلاء للمسلمين يكون مجرد مجاملة كاذبة والعكس صحيح أيضا ،لأنه لا يوجد في هذه الحالة ما يدعو إلى الرضى الصحيح الصادق لوجود علة تمنعه .
ولقد قضى الله تعالى أنه لا ولاء بين المسلمين وهؤلاء الذين لا يقرون بنبوة ورسالة سيدنا محمد صلى الله بشهادة توراتهم وإنجيلهم وإلا كان هذا الولاء سببا في تصنيفهم معهم في فئتهم والشاهد على ذلك قوله تعالى :
ـ (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) ويفهم من هذه الآية أن هذا الولاء في غياب إيمانهم برسالة ونبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ظلم له ولرسالته .
هذه بعض النماذج من آيات الذكر الحكيم التي يصفها البعض بأنها تتضمن ما يسمونه بخطاب الكراهية وخطاب عدم التسامح ، وهذا وصف لا يليق بكلام الله عز وجل الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، ذلك أن نسبة خطاب الكراهية له أوعدم التسامح افتراء عليه ، ومحاولة مكشوفة لتعطيله بهذه الفرية التي تتخذ ذريعة .
ولقد صرح البعض بأن بعض المقررات الدراسية فيها خطاب الكراهية وعدم التسامح وهم يقصدون سورا وآيات معينة من القرآن الكريم كما كان شأن من زعم أن سورة الحشر هي نموذج من نماذج خطاب الكراهية المقرر في مستوى من مستويات التعليم ،وقد تطرقت لهذا الموضوع في مقال سابق في أوانه يرجع إليه في هذا الموقع .
ونختم بالقول أنه يتعين على كل مؤمن موحد أن يصون إيمانه باتخاذ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مرجعية في كل أحواله ، وأن يكون قاموسه اللغوي الاصطلاحي مستوحيا منهما وإلا كان عرضة للوقوع في إثم من يصفون كلام الله عز وجل وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام بما لا يليق بقدسيته ومصداقيته .
وسوم: العدد 864