كيف كشف كورونا أمراض العالم السياسية؟

مع بدء انتشار أخبار فيروس كورونا الجديد تداولت وسائل إعلام العالم قصة طبيب صيني يدعى لي وينليانغ، كان يعمل في مشفى ووهان المركزي، وكتب لمجموعة صغيرة من معارفه الأطباء رسالة تحذير من انتشار وباء جديد، وهو ما أدى لاستدعاء الشرطة الصينية له في 1 كانون الثاني/يناير من هذا العام (أي بعد يوم على ظهور بضعة تقارير عن انتشار فيروس كورونا) وإجباره على كتابة اعتراف بأنه لن يعود للقيام بأعمال غير قانونية «تعكّر بشدة النظام الاجتماعي» للبلاد.

مع تكشّف الحجم المرعب لخطر الوباء شعر الصينيون بالحنق من طريقة السلطات في قمع أي خبر لا يناسبها، حتى لو أدى إلى نتائج كارثية على البلاد برمّتها، وزاد الغضب كثيراً حين نقل الطبيب إلى المشفى نتيجة العدوى بالفيروس القاتل، وصلّى ملايين الصينيين داعين لنجاته لكنه توفّي في 7 من الشهر الجاري، وانتشر «هاشتاغ» على وسيلة التواصل الاجتماعي «تويتر» شارك فيها 670 مليون شخص، وطالب كثيرون منهم بحرية التعبير، معتبرين الطبيب المتوفى بطلاً شعبياً، وهو أمر وصفته أكاديمية غربية بصراع بين مواطن بسيط وزعيم البلاد الذي لا تحدّ سلطاته شيء، والذي كشفت الأنباء أنه علم بانتشار الفيروس قبل أسبوعين من خطابه عنه.

في مواجهة البطل الشعبيّ الذي صنعته جرأة الطبيب ووفاته، قامت السلطات بإعادة تصنيع للحكاية ونشر بروباغاندا تدّعي ان طبيبة تدعى زانغ جيشيان، العضوة في الحزب الشيوعي، كانت الشخص الأول الذي قدم تقارير للسلطات حول الفيروس، وقامت السلطات بتكريم الطبيبة على انتباهها وتعاطيها الإيجابي مع القضية، والدرس المستقى من هذه القصة طبعاً لا يكرم الطبيبة المذكورة بل يعيد تجريم الطبيب المتوفى الذي نشر الخبر لمعارفه ولم يتقدم به بتقرير إلى السلطات (كي تقوم بإخفائه!).

كان انتشار الوباء في الصين، القوة الاقتصادية العظمى، سبباً في تحوّله إلى قضية دولية، وكشفه بالتالي للكثير من الأمراض السياسيّة في العالم، فظهور مرض في بلد صغير لا يؤدي إلى تأثيرات كبرى في العالم، وقد أدى ظهور انفلونزا الخنازير، على سبيل المقارنة، في الولايات المتحدة عام 2009، إلى 1.6 مليون عدوى في العالم بأجمعه وأدى لوفاة 284500 شخص في 214 بلداً، بنسبة وفيات تعادل 17.4 في المئةمن عدد الإصابات. نلاحظ حاليّاً، مع الانتشار العالمي لكورونا، بدء تحوّله إلى معركة جغرافيا – سياسية بين من يقفون مع الصين والذين يخاصمونها، وإضافة إلى هذه المعركة فإن معارك أخرى تتحشّد، حسب الطبيعة السياسية لكل بلد، والاصطفافات داخله، ففي إيران، التي أعلنت مقتل 8 من الوباء، ربط المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، بين إقبال المواطنين الضعيف على الانتخابات واستغلال «الخارج» لانتشار كورونا في بلاده، وفي إيطاليا (التي أعلنت 132 إصابة حتى الآن، وألغت الكثير من الفعاليات الكبرى، منها مهرجان البندقية) استخدم الزعيم اليميني المتطرف ماتيو سالفيني الأمر لتوجيه دعايته السياسية ضد الأجانب (الخارج مرة أخرى)، أما في الفلبين، فلأن رئيسها رودريغو دويرتي مشتبك حالياً مع الولايات المتحدة الأمريكية فقد استغل الحدث لإظهار تضامنه مع الصين، فلم يعلن عن إقفال الحدود معها، وهو ما اعتبره معارضون استهتاراً بمصالح بلاده وصحة مواطنيه، وإساءة لعلاقاتها مع باقي البلدان المحيطة المرعوبة من انتشار الوباء، وقد رأينا أشكالاً كاريكاتورية من جهات عربية، كالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.

تركز المظهر الرئيسي للتعاطي مع هذا الوباء على نظريات التآمر «الخارجي»، وقد قام الرئيس الصيني بإنجاز يحسب له في هذا الصدد (ربما لكونه لا يستطيع أن يتّهم «الخارج») فقد أعطى الوباء صفة دينية (وهو رئيس دولة متطرفة في «علمانيتها») حيث وصفه بأنه «فيروس شيطاني».

المنهج الآخر الذي تم اتباعه في هذا الصدد كان محاولة حصره داخل الصين نفسها عبر إقفال الحدود وإيقاف الرحلات الجوية والبحرية، وقد تم توسيع هذا الأسلوب ليشمل دولاً أخرى ككوريا الجنوبية وإيران، ولكنّه أخذ أيضاً، في البلاد التي تجد انتشاراً كبيراً لـ«وباء» العنصرية، أشكالاً من العداء للصينيين أو من يشبهونهم، وربما كان سبباً في ظهور هجمات كما حصل في ألمانيا، وهو هجوم رافقه، كما هو معلوم، قائمة كبيرة بأسماء الشعوب التي يجب إبادتها، وهي تضم العرب والمسلمين وشعوب آسيا، بمن فيهم الصينيون!

وسوم: العدد 865