سوريا: الفنانون «الموالون» يريدون ديمقراطية وتغييرا ؟!
تستمرّ حملات النظام السوري على شعبه في إدلب، والتي أدّت منذ بداية السنة الحالية إلى تشريد 948 ألف نازح عن أراضيهم وبلداتهم وقراهم، يشكّلون 180 ألف أسرة تضم 560 ألف طفل و195 ألف امرأة، وتقوم ميليشيات النظام بعمليات نبش القبور، وبحملات التعفيش المخزية لما تبقى من أغراض منزلية ومفروشات السكان الهاربين، وتنظّم «أعراس» الولاء للرئيس بشار الأسد ونظامه، رغم أن المواطنين الباقين تحت سيطرة النظام، موالين كانوا أم ساكتين قهرا، يعانون من تدهور سعر العملة وارتفاع جنوني في الأسعار، بحيث يكلف كيلو اللحم ما يعادل نصف أو ثلث راتب موظف بشهادة جامعية، وتكلف جرة الغاز أكثر من الراتب بكثير، وهناك تقارير بأن الطلاب الصغار يذهبون إلى مدارسهم جياعا، ولزيادة القهر فقد أصدر النظام مرسومين يمنعان «المس بهيبة الليرة»، أي يمنع الشكوى الاقتصادية، ويجرم مرتكب هذه «الجريمة» بالسجن سنوات، وتعلن بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري، أن الاقتصاد «بات أفضل بخمسين مرة» مما كان عليه عام 2011، أي العام الذي قامت فيه الثورة.
أثناء هذه المأساة المفتوحة شهدت دمشق وريفها سابقة لا تخلو من دلائل سياسية، فقد بدأت نقابة الفنانين السوريين بانتخابات لتشكيل مجلسها الإداري الجديد خلفا للمجلس الحالي الذي يرأسه الممثل زهير رمضان الذي تسلّم منصبه في عام 2014، وكان لافتا للنظر ارتفاع نغمة المعارضة بين فنانين مقيمين في مناطق سيطرة النظام، وبالتالي فهم يخضعون لـ«قوانينه المعروفة»، وقد اشتكى بعضهم ممن لا يشكّ في ولائه للنظام، كبشار إسماعيل، الذي قال في لقاء مصوّر أن النقيب الحالي «هدده بقطع لسانه» لأنه انتقده، وأشار إلى أن رمضان يروّج لعلاقته بمسؤولين كبار في المخابرات، معتبرا بقاءه «كارثة»، وأنه حوّل النقابة إلى «فرع للمخابرات»، وأنه يتصرف وكأنه «ورث النقابة عن أبيه»، خالصا إلى أن «الأوان قد آن كي يتغير النقيب في سوريا»، أما الممثلة تولاي هارون، التي ترشحت لانتخابات النقابة، فاتهمت رمضان بأنه «يريد البقاء للأبد»، وأنه يدعي أن الرئيس الأسد أعطاه توجيهات حول الانتخابات، ويريده أن يبقى نقيبا للفنانين.
لم يفعل رمضان عملياّ غير تعميم نموذج النظام السوري عن نفسه، فحوّل بناء النقابة إلى ثكنة يقف أمامها حرس وعليها كاميرات مراقبة، وبدأ حملة فصل كبيرة ضد الفنانين «الذين لم يسددوا الرسوم»، وكان بين الفنانين المستهدفين طبعا من أعلنوا معارضتهم للنظام مثل أصالة نصري ومكسيم خليل وفارس الحلو وجمال سليمان وجهاد عبده ومي سكاف وعبد الحكيم قطيفان ومازن الناطور، وبناء على كل ذلك فمن الواضح أن الحركة الجارية ضد النقيب ومجلس الإدارة القديم، والتي تعززت بإعلان فوزها في دمشق وريفها، بانتظار استكمال الانتخابات في بقية المحافظات والفروع، ورفعها علنا كلمات التغيير والديمقراطية وانتقاد مفاهيم السلطة «الأبدية» التي ميّزت نظامي الأسد الأب والابن، و«الوراثة»، وفرض القرارات من فوق بقوّة المخابرات والحذاء العسكري، هي نقلة لا تخلو من مفارقة كبرى، لأنها تجري تحت عيون النظام وسمعه، بل وبأيدي أشخاص أعلنوا تأييده، أو اضطروا لإعلان ذلك، جريا على عادات تعامل الخاضعين لأنظمة القهر.
تكشف الظاهرة المذكورة عن تهالك النظام الذي ما زال يخوض المعارك الوحشية ضد المدنيين، ويعلن انتصاراته على أجساد الأطفال، وعلى قوانين التحضر والإنسانية، وأن هذه المعركة الانتخابية، على بساطتها، تعلن سقوطه الرمزيّ وانتماءه إلى عالم آفل صار السوريون، بغض النظر عن جغرافيتهم، خارجه تماما.
وسوم: العدد 866