فتنةُ الفتوى
فتنةُ الفتوى
د. بلال كمال رشيد
يتعجبُ المرءُ ويحتار لِما يحدث في مصر ، فأحداثها متسارعة ومستحدثة ، وفي كلِّ ثانيةٍ تنقلب رأساً على عقب ، وجذوة النار لا يقرُّ لها قرار ، وتزداد اشتعالاً مع كلِّ ما يُصيبها أو تُصيبهُ من قريبٍ أو بعيد.
أفرزتْ الصراعاتُ الدائرةُ هناك صَرْعاتٍ جديدةً من فتاوى تُفتت أواصر الشعب ، فتاوى تصدر عن بعض رجالٍ ونساء ينتسبون للعلم والدين انتساباً ، ممن جرفهم التيار ، فأصبحوا يهيمون في كلِّ وادٍ ، فضلوا وأضلوا ، وأصدروا فتاوى لا أساس لها في مصادر التشريع الإسلامي ، أو تنحرف عنه أصلاً ووسيلةً وغايةً وهدفاً .
من آخر هذه الصرعات ما صدر من فتوى تُجيز تطليق المرأة المسلمة من زوجها، وتفريق الخطيبة عن خطيبها إذا تبين اتجاهُها إخوانياً أو من مؤيدي أهل رابعة ، وفي تفضيل اليهودية والنصرانية عليها ، وهي فتوى لا تمت للدين بصلة، فتوى أملاها هوى واتجاهٌ ضد اتجاهٍ ، فتوى مُنفرة مستفزة، فتوى تُثير الفتنةَ ناراً تحرق البلاد والعباد .
لقد جاء الدين الإسلامي شِرعةً ومنهاجاً دينَ اتصال لا انفصال ، فقام على التجميع لا على التفريق ، وعلى تأليف القلوب وترقيقها ، ولم يُفرق بين ذكرٍ وأنثى ، وبين كبيرٍ وصغير ، وبين عربيٍّ وأعجميٍّ ، بل جعل المفاضلة بالتقوى ،وكان القرآنُ فرقاناً يُفرق بين الحق والباطل ، هو الأساس والمرجع ، إليه يحتكم المسلمون بهديه وبهدي الرسول الكريم ، ولم تخرج مصادرُ التشريع الإسلاميِّ الأخرى عن هذين المصدرين ، وهما ما تركهما الرسول الكريم لنا وأوصانا بالتمسك بهما حتى لا نضل بعده أبداً !!
فكيف بهذه الفئة ممن يُحسبون علماءَ وممن تُحسبُ فتواهم اجتهاداً، وتُعد مصدراً من مصادر التشريع ،أيُّ اجتهادٍ هذا الذي يتجنى على المصادر الأولى والأساسية؟!
كيف يكون الدين الإسلاميُّ دينَ اتصالٍ وهم يدعون إلى الانفصال ؟!
لقد كان الطلاقُ أبغضَ الحلال ، وكان له خطوات ومراتب للمراجعة ، تحقيقاً للاتصال الأبديِّ بالحسنى ، أو بالتفريق الأبديِّ بالحسنى كذلك ، وكان الرسولُ الكريم يضعُ الدينَ أساساً لأيِّ اتصال ، ( فاظفرْ بذاتِ الدين تربتْ يداك ) وفي المقابل ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) ، فبماذا أفتى هؤلاء ؟؟ وأيُّ فتنةٍ أيقظوها ؟؟ ولماذا جعلوا الدين أدياناً وأحزاباً وجماعاتٍ واتجاهات ؟؟؟!!
هل يريدون أن يُغيروا و يستبدلوا حديثَ الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى إلى منطوق أهوائهم : (فاظفر بالمُستقلةِ تربتْ يداك) ، و ( إذا جاءكم من ترضون حزبه واتجاهه فزوجوه ) ؟؟!!
محزنٌ ما يجري في مصر ، وهي تسير بسياسةٍ لا سياسةَ لها ، ومن آياتها أنها تسعى إما إلى الاستبعاد أو الاستعباد ، وأن ينجرف نفرٌ من هؤلاء الذين ظنوا أنفسهم علماءَ فاقترفوا العلمَ ذنوباً، واستوى بهم الذين يعلمون والذين لا يعلمون !!!
من المفروض أن تكون الفتوى نبراساً وسنداً للأمة ، يجتمع على أعتابها الفرقاء ، وتُحق الحقَّ وتُبطل الباطل ، بعيدةً عن الأهواء ، تجمعُ الناس على كلمةٍ سواء ، تُقوي الأواصر بين المسلمين ولا تقطعها ، تُرضي الله وتجمع العباد على حبل الله، الذي به يعتصمون ولا يتفرقون أبداً !!
نريد لأهل مصر أن يعيشوا آمنين قبل أن يرتلوا الآية الخالدة : ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ).