لقد أفقت جد متأخر يا معالي وزير التربية الوطنية والصيف ضيعت اللبن
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي شريطا مسموعا مع صورة ثابتة للسيد وزير التربية الوطنية ـ إذا ما صحت نسبته إليه ـ بدا من خلال حديثه جد منفعل ، وقد اعتذر عن انفعاله ،لأنه كان يتابع درسا من الدروس المتلفزة التي تقدمها القناة الرابعة ، وقد وصفه بالرديء جدا . وحمل بشدة على مردودية أغلبية المدرسين بالنسبة للدروس التي تعطى عن بعد عبر هذه القناة ، وأنكر عليهم أخطاءهم اللغوية باللغتين العربية والفرنسية ، كما أنكر عليهم تجهمهم وغياب الابتسامة على وجوههم ، وبلغ به الأمر حد الشك في وجود محسوبية في انتقاء من يقترحون لهذه المهمة مستعملا عبارة " أبوك صاحبي " المتداولة عند المغاربة للدلالة على المحسوبية . ومقابل إدانة 85 في المائة من المدرسين ، واستثنى قلة قليلة قال عنها بالعامية " الله يعمرها دار " وهي عبارة تستعمل للإشادة عندنا ، وقد خص بها بعض معارفه على وجه التحديد .
ومما جاء في حديثه أنه قد اكشف سر انحطاط المستويات الدراسية للمتعلمين ووصفهم بأنهم " مكلخين " وهو وصف قدحي ، وحمّل المسؤولية في ذلك للمدرسين وحدهم .
وأهم ما جاء في حديثه ، وإن كان قطاره قد وصل جد متأخر ، والصيف ضيع اللبن هو أنه كان لا بد من إعطاء الأولوية في صرف ميزانية التعليم للعنصر البشري ، ولم يفته أن يشير أن بعض هذه الميزانية يذهب إلى الجيوب وقد عبر عن ذلك بكلمة " رشوة " أو " تحت الدف ".
إن ما أشار إليه السيد الوزير هو مشكلة التعليم في بلادنا وسماها كارثة عظمى والتي أريد لها أن تصير معضلة مستعصية على الحل .
ومن نافلة القول أن المنظومة التربوية تقوم أساسا على العنصر البشري ، فإذا صلح هذا الأخير صلحت باقي العناصر ، وإذا فسد انهارت المنظومة برمتها .
وكان على السيد الوزير حين وزّر أن يقوم بتنظيف الوزارة من لوبي ظل جاثما فيها لعقود ،وكان له دور كبير في تدمير المنظومة التربوية خصوصا عناصره التي ليس بينها وبين التربية إلا الخير والإحسان كما يقول المغاربة تعبيرا عن قلة الخبرة والمعرفة والصلة . فمتى كان مهندسو البناء يضعون هندسة للتربية والتعليم الناجحين .
وكان على السيد الوزير أن يستعرض مسار أعضاء اللوبي من خلال سيرهم المهنية لتسهل عليه مهمة تنظيف البطانة التي تحيط به ، والتي تعودت على وضع كل وزير جديد في الجيب، مبدية له حنة أيديها كما يقول المغاربة ، و ذلك لتحافظ على بقائها أطول مدة في الوزارة ماتمتعة بالامتيازات ، ولتستكمل تدمير المنظومة التربوية عن آخرها .
وكان على السيد الوزير أن يقطع مع ما سمي "التعاقد " الذي بموجبه وضع مصير الناشئة المتعلمة بين أيدي شباب لا خبرة لهم في ميدان التدريس ، ولم يمكنوا من التكوين الحقيقي في مراكز التكوين التي ظلت لعقود تزود كل الذين يجتازون مباريات الالتحاق بها بتكوين أساسي يتراوح بين سنة وسنتين وحتى أربع سنوات ، وقد تم الاكتفاء بتكوين صوري لهؤلاء الشباب في أيام معدودات للمتعاقدين تكوينا لا يغني ولا يسمن من جوع ، وليس مرد ذلك إلى السادة المكونين بل مرده الفترة الزمنية المخصصة له والتي لا يمكن أن يلم خلالها المكونون والمتدربون على حد سواء باستكمال الفترة الخاصة بالتكوين الأساسي.
وكان على السيد الوزير أن يلتفت إلى المصير الذي آل إليه حراس المنظومة التربوية وهم المفتشون على اختلاف تخصصاتهم والذين حاصر اللوبي المهيمن في وزارته مركز تكوينهم وأغلقه لعقود، الشيء الذي تسبب في شبه انقراض هؤلاء الحراس الذين كانوا يتولون استكمال تكوين المدرسين الأساسي بتكوين مستمر متنوع ، وهو عبارة عن زيارات صفية دائمة وندوات ودروس تطبيقية وتجريبية وغيرها ،فضلا عن مصاحبة رجال الإدارة التربوية وتكوينهم لأنهم عنصر أساسي أيضا في صيانة المنظومة التربوية من خلال ما يقدمونه من تسهيلات لأطر التدريس .
وكان على السيد الوزير أن يراجع الإجراءات الضابطة لسلوك المتعلمين الذين لا يمكن أن تتحمل المؤسسات التربوية وحدها مسوؤلية انفلاتهم الأخلاقي ، وقد استعصوا على أولياء أمورهم حتى صرنا نسمع باعتداءات خطيرة على المدرسين والمدرسات في غياب الإجراءات التأديبية التي كانت من قبل وألغاها اللوبي واستبدلها بإجراءات مثيرة للسخرية ، وكان لها دور كبير في إفساد تربية المتعلمين ، وانصرافهم عن التحصيل انصرافا مفزعا .
وكان على الوزير أن يراجع سياسة المتاجرة بالمقررات الدراسية التي صارت خاضعة للمضاربة والتي وجد فيها اللوبي ضالته ، وهنا يمكن استعمال ما جاء في كلام الوزير من قبيل " أبوك صاحبي " و" تحت الدف " وما شابه .
ولقد كان على السيد الوزير أن يحد من سياسة الحط من التعليم العمومي والاستنقاص من شأنه مقابل فسح المجال للتعليم الخصوصي الذي اضطر أولياء أمور المتعلمين إلى إلحاق أبنائهم به حتى الذين ينتمون إلى الفئات ذات الدخول المحدودة خوفا على مستقبلهم ، وذلك بسبب ما يروج عن التعليم العمومي من ضعف مردوديته، والحقيقة أن سببها هو سياسة وزارية في قمة الفشل .
وكان على السيد الوزير ألا يستغني على الخبرات الحقيقية والصادقة التي من شأنها أن تلعب دورا أساسيا في خلق الظروف المناسبة كي تتعافى المنظومة التربوية من جائحة الإفلاس . ومن تلك الخبرات رجال المنظومة الذين أحيلوا على المعاش والذين بوسعهم أن يمدوه بنصائح خصوصا وأنه عبر في حديثه عن ضرورة اعتماد كبار السن من المدرسين وهو يقصد بطبيعة الحال أصحاب الخبرة في إعطاء الدروس المتلفزة ، فمثل هؤلاء الذين يريدهم الوزير يوجدون ضمن متقاعدين بإمكانهم التطوع ودون طلب مقابل لإيصال خبراتهم لمن يرغب فيها ولا يستنكف عن التماسها .
وكان على السيد الوزير أن يستيقن أن حذو التجربة الفرنسية لإصلاح المنظومة التربوية رهان فاشل ، وأن عليه أن يولي وجهه صوب اليابان أو فنلدنا أو ما شابه للحصول على النموذج المنشود من الإصلاح الحقيقي .
وكان، وكان ،وكان على السيد الوزير لتكون الكائنة في قطاع التربية ،ولكنه مع الأسف الشديد أفاق جد متأخر ، ولولا جائحة كورونا التي عرت عن سلبيات عديدة في شتى القطاعات والتي منها ما أثار غضب الوزير ، وهو غيض من فيض كما يقال لما أفاق . ولقد كان بإمكان الوزير أن يطلع على مثل ما عابه على ما تقدمه القناة الرابعة من دروس عن بعد لو أنه اعتاد على زيارات فجائية صحبة حراس المنظومة من مفتشين لحضور الدروس عن قرب شريطة ألا يكون تلك الزيارات استعراضية تنقلها وسائل الإعلام الرسمية التي اعتاد على ترديد مقولة " العام زين " والتي تختار لها مؤسسات بعينها وأقسام بعينها ، ويطلب من المدرسين والمدرسات إجادة الابتسامات العريضة أمام عدسة الكاميرا ، و إظهار اللطف والتأنق في الحديث مع المتعلمين ليخرج السيد الوزير مسرورا قرير العين وهو في الحقيقة مخدوع ومخذول . ولهذا على السيد الوزير أن يقطع المغرب طولا وعرضا حواضره وبواديه أحياءه الراقية والفقيرة ليطلع على مثل ما شاهده على القناة الرابعة أوما أدهى منه ، وليقوم بزلزال كما يقال يطيح بكل من يساهم في تدمير المنظومة التربوية التي لم يعد إفلاسها خافيا على أحد ، والتي صار الكل يقول عنها مثل ما قاله السيد الوزير وزيادة .
وبقي أن نختم بالقول إن الوزراء إذا صرحوا بمثل ما صرح به وزيرنا المحترم إما أن يحدثوا زلزالا شديدا في وزاراتهم أو يقدموا استقالتهم لأنهم ستحملون مسؤولية ما يعتريها من فشل أو إفلاس .
وسوم: العدد 871