ألوانٌ من التضليل الفكري - (باختصار يسير)
من المفارقات اللافتة أنَّ بعض الأنظمة العربية تستجدي الآخرين لفتح بابٍ من الحوار مع إسرائيل، ومع بعض الغالين من الليبراليين الذين لا يألون جهداً في تشويه القيَم والمعتقدات، وفي بعض الأحايين مع رموز الإنجيليين الجدد في أميركا! وفي الوقت ذاته يضعون خطَّاً أحمر أمام الحوار مع المتطرِّفين من المسلمين! وحتى مع الإسلاميين المعتدلين! خوفاً من إثارة حفيظة القوى الغربية الحاقدة على الإسلام وأهله!. مع العلم ومن خلال الواقع التاريخيِّ، فقد رأينا كيف كان الحوار مجدياً وفعَّالاً؛ شريطة أن يكون في الهواء الطلق، وليس من وراء القضبان كما هو الواقع في بعض الدول العربية التي ترفع راية الديمقراطية شعاراً لها!!.
ثم إنَّ من المفترض أن يكون علماء الأمَّة الذين رفضوا المهادنة والمداهنة للسلطة، هم القادة الدائمين للأمَّة فكراً وتقويماً للمسار، وأن يملكوا لقرار النافذ المعبِّر عن رأي الأمَّة وضميرها، وأقلُّ ما يقال فيها: إنها سلطةٌ أدبيةٌ على القادة الذين أمسكوا بزمام القيادة السياسية. وإنَّ مسؤوليتهم في هذه المرحلة توجيه الفرد المسلم توجيهاً متناغماً مع أحكام الشريعة ومقاصدها؛ وصولاً إلى ترسيخ الانضباط المنهجيِّ على أنه جزءٌ أصيلٌ من نسيج حياة الفرد المسلم.
ومن مستلزمات تفعيل هذا التوجيه، ضرورة مشاركة أهل الفكر والمعرفة في الندوات الحوارية، والمداخلات الإعلامية، من أبناء التيَّار الإسلامي من حملة منهج الاعتدال، في الفضائيات والمؤسَّسات الإعلامية والمراكز البحثية المهتمَّة بشؤون الثقافة على اختلاف أطيافها، وفي حال اعتذر هؤلاء فإنَّ الساحة قد حازها أناسٌ سواهم ممَّن لا خَلاق لهم من الثقافة والفقه، وهذا الموقف السلبيُّ لا ينسجم مع ما يحملونه من مبادئ!. بيد أن ثمَّة ملاحظة تجدر الإشارة من خلالها إلى الفخِّ الذي يقع فيه بعض رموز الفكر الإسلاميِّ ، بين يدي استضافة قناةٍ فضائيةٍ له للحديث عن موضوع يدور حول مسألة الغلو مثلاً، فغالباً تكون حول أصل هذه المشكلة وصلتها بالخوارج، وأسباب هذه المشكلة، ومدى خطرها على الأمَّة، وما أهمُّ الوسائل للحدِّ منها، وفي ذات الوقت فإنَّ مُحَاورَه الذي ينتمي لأسرة هذه الوسيلة الإعلامية، ملتزمٌ بالفكر المتوافق مع الجهة الداعمة للقناة، وهو بالطبع لا ينشغل البتَّة بمنهج أهل السنَّة والجماعة، بل تشغله أمورٌ أخرى يريد تثبيتها في مسامع المتابعين لحواره، ومستفيداً من حديث العالِمِ الرمز، ومستثمراً كلامه في تنفيذ أجندات الجهة التي تتبع لها القناة من مثل: أن المعارضين الإسلاميين للنظام العلمانيِّ الحاكم، يكفِّرون المسلمين، ولو كان الواقع غير ذلك، وأنَّ تيَّار المعارضة هم من خوارج هذا الزمان، وأنهم هزيلو الخلق، ساقطة سلوكياتهم يتوجَّب على المسلمين استئصال شأفتهم!. وفي نهاية المطاف يجد هذا الضيفُ أنه قد أدَّى خدمةً جليلةً للنظام العلمانيِّ، وأضفى صفة الشرعية على حاكمٍ مستبدٍّ، من خلال الكليَّات الشرعية التي تحدَّث بها على البرنامج. وهنا تبرز مكاسب للنظام الحاكم، فهو يرضي جمهرة المتدينين باستضافة رمزٍ من رموزهم، ويلبس لبوس الديموقراطية الشمطاء، وُيشغِل الملتزمين بالمنهج الإسلاميِّ بقضايا جزئية تصرفهم عن الحقائق الشرعية الكبيرة!. لكن هذه اللعبة لا ينبغي أن تنطلي على الشريحة الواعية من الشباب المسلم، فتحدُثُ فجوة بينهم وبين الرمز المشارك على الشاشة المرئية، وتُحدِث خلافاً فكرياً بين محبِّيه، قد يودي بهم إلى صراع لا تحدُّه حدودٌ. وهذا ما يتطلَّع إليه النظام العلمانيُّ الحاكم، فليتنبَّه إلى فداحة هذا الخطأ الذي من خلاله يجد بعض الدعاة أنَّ لهم نصيباً من التضليل الفكريِّ لأفراد الأمَّة أثبتوا ذلك أم نفوه.
وسوم: العدد 873