الوفاء بالعهد لدى الأمير عبد القادر
لمعرفة الأمير عبد القادر رحمة الله عليه يجب على المرء أن يقف على معنى الوفاء بالعهد لديه وكيف يتعامل معه بالإضافة إلى عوامل أخرى:
1. تعرّض الأمير عبد القادر لإغراءات من طرف العدو الفرنسي ليترك السّلاح فرفض لأنّه أعطى عهدا للجزائريين أن يحارب فرنسا المحتلة فوفى بعهده.
2. بعد استسلام الأمير عبد القادر ودون أن ينال فرنكا واحدا من فرنسا وهي التي ظلّت تغريه، أعطى عهدا لنابليون الثالث الذي أخرجه من الأسر ومن سجن لامبواز ولفرنسا بعدم محاربتها وأن لايعود للجزائر لمحاربتها رغم أنّ نابليون لم يطلب منه ذلك. وظلّ وفيا لعهده الذي قطعه لفرنسا إلى أن لقي ربّه.
3. ظلّ وفيا لنابليون الثالث حين ظلّ يقدّم له التهاني في كلّ سنة ميلادية وفي كل سنة بمناسبة اعتلائه للعرش. وبغض النظر عن قبول أو رفض هذا السلوك الصادر من الأمير عبد القادر. وشخصيا أرى أنّه بالغ وما كان له فعل ذلك.
4. ظلّ وفيا لفرنسا بعد وفاة نابليون الثالث حين ظلّ يهنئ رئيس الجمهورية الفرنسية بكلّ سنة ميلادية جديدة وفي كلّ سنة باعتلائه للعرش.
5. ظلّ وفيا لفرنسا حين قدّم التعازي لزوجة نابليون الثالث بعد وفاة زوجها. وقدّم لها التعازي بعد مقتل ابنها في إحدى المعارك.
6. ظلّ وفيا لفرنسا حين لم يحرّض أحدا من داخل الجزائر ولا خارجها ضدّ الاحتلال الفرنسي بالجزائر.
7. لم يرسل رسالة حسب كتاب "تحفة الزائر- الجزء الثاني" لابنه محمّد بن الأمير عبد القادر إلى نابليون والقادة والملوك والرؤساء والفقهاء والعلماء والشعراء يطلب منهم الوقوف إلى جانب الجزائريين وتقديم المساعدة لهم للعهد الذي قدّمه لفرنسا وتشبّثه بالوفاء ولو لعدو.
8. كان حرّا طليقا معزّزا مكرّما غنيا يملك الحماية في دمشق وظلّ وفيا للعهد الذي قطعه لفرنسا وهو خارج الديار.
9. ظلّ وفيا لزوجته ولم يتزوج بغيرها وظلّ معها طوال حياته وهو الأمير المعزّز المكرّم الذي تتمناه الحرائر وأصحاب الغنى والثروة والمكانة والحسب والشرف. ويتضّح ذلك من خلال حرصه على العهد ولو لزوجته التي لاتستطيع له ردّا ولا ترفض له طلبا.
10. قال الأستاذ والمؤرّخ والمحقّق يحي بوعزيز رحمة الله عليه في كتابه: "مع تاريخ الجزائر في الملتقيات الوطنية والدولية"، طبعة خاصة 2009، دار البصائر، الجزائر العاصمة، الجزائر، (وقد كانت الطبعة الأولى سنة 1991)، صفحة 2854: "وحين التحق ابنه محي الدين بثورة المقراني التي اندلعت سنة 1871 ودون علم الأمير عبد القادر. فغضب عليه الأمير عبد القادر وراسل قناصل فرنسا في دمشق، وطرابلس، وتونس، وراسل وزراء تونس، وطلب من الجميع أن يعيدوا ابنه إلى المشرق، وتبرأ منه، ومن عمله، ووصفه بالمجنون، وبالابن العاق، وكاتب ابن عمه الطيب بن المختار في مدينة معسكر، ليحث الناس على مقاطعته وعدم اتّباعه".
11. يرى الأستاذ أنّ: الأمير عبد القادر عارض ابنه في محاربة فرنسا للأسباب التّالية: "بالعطف الأبوي، والمصير المجهول، وبالضغط الفرنسي عليه بصورة خاصة".
12. أضيف على ماذكره أستاذنا وكبيرنا ومؤرّخنا يحي بوعزيز قائلا: تصرّف الأمير عبد القادر نابع من العهد الذي قطعه لفرنسا ومن حرصه الشديد على التمسّك بالوفاء ولو مع عدو.
13. سأدع مسألة "العطف الأبوي، والمصير المجهول" جانبا. وأناقش مسألة : " وبالضغط الفرنسي عليه بصورة خاصة". وأقول: لم تستطع فرنسا المحتلة الضغط على الأمير عبد القادر وهو في الحرب وميزان القوى لصالحها. كيف "تضغط عليه" وهو حرّ في سورية؟
14. تصرف الأمير عبد القادر مع ابنه نابع من تمسّكه بالعهد الذي قطعه لفرنسا وبأخلاقه المتمثّلة بالتمسّك بالوفاء بالعهد ولو لعدو ولا علاقة بضغط فرنسا ولا أيّ ضغط. والأمير عبد القادر لايخضع للضغوط من أحد سواء في السّلم أو الحرب ولا يخضع للإغراءات وقد وضعت أمامه له. والذي لايمكن شراؤه في الحرب لايمكن الضغط عليه في السّلم.
15. لاأتحدّث في هذا المقال عن الضغط العسكري أثناء المعارك والحروب. فهذا أمر يدخل في كيفية تسيير المعارك والحروب. وقد تعرّض الأمير عبد القادر في أواخر أيامه من عدّة جهات واستسلم على إثرها سنة 1847. ولا يلام حينئذ القائد العسكري إذا تعرّض لضغوط ولم يستطع مواجهتها.
16. أتحدّث عن الضغوط التي تمسّ كيان المرء وجوهر أخلاقه وعمق وصفاء عقيدته. ولا يمكن للأمير عبد القادر أن يخضع لضغوط تمسّ كيانه ولا جوهر أخلاقه ولا عمق ولا صفاء عقيدته. والأمير ظلّ متمسّكا بالعهد والوفاء لأنّ العهد والوفاء بالنسبة له من كيانه وجوهر أخلاقه وعمق وصفاء عقيدته، ودون ضغط ولا إغراء من أيّ كان ومهما كان.
17. بقيت نقطة وهي: من حقّ الناقد أن ينتقد تصرفات الأمير أعلاه أو يجد لها مبررات لها، فهذا أمر ليس من صلاحيات هذا المقال ولم يتطرق إليه صاحبه .ويظلّ في نفس الوقت يحترم من وافقه أو عارضه.
وسوم: العدد 874