إسرائيل وليدة الادعاءات الباطلة
لا إحصاء للادعاءات الباطلة التي ولدت إسرائيل ، وتمادى بعض هذه الادعاءات في غلو بطلانه فارتقى إلى مستوى الأساطيروالخرافات ، الأمر الذي دفع روجيه جارودي المفكر الفرنسي الذي أسلم في شيخوخته إلى وضع كتابه " الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل " ، والكاتب الأميركي كيث وايتلام إلى وضع كتابه " اختلاق إسرائيل القديمة . إسكات التاريخ الفلسطيني " ، واختلاق إسرائيل القديمة اختلاق لجذور إسرائيل الحالية . ومن كبريات هذه الادعاءات أن فلسطين أرض خالية بلا شعب ، فلتكن لليهود الذين لا وطن لهم في ادعاء الحركة الصهيونية التي تبنت مشروع إقامة دولة إسرائيل . في 1942 نزل مناحيم بيجن في مطار عمان قادما من بولندا ، وكان أول ما فاه به لحظة نزوله : " هذه أرضي " ! ووقت مروره مع السادات في طائرة فوق الأهرام لم يخجل من القول : " هذه بناها أجدادي " ! وفي مؤتمر صحفي مع السادات في الإسماعيلية سأله صحفي عما ستفعله إسرائيل للفلسطينيين بعد سلامها مع مصر ، فأجاب في وقاحة : " أنا فلسطيني " ! وجولدا مائير الأوكرانية الأصل ، والأميركية بالتجنس بعد هجرتها إلى الولايات المتحدة ، ادعت كثيرا أنها فلسطينية بعد هجرتها إلى فلسطين في عشرينات القرن الماضي . والإسرائيليون قبل وبعد تأسيس دولتهم المغتصبة للوطن الفلسطيني والناكبة للشعب الفلسطيني ؛ سرقوا التراث الفلسطيني في الفن والثياب والمعمار والأطعمة ونسبوه لأنفسهم . حتى الثوب الفلسطيني البدوي بتوشياته الفنية الجميلة المتنوعة الألوان والأشكال قدموه في المعارض العالمية بصفته ثوبا يهوديا تراثيا . وأقبح وأغرب من هذه الادعاءات الباطلة الفاجرة : في الانتفاضة الأولى ، وبعد أن تحطم عزم إسرائيل لقمعها ؛ زعم حاخام يهودي أن الفلسطينيين المنتفضين من سلالة يهود غصبهم المسلمون على اعتناق الدين الإسلامي ، وهدفه من فريته البلهاء أن يقنع الناس في العالم أن فلسطين وطن اليهود قديما وحديثا .
ولا يخرج عن سياق هذه الادعاءات ما أورده موقع " إسرائيل بالعربية " التابع للخارجية الإسرائيلية من كون " برج القاهرة من تصميم وبناء معماري يهودي ، هو نعوم شبيب ، وفي التفصيل أشار إلى مصريته مقدما عليها يهوديته . ولننتبه إلى الخلل في العبارة في كلمة " وبناء " . المهندس يصمم ولا يبني . وتصدى معلقون مصريون بفهم وقوة إلى عبث الخارجية الإسرائيلية بهوية المهندس . وتصديهم في الحق صفعة ساخنة موجعة على وجه كل إسرائيل متخطيا وجه خارجيتها الصفيق الذي هو المصفوع الأول . والتصدي يبين بيانا واضحا ناصعا صحة وعيهم ، وعمق انتمائهم لأمتهم في مقارعة هذا العدو الذي ولدته الادعاءات الباطلة والأساطير والخرافات المختلقة بشهادة فحول الفكر في الغرب . الفهم المصري في جوهره وفي بعده الوطني والقومي الشريف الغيور هو النقيض للجهل المخزي والنذالة القومية الموغلة في قبحها وتعفنها اللذين أنتجا مسلسل " أم هارون " ، ومسلسل " مخرج 7 " الخليجيين اللذين لم يجد القائمون عليهما تأليفا وتمويلا وتمثيلا في مآسي الفلسطينيين وعذاباتهم المهولة ما يردعهم قوميا وأخلاقيا عن اجتراح هذا الجرم الفاحش في المسلسلين ، ولا نقول إنتاج مسلسل يوضح بعض هذه المآسي والعذابات . وعلى كل ، نعلم ما وراء المسلسلين من توجيه رسمي أمر بهاتين المعرتين التافهتين _ حتى بالمعايير الفنية البحتة _ اللتين ستطاردان عناصرهما طول حياتهم وعقب مماتهم . ودائما رب ضارة نافعة ، وبين الأشواك الحادة اللاسعة قد تنمو الأزهار النادية العابقة . فما هيجه المسلسلان من أمواج الغضب الشعبي العاصف ، والاستياء الهائل ؛ جلى نقاء وعي الشعب العربي ، واقتناعه المطلق بأن إسرائيل عدو استثنائي لكل الأمة ، ووجه تحذيرا حازما صارما لكل من قد يوسوس له شيطانه بالسير في طريق أصحاب المسلسلين الخاذلين الضالين .
وذات الشيء يقال عن ردود الإعلاميين والمواطنين المصريين على منشور الخارجية الإسرائيلية . وضحت الردود ، ولا ريب في أنها ستتوالى ، بقوة مترسخة أن الوعي الشعبي المصري صاف طاهر لم تلوثه أربعة عقود من التطبيع الرسمي مع إسرائيل ، وأنه يميز تمييزا قاطعا بين اليهودي ديانة وبين الإسرائيلي الصهيوني اغتصابا وعدوانا ، فما كل يهودي إسرائيلي ، وما كل إسرائيلي يهودي . مليونا مواطن فلسطيني في أراضي 1948 يحملون الجنسية الإسرائيلية بفرْض الواقع الجبري ، ويشعرون بأنهم عرب فلسطينيون ، وإسرائيل ذاتها تسميهم عربا . إسرائيل في خلاصتها المركزة وليدة الادعاءات الباطلة التي تمادى بعضها في غلوه إلى مستوى الأساطير والخرافات . والمؤكد أن دولة تأسست على الأساطير والخرافات إنما هي دولة مؤسسة على شفا جرف هارٍ ، وأنها لن تدوم مهما عاشت . وتحولات التاريخ الحاسمة التي تظهر فيها دول وتختفي أخرى ، وتهوي مقامات دول وتعلو مقامات دول أخرى ؛ تختمر سنوات قبل أن تصير واقعا ، وإسرائيل بحكم مقومات ولادتها الهشة ستكون فريسة سهلة لهذه التحولات . ذات زمن قادم ستصبح عدما مثلما ولدت من عدم .
وأجاد الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي حين خاطب القائمين على المشروع الصهيوني وأنصارهم : " فقل لليهود وأشياعهم * لقد خدعتكم بروق المنى "
" فليست فلسطين أرضا مشاعا * فتعطى لمن شاء أن يسكنا " .
وسوم: العدد 875