أليس لأولياء أمور المتعلمين مندوحة عن إلحاق أبناءهم بالتعليم الخصوصي
أليس لأولياء أمور المتعلمين مندوحة عن إلحاق أبناءهم بالتعليم الخصوصي الذي يتهمون أربابه بالجشع وأبواب التعليم العمومي أو المجاني مشرعة؟
لا زالت المواقع الإعلامية الرقمية على الشبكة العنكبوتية تثير موضوع الخلاف الحاصل بين أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي ببلادنا وبين أولياء أمور المتعلمين الذين يدرسون بها . ومعلوم أن سبب الخلاف بين الطرفين راجع إلى ظرف جائحة كورونا حيث أقدمت الوزارة الوصية على الشأن التربوي على قرار إغلاق المؤسسات التربوية العمومية والخصوصية على حد سواء في كل أسلاك التعليم تفاديا لانتشار الوباء بين المتعلمين الذين يناهز عددهم سبعة ملايين متعلم . وإذا كان إغلاق أبواب مؤسسات التعليم العمومي في هذا الظرف لم ينشأ عنه أي خلاف بين أولياء أمور المتعلمين وبين تلك المؤسسات ، فإن الأمر على العكس من ذلك بالنسبة لإغلاق أبواب مؤسسات التعليم الخصوصي إذ نشأ خلاف حاد بين أربابها وبين أولياء أمور المتعلمين التابعين لها، والسبب هو رفض هؤلاء تسديد ما بذمتهم مقابل تمدرس أبنائهم وبناتهم بذريعة أن الدراسة توقفت بها بسبب الجائحة ، وأنهم لم يستفيدوا من الدراسة عن قرب ، وأن الدراسة عن بعد لم تف بالغرض المنشود ، وبناء على ذلك رفضوا التسديد ، واتهموا أرباب تلك المؤسسات بالجشع .
والحقيقة أن هذا الخلاف بين الطرفين يجب أن ينظر إليه بحياد تام ودون تحيّز أو انتصار لهذا الطرف أو ذاك ، وبتعقل ودون ميل مع الهوى لأنه آفة الرأي كما يقال .
وقبل الخوض في هذا الموضوع لا بد من استحضار أو الأخذ في الاعتبار ظرف الجائحة الذي كان قدر الله عز وجل المقدور الذي لا راد له ، ذلك أن نزولها المفاجىء أربك الجميع ، وفرض عليهم وضعا استثنائيا لم يكن في الحسبان ،ذلك أن جميع المؤسسات في المجتمع العام منها والخاص لم تتوقع توقفها المفاجىء عن العمل ، وما ترتب عن ذلك من تداعيات لها آثار في غاية الخطورة على العلاقات الإنسانية داخل المجتمع ، وليس التوتر بين أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي وأولياء أمور المتعلمين التابعين لها سوى جانب من تلك الآثار حيث طفا على سطح العلاقة بين هذين الطرفين ما كان طي الكتمان قبل أن يكشف عنه ظرف الجائحة . فها هي الثقة التي كنا نعتقد من قبل أنها تحكم العلاقة بين أرباب تلك المؤسسات وبين أولياء الأمور قد تصدّعت ، وتحوّل من كانوا يثقون في تلك المؤسسات الخصوصية ويفضلونها على مؤسسات التعليم العمومي المشكوك عندهم في مردوديتها إلى اتهام أصحاب المؤسسات الخصوصية بالجشع حين طالبوهم بما كانوا يؤدونه كالعادة من واجبات تمدرس أبنائهم وتبريرهم لمستحقاتهم هو استفادة المتعلمين مما سمي التعليم عن بعد الذي سدّ مسدّ التعليم الحضوري أو التعليم عن قرب إلا أن أولياء الأمور الذين كانوا من قبل لا يخامرهم أدنى شك في فعالية التعليم الحضوري بهذه المؤسسات، صاروا يشككون في تعليمها عن بعد مع أن أطر التدريس هي نفسها ،الشيء الذي يجعل الشكوك تحوم حول السبب الحقيقي الذي دعاهم إلى رفض أداء واجبات التمدرس والذي لا يعدو أن يكون التعمد عن سبق إصرار التهرب من هذا الأداء مع التذرع بذريعة عدم جدوى أو فعالية التدريس عن بعد . والذي يؤكد ذلك هو مطالبتهم بتخفيضات في الأداء تصل إلى 50 في المائة ،وهي القيمة التي قدرت في نظرهم مقابل تلك الدروس عن بعد .
ومع أن الفئات الهشة في المجتمع وهي سواد الشعب لا يمكنها مجرد التفكير في إلحاق أبنائها وبناتها بمؤسسات التعليم الخصوصي لأنها لا تقوى على ذلك ماديا ، وليس لها خيار سوى إلحاقهم بمؤسسات التعليم العمومي مكرهة والله غالب على أمرها ، فإن الفئات التي تفضل إلحاق أبنائها وبناتها بمؤسسات التعليم الخصوصي هي قلة موسرة ، مع كثرة من الطبقة المتوسطة القادرة فعليا وعمليا على دفع واجبات تمدرس الأبناء والبنات بها وإلا لم يكن لها مفر من توجيههم إلى مؤسسات التعليم العمومي كما تفعل الفئات الهشة .
وتهمة الجشع التي اتهم بها أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي الذين أرادوا تحصيل ما كانوا يحصلونه قبل ظرف الجائحة من طرف أولياء الأمور يإمكانها أن تنطبق على هؤلاء أيضا ،علما بأن الجشع هو الحرص والطمع الشديد فيما لا يستحق أو ما ليس بحق . ولا ندري في هذه الحال على أي طرف تصدق صفة الجشع أعلى ملاّك تلك المؤسسات أم على أولياء الأمور أم عليهم جميعا ؟
ولهذا لا يجب التسرع في الانسياق مع هذا الطرف أو ذاك فيما يقول أو الانحياز له بل لا بد من تحري الحق والوقوف إلى جانبه انتصارا له .
وفي خضم الخلاف بين هذا الطرف وذاك تم تجاهل طرف ثالث ألا وهو المدرسون والمدرسات خصوصا الذين لا يجمعون بين العمل في مؤسسات التعليم العمومي ومؤسسات التعليم الخصوصي ، بل يقتصر عملهم على هذه فقط والذين يعملون بمرتبات زهيدة تقل بكثير عن مرتبات العاملين بالقطاع العام ، وهم في الغالب من الفئات الهشة التي لم يسعفها الحظ في الانتماء إلى القطاع العام، وهي تقبل مضطرة بما تعطى من أجر زهيد في القطاع الخاص والله غالب على أمرها ، وهي أقصر جدار كما يقال لم يأخذها أولياء الأمور في الاعتبار ، ولم يفكروا في أنها الفئة المعرضة للضرر إذا ما رفضوا تسديد ما بذمتهم لأرباب المؤسسات الخصوصية والذين قد يتذرعون بذلك لحرمانها من مستحقاتها الزهيدة المعتادة. ألا يجدر بأولياء الأمور خصوصا الذين وسع الله عز وجل عليهم في أرزاقهم أن ينظروا بعين الرأفة والرحمة إلى هذه الشريحة البائسة ، وأن يقدروا جهودها المبذولة في ظرف الجائحة ، وما أبلته في التدريس عن بعد بإمكاناتها الخاصة والمتواضعة ،علما بأن الوزارة الوصية نفسها بما لديها من إمكانات لم تقدم من دروس عن بعد ما قدمته تلك الفئة البائسة لأن التجربة جديدة وغير مسبوقة وكل من خاضها معذور ولا يحاسب عليها حسابا عسيرا .
وفي الأخير نقول للذين غضبوا من مطالبة أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي بمستحقاتهم أليس في إلحاق أبنائكم بمؤسسات التعليم العمومي وأبوابها مشرعة لا تسد في وجوههم مندوحة عن إصراركم على أن يظلوا بمؤسسات خاصة قد بخستم جهود تدريس مدرسيها عن بعد وأنتم الذين كنتم راضين عن تدريسهم عن قرب ، مع أن بضاعتهم هي نفسها قبل وبعد ظرف الجائحة ؟ أليس لكم في هذا الحل ما يغنيكم عن تراشق تهمة الجشع مع أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي ترمونهم بها ، كما يرمونكم بها ؟ ألا يعذر بعضكم بعضا بسبب ظرف استثنائي ، ويرعى بعضكم لبعض ما كان بينكم من مودة من قبل ؟ نرجو أن يغلب الجميع الحكمة على التسرع في الاتهام وأن تكون مصلحة المتعلمين فوق كل اعتبار مادي ، وأن تكون المادة في خدمة التعلم والعلم وليس العكس لأنه لا ثمن له وقد رفع الله عز وجل من شأنه وشأن أهله ، وجعل خيار خلقه من تعلموا العلم وعلموه كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وسوم: العدد 879