الصراع الفلسطيني _ الإسرائيلي .. الحسم في فلسطين
لا تتوقف بيانات الرفض الدولي لخطة الضم الإسرائيلي لمستوطنات الضفة وغور الأردن . وتستبشر السلطة الفلسطينية بهذه البيانات ، ويعيد مسئولوها وإعلامها ترديدها . وفي إسرائيل ذاتها صور من الرفض للضم رأيناه في المظاهرة الكبيرة السبت الماضي في ميدان رابين بتل أبيب ، ويرفض ساسة وأمنيون إسرائيليون الضم لمبررات تخص أمن دولتهم ومصالحها وعلاقاتها الدولية . والسلطة الفلسطينية تهدد على لسان رئيس حكومتها محمد اشتية بسحب الاعتراف بإسرائيل إذا نفذت الضم . وكل البيانات الدولية ، وكل صور الرفض ، وكل تهديدات السلطة لا قيمة لها في الواقع ما لم تُتخذ خطوات فلسطينية عملية تعطل خطوات الضم الذي لن تتراجع عنه إسرائيل ولو أجلته ، أو نفذته بكيفية لا تخلق لها مشكلات وتعقيدات مكلفة في علاقاتها الدولية . المشكلة أنه لا وجود لخطوات فلسطينية عملية ، لا وجود لموقف صادق جاد من السلطة تخشاه إسرائيل ، وإسرائيل عادة لا تخشى إلا ما يؤثر على قراراتها ومشروعاتها تأثيرا عمليا تدفع فيه أثمانا متنوعة لا تقدر عليها . إسرائيل واقعية حتى النخاع . كيف تخشى ردود فعل السلطة على الضم والتنسيق الأمني ، أهم وظيفة للسلطة في نظرها ، جاري المفعول ، ولم يتوقف لحظة منذ خطاب عباس في 19 مايو ؟! الخطاب الذي احتوى توكيدا واضحا قاطعا على التزام السلطة بمواصلته في قول عباس إن دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية ملتزمتان بمحاربة الإرهاب أيا كان مصدره وشكله . وما جاء من أقوال قادة السلطة وأفعالهم بعد خطاب عباس أكد السير في ذات المسار ، مسار التنسيق الأمني . وأعلن عن إحباط السلطة عملية كبيرة ضد القوات الإسرائيلية في منطقة جنين ، وفي مقابلة مع "نيويورك تايمز " أكد حسين الشيخ رئيس هيئة الشئون المدنية الفلسطينية تمسك السلطة بالمحافظة على أمن الإسرائيليين حتى لو توقف التنسيق الأمني ، وهو لم يتوقف . كل ما تم في أمره ، بالاتفاق بين الطرفين ، الابتعاد عن الإعلان عن نجاحه في وقف عمليات المقاومة ، وبالذات من جانب مسئولي السلطة ، وترك الإعلان للإعلام الإسرائيلي ، وتسريبات المسئولين الإسرائيليين من خلاله . يستحيل وقف التنسيق الأمني . إنه أحد وظيفتين تكلف إسرائيل بهما السلطة ، والوظيفة الثانية تحمل عبء حياة الفلسطينيين في الضفة وغزة عن إسرائيل ، وإظهارها دولة غير محتلة ، وهو ما يوصف بأرخص احتلال . وفي ظل هاتين الوظيفتين تراجعت الحقوق الوطنية الفلسطينية . المقاومة أضحت تواجه عدوين ، وإسرائيل تفرغت للاستيطان ، ومستوى معيشة الفلسطينيين تردى في ظل اقتصاد غير منتج وتابع للاقتصاد الإسرائيلي ، اقتصاد موظفين ورواتب واستهلاك ، ونرى هذه الأيام سوء ما انتهى إليه في أحد مظاهره : عجزت السلطة عن صرف رواتب موظفيها حتى بنسبة متدنية . وفي كلام حسين الشيخ ل "نيويورك تايمز " تلميح إلى أن السلطة لن تحل ذاتها مهما فعلت إسرائيل بالحقوق الوطنية الفلسطينية السياسية لكون بقاء هذه السلطة لدى قادتها هدفا قائما بذاته ، فلا وقف للتنسيق الأمني الذي هو لصالح إسرائيل مائة بالمائة ، ولا حل للسلطة إن لم تقم دولة فلسطينية . قال : " إذا تم تجريد السلطة من إمكانية إقامة دولة فإن مهامها ستقتصر على أداء وظائف مدنية مثل إدارة المدارس والمشافي ومراكز الشرطة " . وإسرائيل لن توافق على دولة فلسطينية حتى بالشروط العشرة التي أعلنها نتنياهو ، وهي قد تنفذ الضم وفق خطة ترامب ، مثلما يُناقش في داخلها ، دون أن تلتفت لمسالة الدولة الفلسطينية التي تثير خلافا بين الإسرائيليين . قال الإسرائيليون دائما ، ويقصدون حرفيا ما يقولون ، لا دولة بين النهر والبحر إلا إسرائيل ، ولأنه لا أحد يجابه هذا القول في الجانب الفلسطيني مجابهة جدية فاعلة مانعة ، فما الذي يجبرإسرائيل إجبارا رادعا على التخلي عنه ؟! لن يحسم الصراع المصيري بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا في فلسطين ، وبيانات الخارج ومواقفه ثانوية التأثير وتحتاج لمن يوظفها لصالحه من الطرفين ، وإسرائيل ماهرة في توظيف مؤثرات الداخل والخارج لصالحها ، وكل عناصر القوة الفلسطينية معطلة داخليا وخارجيا لغياب قيادة فلسطينية مقتدرة على توظيفها ، والأخطر والأفدح أن السلطة الفلسطينية منذ إيجادها قبل 26 عاما سدت كل السبل لتوظيفها ، بل وظفتها لصالح إسرائيل ، وإن لم تفعل الخير لنفسك فمن سيفعله لك ؟! " الحركة الصهيونية كانت إحدى أعظم قصص نجاح العلاقات العامة في القرن العشرين ، أما الوطنية الفلسطينية فكانت إحدى أكبر قصص الفشل ، كان لدى الفلسطينيين قضية قوية ، ولكن كان لديهم محامون فاشلون " ، هذا ما جاء في كتاب " إسرائيل وفلسطين : إعادة تقييم وتنقيح وتفنيد " للكاتب الإسرائيلي آفي شاليم ، وما زال هذا هو الحال . القوة تصنع الحق ، ولا تتكلموا عن الحقوق ، تكلموا عن الحقائق ، وعدونا يجمع عناصر قوته ليصنع الحق الذي يلائمه ، ويصنع الحقائق التي ترسخ ركائز وجوده في وطننا ، ونحن نمزق عناصر قوتنا فيستحيل حقنا باطلا ، ونركض خلف فقاعات الأوهام ولمع السراب ، فيتسرب الواقع من بين أصابعنا .
وسوم: العدد 880