إعلان الأحزاب عن طبيعة مرجعيتها إما أن يكون حقا يمارسه الجميع أو أمرا يعاب على الجميع
بداية لا بد أن أكرر للمرة الألف عبر هذا المنبر الإعلامي أو عبر غيره أنني لا أدين بولاء لأي حزب سياسي أو لأية جماعة دينية ، وهي قناعة شخصية راسخة وغير قابلة للتغيير أو المساومة ، وأنني مغربي ككل المغاربة ، ومسلم سني ككل المسلمين السنة، أعتز بهذين الانتماءين المغنيين عما سواهما بالنسبة إلي ، ولا أعيب على أحد انتماءه السياسي أو غيره إلا أن يتخذ منه مطية للطعن في دين الله عز وجل سواء كان ذلك بتصريح أو بتلميح ، فإنه عندي قد استباح من نفسه ما استباح من الإسلام .
والملاحظ في إعلامنا الرقمي والورقي في بلادنا انطلاق حملة انتخابية قبل الأوان منذ مدة طويلة ، وكأن أصحابها يستعجلون حلول موعدها لتصفية حساب مع الحزب الحاكم الذي يصرح بمرجعيته الإسلامية ، وقد صار هذا التصريح تهمة خطيرة بالنسبة عند من يخوضون هذه الحملة الانتخابية قبل حلول أوانها وهي حملة مثيرة للسخرية لأنهم يحرصون من ورائها أشد الحرص على أن ترجح كفة أحزاب ذات مرجعيات غير المرجعية الإسلامية على كفة الحزب المصرح بها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة .
ولعل الموضوعية والحياد يقتضيان أن يطرح موضوع المرجعيات الحزبية طرحا لا تمييز فيه بين الأحزاب المختلفة ، ذلك أنه إذا كانت المرجعية الحزبية عيبا وسبة أو منقصة ترقى إلى درجة الإدانة والاتهام ، فيجب أن تكون كذلك بالنسبة لجميع الأحزاب ، ذلك أنه إذا ما عيب على حزب مرجعيته الإسلامية جاز وفق نفس المنطق ، ونفس المكيال أن يعاب على غيره مثلا مرجعيته العلمانية خصوصا وأن الأمر يتعلق بأحزاب في بلد دينه الرسمي المنصوص عليه في دستوره المصوت عليه شعبيا بإجماع هو الإسلام ، وهو ما يقتضي ألا تزاحمه إيديولوجيات أخرى وتروم إقصاءه كما يود الضيف الحلول محل صاحب البيت .
وقد يقال كل الأحزاب في هذا البلد لها صلة بالمرجعية الإسلامية ، والذي يصدق أو يكذب ذلك إنما هو انسجام مواقفها وتصريحات من يتحدثون باسمها مع مبادىء الإسلام ،لأنه شتان بين أن يصرح حزب بأن مرجعيته إسلامية وبين أن تكون مواقفه العملية أو الإجرائية متطابقة مع ما ينص عليه وهو الذي شعاره قول الله سبحانه وتعالى : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلّموا تسليما )) ، وقوله أيضا : (( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان )) ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض ما روي عنه : " لا يؤمن أحدكم حتى ... " إلى آخر كل الأحاديث المسبوقة بهذه الصيغة والتي يذكر فيها بعد حتى ما هو إجراء عملي يكذب أو يصدق دعوى الإيمان بتعبير آخر يصدق أو يكذّب المرجعية الإسلامية .
وبناء على هذا لا يكون الحكم على مرجعية حزب من الأحزاب بأنها إسلامية إلا من خلال مواقفه العلمية التي تكون متطابقة تماما مع ما يدعو إليه الإسلام . وفي المقابل لا يقبل من حزب ادعاء هذه المرجعية إذا كان يصرح بمرجعية غيرها أو كانت مواقفه العملية متطابقة مع المرجعية غير الإسلامية المصرح بها ،لأنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما بالمعنى الصحيح وفي نفس الوقت يأتي من الأفعال والأقوال ما لا يجيزه الإسلام .
ومن السخف أن يعاب على حزب تصريحه بالمرجعية الإسلامية في الوقت الذي يعتبر تصريح غيره بمرجعية أخرى صوابا وحقا مشروعا .
والحقيقة التي لا يمكن أن تنكرها فلول العلمانيين الذين يديرون الحملة الانتخابية قبل الأوان في هذا البلد هو أنهم يتخذون من انتقاد الحزب المصرح بمرجعيته الإسلامية حيلة مكشوفة للنيل من الإسلام لترجيح كفة العلمانية على كفة الإسلام في بلد يلفظها فيه شعبه المسلم الذي لا يقبل أن يساوم في هويته الإسلامية .
ولمّا كنات الأخطاء واردة في مواقف كل حزب قد يصرح بمرجعيته الإسلامية ، فلا يعقل أن يكون ذريعة لتحمّل الإسلام مسؤولية تلك الأخطاء . وإذا كان أصحاب حزب مصرح بمرجعيته الإسلامية خطّائين فهذا لا يعني أن أصحاب حزب آخر مصرح بغير مرجعيته الإسلامية صراحة أو ضمنا معصومون .
ومن التجني على الإسلام أن يؤخذ بأخطاء المنتسبين إليه في حال ثبوت صحتها ، وما كان المسلمون الأول ينسبون إلى الإسلام أخطاء من أخطئوا في زمانهم إلا أن البعض في هذا الزمان ولحاجة في نفوسهم وراءها نوايا غير سليمة يفعلون ذلك، فيتخذون مما يعتبرونه أخطاء المحسوبين على الإسلام قديمهم وحديثهم على حد سواء ذريعة للنيل منه ، فيصير عندهم موضوع طعن ، وهكذا صارت على سبيل المثال الخلافة مطعنا لأنهم يزعمون أن كل من صرّح بأن مرجعيته إسلامية فهو من دعاة الخلافة الرافضين للدولة المدنية ، وبناء على ذلك توهم مزاعمهم الباطلة أن الخلافة في حد ذاتها عيب ، وأنها كانت منذ عصر الخلفاء الراشدين إلى عهد الخلفاء العثمانيين خطأ، لهذا أصدروا حكما باتهام كل من يصرح بالمرجعية الإسلامية بأنه من الداعين إليها والمطالبين بها وقد صارت عندهم جرما خطيرا.
ولو أن هؤلاء قصروا انتقادهم على انتقاد أخطاء المصرحين بالمرجعية الإسلامية دون النيل من الإسلام لما لامهم أحد، ولكنهم مع الأسف يحملونه أخطاءهم تصريحا أو تلميحا ، وهم بذلك يتحملون مسؤولية الإساءة إليه عمدا وعن سبق إصرار ، ولن يصدق أحد عبارات الثناء الكاذب عليه والتي يحاولون مخادعة المسلمين بها على طريقة المنافقين في عصر النبوة والذين فضحهم الوحي ، وسرد من الأوصاف ما كان يفضح بواطنهم ، ولو استمر نزول الوحي إلى هذا الزمان لشملتهم صحيفة أمين سر الأمة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
وفي الأخير نقول إن الإسلام كدين وكمنهاج حياة أبعد ما يكون عن لعب السياسيين ، ولا يقبل أبدا أن يكون أداة أو مطية لخدمة السياسيين على اختلاف توجهاتهم ، كما أنه لا يقبل أن يحمل مسؤولية ما يفعلون ، كما أنه لا يقبل أيضا أن يكون كبش فداء . وعلى عشاق السياسة أن يلتزموا بقواعد اللعب السياسي دون الخروج عنها ،وأن يلتزموا أيضا بتنزيه الإسلام عما ينسبون له مما هو منه براء زورا وبهتانا. ولما كان حبل الكذب أقصر مما يتصوره الكاذبون ، فإن الأيام كفيلة بإبداء ما جهل منه .
وسوم: العدد 884