رفعت الأسد ومستشاروه الإسرائيليون: ظاهرة عربية صاعدة!
في اليوم الذي سجّل فيه بشّار الأسد مرور عشرين عاماً على تنصيبه المستعجل، بعد وفاة أبيه حافظ بشهر، رئيسا للجمهورية العربية السورية (17 تموز/يوليو 2000)، متابعا «انتصاراته» الكبيرة على الشعب السوري، كان حدث آخر لافت يخص عمّه رفعت الأسد (المحكوم بالسجن في فرنسا على جرائم الانتماء لعصابة منظمة لاختلاس المال العام والاحتيال الضريبي وغسيل أموال) ينكشف ويلقي الضوء على العلاقة العضوية العميقة بين الطغيان العربي والدولة العبرية.
فحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» فإن رفعت الأسد، الذي يتّهمه السوريون بتنفيذ مجازر فظيعة في حماة وتدمر، استعان منذ سنوات، بعدد من الإسرائيليين، بعضهم من فئة «في آي بي»، كأحد رؤساء الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية «موساد» السابقين، الذي التقاه الأسد في شقة له في باريس، ومسؤول سابق وعضو في الكنيست عن حزب الليكود يدعى بلاتو شارون، إضافة إلى المحاميين مردخاي تسيفين وغيل فيليام غولدندل، والأخير يعمل مستشارا أيضا لشخصية إسرائيلية «رفيعة المستوى» لم يكشف عن هويتها، وكذلك رجال أعمال ومحامون يهود.
يشكّل رفعت الأسد وبشار الأسد فرعين ليس من العائلة السورية الحاكمة فحسب، بل كذلك من شجرة الاستبداد التي ترخي بظلالها الحالكة على سوريا والمنطقة العربية، والتي يمثّل الاستحكام الوحشيّ بالسلطة وأسبابها طريقته الأساسية للنهب المنظم المحروس بالقمع المنظم لأجهزة المخابرات الكثيرة، وفيما كان الأسد الصغير، حين يحتاج الأمر، يتابع إظهار دور العداء للامبريالية ومقاومة إسرائيل، ويردّ على كل ضربة يتلقاها جيشه أو الميليشيات الأجنبية الحليفة لنظامه من قبل الدولة العبرية بمتابعة أشكال الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد السوريين، كان الأسد الكبير يتابع نضاله العسكريّ والسياسي في فرنسا وبريطانيا بشراء مئات العقارات، والتي قدّرت في اسبانيا وحدها بـ507 عقارات تصل قيمتها إلى 695 مليون يورو، من أموال الشعب السوري المنهوبة والموزعة في دول أوروبا الكبرى.
تظهر مراهنة رفعت الأسد الكلّية على «العنصر» الإسرائيلي، بدءا من رئيس الموساد وعضو الكنيست ورجل الأعمال وصولا إلى اختيار محامين يهود حتى في فرنسا على إحساس عميق بأن أعضاء الحكومة الإسرائيلية أو رئيس الموساد قادرون على التأثير في عالم خفيّ تتحكّم فيه قوى أعلى من القوانين الدوليّة والشرع البشريّة المتعارف عليها لحسم القضايا، فإذا كان التلاعب بالقوانين والتخلّص من العقبات بالقوّة الغاشمة ممكنا لعائلة الأسد في سوريا، فالأقرب لتطبيق هذا الدور، في عقلية الأسديين، هو إسرائيل.
تبدو هذه المسألة أشبه بقناعة قوية لدى جزء كبير من المسؤولين العسكريين والسياسيين العرب، وقد شهدنا أشكالا سريّة وعلنيّة منها مؤخرا لدى كبار المسؤولين في السعودية والإمارات ومصر، كما رأينا انتشار هذا «الترند» أو الموضة السياسية الفاحشة في بلدان عربية (وغير عربية) كثيرة، بما فيها شخصيات من «المعارضة».
لا تنتمي هذه الظاهرة العربية الصاعدة إلى عالم السياسة وحدها، ولا تتعلّق فقط برغبات المسؤولين العرب بالتحالف مع إسرائيل ضد إيران، كما تقول بعض التحليلات، أو بالاستقواء بحليف أمريكا الرئيسي في المنطقة، بل تتعلّق اساساً بطبيعة نظر المسؤولين العرب إلى رعاياهم وتمثّلهم للنموذج الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين، كما تتعلّق أيضاً بإحساس شديد بالمهانة والذلّ لا يفارق أولئك المسؤولين أمام إسرائيل رغم كل مظاهر الأبّهة والغطرسة والتجبّر التي يمارسونها على شعوبهم.
وسوم: العدد 886