كلمتي للمغفّلين
هل نجحت "صفقةُ القرن"؟ هل انتصر الصهاينة، وأقاموا دولتهم، وحقّقوا أطماعهم؟ هل صاروا حُماة التراث الديني؟ هل أوشكوا على بناء الهيكل، واستعادة مملكة إسرائيل؟ هل أحكموا قبضتهم على العرب، وسيطروا على المنطقة؟ هل أصبح الاحتلالُ واقعاً مفروضاً وقدراً مقدورا؟؟!
كلاَّ، وألف كلاَّ. فلمْ، ولن يُصدّق هذه الأوهام سوى المهزومين والمنافقين السفلَة، ودُعاة التطبيع والسلام الدافئ، وتلامذة المستشرقين، وبقايا الحروب الصليبيّة!
فلم ينتصر اليهودُ على مدى تاريخهم الطويل، ومازالوا مهزومين أمام كتائب المقاومة، إنما انتصروا على الأنظمة العميلة التي صنعها الاستعمار الغربي! فاليهود أجبن البشر، كما وصفهم القرآنُ المجيد في مواضع عديدة، فهُم الذين قالوا لموسى(ع)﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾[المائدة :24]. وقال عنهم –أيضاً- ﴿لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ﴾. وقد جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى: ﴿لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ﴾. وهيَ مِن شواهد "الإعجاز الغيبي في القرآن" في توصيفه لجُبن اليهود وطبيعتهم النفسيّة الانهزامية، لأنَّ شدة الرهبة تشتمل على شدة التحصُّن! أيْ: لا يَقدرون على قتالكم إلاَّ في هذه الأحوال. وخوف اليهود مِن الأمم المحيطة بهم كان شعوراً مسيطراً دوماً عليهم، فعاشوا عبر التاريخ وراء القُرى المُحصَّنة, والجُدران المرتفعة, والموانع الشاهقة, وفي الأحياء المغلَقة. وتاريخ اليهود يؤكِّد صِدق هذه الإشارة القرآنيّة! وقد أفاض العلماءُ والمؤرخون في بيان طبيعة القُرى المحصَّنة لليهود عبر التاريخ, والتي كان مِن أحدثها: "خط بارليف" الذي أقاموه بعد حرب حزيران 1967م, و"الجدار العازل" الذي أقاموه 2003م بعد أن سيطروا على أغلب الأراضي الفلسطينية, فذلك أكبر دليل على الخوف المسيطر على نفوسهم، والذي لا ينفكّ عنهم حتى ولوْ انتصروا على خصومهم!
وعندما سُئلَ المسيح(ع) عن بناء الهيكل؟ قال: "كلّما وضعوا حجراً على حجرٍ أزالهُ الله"!!
حتى التوراة ذاتها، وكُتبهم المقدّسة تتوعّدهم بالذلّ والشتات، وتصِفهم في مواضع عديدة بأنهم "قتلة الأنبياء" و"أولاد الأفاعي" و"الضالّون العميان" و"الملعونون بكُفرهم". "قال الربُّ: ها أناذا جالبُ شراً على أورشليم ويهوذا، وأدفعهم إلى أيدي أعدائهم غنيمةً ونهباً لجميع أعدائهم، لأنهم عملوا الشر في عيني" (الملوك الثاني ا 2/12-5ا). وتقول: "ها أناذا جالب الشر على هذا الموضع وسكانه من أجل أنهم تركوني، وأوقدوا لآلهة أخرى، لكيْ يغيظوني بكل عمل أيديهم فيشتعل غضبي على هذا الموضع ولا ينطفئ" (الملوك الثاني 21/16 و17). ويكشف طبيعتهم (سِفْر إشعيا): "إن الله قال اذهب، وقل لهذا الشعب: اسمعوا سمعاً ولا تفقهوا، وأبصِروا إبصاراً ولا تعرفوا، غلظَ قلب هذا الشعب، وثقلَ أُذنيْه، وأطمس عينيه، لئلا يبصر بعينيْه ويسمع بأذنيْه ويفهم بقلبه". ويقول (سِفْر المكابيين الثاني): "وصار مرشدو هذا الشعب مُضلِّين، لأجل ذلك لا يفرح الربُّ بفتيانه، ولا يرحم يتاماه وأرامله، لأنَّ كل واحد منهم منافق وفاعل شر".
* * *
لقد لعنتهم التوراة، وفضحهم الإنجيلُ، وتوعّدهم اللهُ –سبحانه- بأشدّ ألوان الوعيد، فقال: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَاب ﴾(الأعراف: 167)، وقال: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا﴾(الأعراف: 168). هذا هو القولُ الفصل، وهذا هو الوعدُ الحقّ! فأين تهربون مِن دينونة الربّ يا أولاد الأفاعي، ويا نسل فاعلي الشر –كما قال المسيح (ع)!
إنهم جديرونَ بهذا الوعيد الشديد! وجديرون بالعذاب المُهين!
أليسوا هم الذين شوّهوا صورة الأنبياء في كُتبهم المقدّسة؟ وحوّلوهم إلى عصابة من الكذبة والزناة والقتلة والحاسدين، ومروّجي عبادة الأصنام؟ بلْ لقد رسموا للهِ –سبحانه- صوراً لا تليق حتى بالبشر: فمِنْ استراحة مِن عناء الخلْق فى اليوم السابع! إلى المشي فى طرقات الجنّة يبحث دون جدوى عن مكان اختفاء آدم منه! إلى اشتباكهِ فى مصارعة مع يعقوب طوال الليل! إلى حقده على بنى آدم، الذين خلقهم بنفسه ثمَّ غاظه أن يتكلموا كلهم بلغة واحدة؛ فبَلبلَ ألسنتهم تكديراً لهم وتعذيبا، إلى ندمهِ على أنه قد خلقهم أصلا ... إلخ!!!
ولا زالوا يسخَرون من الأنبياء، فقد زعم عالِم النفس اليهودي "بن أشنون": أنَّ موسى(ع) كان تحت تأثير نوع من المخدرات حين رأى النار عند الشجرة بالوادي المقدس، وحين تلقى الوصايا العشر! وسَخِر الشَّاعر الفرنسي (آرثر رامبو Arthur Rimbaud) مِن السيد المسيح (ع) وخاطبه قائلاً: "يسوع يا لصاً أزلياً يسلب البشر نشاطهم.."! وادَّعوا أنَّ المسيح(ع) تزوج من مريم المجدلية ... وهو الحدث الذي تستَّرتْ عليه كنيسة روما حتى الآن!
ما هذه الإساءة المتكررة إلى الأنبياء؟ وما هو سِر العداوة للرسل الكرام؟
إنَّ السر يكمن في كتبهم التي يتعبَّدون بها؛ لأنها جرَّأتهم على الاستهانة بمقام الأنبياء والرسل، كما جرّأتهم على الذات الإلهية!
فكثيراً ما نراهم يُصوِّرون الأنبياءَ في أبشع صورة، فالعهد القديم يرسم صوراً لا تليق أبداً بمقام النبوَّة ولا بأخلاق الرسل الكرام، فقد جاء في (سِفْر الملوك 11/ 1-3) أن "سليمان في شيخوخته لم يكن قلبه كاملاً مع الربّ إلهه كقلب داود أبيه، فذهب سليمان وراء عشتروث آلهة الصيدونيين .. وعمل سليمان الشر في عيني الربّ ولم يتبع الربَّ تماماً كداود أبيه". وأسوأ من ذلك؛ ما ذكروه عن لوط –صلوات الله عليه- وابنتيْه(التكوين 19: 30-38). وما ذكروه عن سيدنا داود (ع) (صموئيل الثاني 11: 1-27).
وقد استمرأوا هذه الافتراءات عبر تاريخهم الطويل، وأُشرِبوها في قلوبهم، حتى تحولوا إلى كائنات عدوانية! ففي العهد القديم: أنَّ إسرائيل "يعقوب" أصرَّ على محق العرب الكنعانيين، وعدم الاعتراف لكنعان بحق الحياة (حتى لوْ اعتنق العربُ اليهودية) لأنها دِين إسرائيل وحده".
وهذا -بالطبع- ليس وحياً؛ بلْ هو من تأليف "أولاد الأفاعي" و"قتلة الأنبياء"؛ لأنَّ يعقوب نبيٌّ كريم، ولا يمكن أن يصدر عنه هذا التصرف الظالم، والكلام العنصري.
وفيه أيضاً: أنَّ كل البشر غير اليهود "كلاب" وخدم اليهود في أصل الديانة!
أمَّا التلمود وهو كتابهم المقدس الثاني- فيقول: "استيلاء اليهود على ما يملك القوييم -أيْ غير اليهود- حق، ووعد تصحبه المسرة الدائمة". وجاء فيه أيضاً: "يستحق القتل كل القوييم، حتى ذوو الفضل منهم"!
ولمْ يكن موقفهم عند مجرد الإساءة لأنبيائهم، ورمْيهم بارتكاب الفواحش، بلْ سجَّلتْ كتبهم التاريخية؛ أنهم قتلوا من الأنبياء (حزقيال، وأشعيا بن آموس، وآرميا، وزكريا، وابنه السيد الحصور يحيى، وغيرهم) كما أنهم حاولوا قتل عيسى ومُحمَّد، وتواطأوا ضدهما، وضد أتباعهما.
تعالوا نتساءل -بعد عرض هذا الجانب مما حوته أسفارهم وكتبهم، وبعد معرفة موقفهم من الأنبياء-: هل مثل هذه الكُتب -المملوءة بالسخرية من الأنبيا والاستهزاء بالرسل، والاستهانة بالبشر، والتحريض على ارتكاب الجرائم- هل يمكن أن تكون وحياً سماويا؟ وهل هي جديرة بالاحترام؟ وهل يمكن أن يُصدِّقها أحد، أوْ يؤمن بما فيها؟! وهل يمكن لأُناسٍ -هذه طبيعة كُتبهم، وهذا هو موقفهم من الأنبياء- أنْ يُصدِّقهم الناسُ في مزاعمهم؟ أوْ يطمئِن أحد إلى الكُتب التي بأيديهم؟ وهل يُؤتمَن هؤلاء الأوباش على التراث الديني أوْ على الحضارة الإنسانية؟! وهل يُعقَل أن يُمنحوا أيّ لونٍ من ألوان الهيمنة على المقدسات الدينية؟
مَنْ -يا ترى- أولَى بالتصديق والاحترام: الذين يَسخَرون من الأنبياء ويقتلونهم، أمْ الذين يُوقّرونهم، ويؤمنون بهم جميعاً، ولا يُفرِّقون بين أحدٍ منهم؟! ومَنْ أولىَ بحفظ التراث وحماية المقدسات ورعايتها: الذين حوَّلوها إلى بؤرةٍ للرذائل، ومغارة لصوص، أمْ الركَّع السجود الذين يُقدِّسون خالِقهم، ويُسبِّحونه بالعشيّ والإبكار؟!
الخلاصة: أنه لن تقوم قائمة للصهاينة الأشقياء ولا للصليبيين التعساء، فقد أعلنَ المولى –جلَّ جلاله- أنه ﴿جاءَ الحقُّ وزهقَ الباطل. إنَّ الباطلَ كانَ زهوقا﴾!
وإننا ندعو الغربَ والشرق؛ إلى الوقوف إلى جانب الحق جبهةً واحدة في مواجهة أعداء الإيمان، وخصوم الأنبياء، ودُعاة الإلحاد والمفسدين في الأرض.
ولا يزال رِهاننا الأكبر على الوعد الحقّ، والإِباء الإلهيّ الصارم الذي أعلنه القرآن المجيد: ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ [التوبة :32].
وويلٌ للمكذّبين .. ثمَّ ويلٌ للمكذّبين!!
وسوم: العدد 886