من يلاحق مواطنيه المحامين وغيرهم لا يريد دولة
تقع على الدولة أو الكيان السياسي مسؤوليات كبيرة تجاه شعبها وذلك من أجل تحقيق أهداف سامية على رأسها ضمان مشاركة الناس وتعزيز انتمائهم الوطني وتعاونهم والتزامهم الأخلاقي والعملي بقضايا المجتمع والشأن العام.
ومتطلبات الشعب من دولته التي تديرها حكومة مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب متعددة، ويقع على رأسها توفير الأمن للمواطن وتحقيق العدالة بين الناس. وأي إخلال بهاتين المسألتين يعني أن الدولة فاشلة، والقائمون عليها عصابة بلطجية وشبيحة وانتهازيون وشهوانيون. ولهذا دائما لا ندرج القائمين على الأنظمة العربية ضمن أنظمة سياسية وإنما ضمن أنظمة قطاع الطرق والزعرنة.
المحامون أعمدة قانون
بالأمس، تقوم السلطة الفلسطينية بتوظيف أجهزتها الأمنية لمواجهة محامين يتظاهرون ضد المحسوبيات والفساد وتسليم أبناء مسؤولين فيها مسؤوليات لا يستحقونها ولا يستطيعون القيام بها. وهذا حق لهم وواجب عليهم. المحامون أعمدة قانون، ومطلوب منهم مراقبة أداء الحكومات بمختلف سلطاتها لكي يقوموا المسار كلما اعوج. وإن هم لم يفعلوا ذلك يكونون قد حنثوا بأيمانهم وأخلوا بمسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية تجاه الناس.
والمواطنون في بلادنا إجمالا يلومون المحامين في كثير من الأحيان بسبب غيابهم عن ساحة التقويم وتصحيح مسار المسؤولين بالطرق القانونية. فمثلا يصمت المحامون عن قوانين عباس الصادرة بقرارات، ويعملون هم والقضاة على تطبيقها كقوانين حقيقية. وهم أيضا لا يضغطون من أجل تشكيل مجلس تشريعي يتولى مهام التشريع، وأحيانا يتغاضون عن تعيين قضاة لأسباب سياسية. وكم من مرة صمت المحامون عن انتهاكات القانون التي يمارسها رئيس السلطة ومن لف لفه من المسؤولين. والسبب ليس لأنهم لا يعلمون، ولكن لأنهم يخافون من الإجراءات الأمنية ضدهم.
الآن تحرك المحامون ضد الفساد وضد التلاعب بالمناصب التي يجب أن يتحملها أصحاب علم ومعرفة. هم يرون ابن فلان وابنة فلان وصديق فلان وقريب فلان يتقدمون الصفوف ويستولون على مناصب هامة في السلطة، وهذا يشكل دمارا اجتماعيا وأخلاقيا وماليا هائلا للشعب الفلسطيني. وظهرت علينا يوما ابنة مسؤول فاسد تقول إن هذه البلاد "لنا". أي لها ولعائلتها. وفي هذا كيف يختلف الفلسطينيون عن ممارسات الأنظمة العربية في مختلف الأقطار العربية. وماذا ولد الإرهاب والإرهابيون في بلاد العرب غير ممارسات الأنظمة القمعية الإجرامية ضد الناس؟
تبعات الظلم والفساد
الظلم يولد نقيضه، وكذلك هي نتيجة الاستئثار والاستحواذ والاستهتار بمقدرات المواطنين وحقوقهم. الظلم يولد الكراهية والبغضاء والتمزق الاجتماعي والسياسي والأخلاقي وينتهي بصراعات دموية يجب أن نتجنبها. يكفينا الدماء التي سالت ببنادق فلسطينية، ويكفينا استهتارا وعهرا وتلاعبا بمصائر الناس.
محامون يخرجون يحتجون، تسبقهم قوى الأمن الفلسطينية إلى دوار المنارة في رام الله لمنعهم من القيام بواجبهم الوطني والأخلاقي والقانوني، وتعتقل عددا منهم وتم نشر أسمائهم. لماذا؟ لو كنت أعلم بهذا الاحتجاج لشاركت فيه، ومن واجبي الوطني أن أشارك وأرفع صوتي عاليا، كما هو واجب كل فلسطيني.
والسؤال الكبير المطروح: كيف يمكن لمسؤولي السلطة الفلسطينية أن يقيموا دولة بهذه الممارسات المشينة؟ أقول لكم: ممارسات السلطة في مختلف المجالات لا يمكن أن تكون نتيجتها إقامة دولة. بل أذهب أبعد من ذلك، ممارسات السلطة تقول لأعداء الشعب الفلسطيني من صهاينة وأمريكان ومن لف حولهم إن الشعب الفلسطيني لا يستحق دولة. ولهذا لم يتردد ترامب من صياغة صفقة قرن مستهترا بالشعب الفلسطيني، ونتنياهو يستمر باعتداءاته على شعب فلسطين كأنه غير موجود. من يريد دولة لا يعتمد في رغيفه على أعدائه، ولا يرهق شعبه بالضرائب والرسوم لكي يدفع رواتب لأجهزة أمنية ولآلاف الموظفين الذين لا يعملون.
من يريد دولة لا ينشر الفساد في البلاد، ولا يفسح مجالا للاستزلام والبلطجية والزعران ليعيثوا في الأرض الخراب، ويمارس العنصرية ضد أبناء شعبه فهذا يرث وهذا لا يرث. من يريد دولة يبحث عن الكفاءات العلمية والإدارية، وعن أصحاب العلم والمعرفة والأخلاق الحميدة. ومن يريد دولة يطور أوضاعه الاقتصادية حتى لا يبقى متسولا يستجدي الأمم. ومن يريد دولة يحترم شعبه، ويوفر لهم أسباب المشاركة في اتخاذ القرار، وتثبيت منظومة قيمية أخلاقية يجتمع الناس حولها.
أما ما نراه على أرضنا الفلسطينية فلا يؤدي إلا إلى الخراب والدمار وضياع المواطن والأوطان. لا بارك الله بكل من ساهم في هذا التدهور الخطير، والخزي له والعار.
وسوم: العدد887