اقتناص فرص وقوع حوادث أو كوارث لاستباحة أموال وأمتعة الغير سلوك مشين
اقتناص فرص وقوع حوادث أو كوارث لاستباحة أموال وأمتعة الغير سلوك مشين يعكس غياب الوازع الديني في مجتمع يدين بدين الإسلام
من المعلوم أنه لا استقامة للإنسان المسلم في غياب الوازع الديني الذي يكبح جماحه حين تحدثه نفسه الأمارة بالسوء بالهم بفعل ما ينقض تدينه من إتيان المحرمات والممنوعات ومنها الغلول .
والمألوف الذي كان سائدا من قبل في مجتمعنا المسلم أنه حين كانت تقع حادثة يتداعى الناس لمؤازرة ضحاياها كل على قدر استطاعته وبطريقته وأسلوبه ،ذلك أنه إذا وقعت حادثة سيرعلى سبيل المثال، نجد من يسارع إلى إنقاذ المصابين ، ومن يخبر عن الحادثة ، ومن يجمع أمتعتهم لصيانتها ومنعا لضياعها ... إلى غير ذلك من المواقف الإنسانية المنصوص عليها في ديننا الحنيف إلا أن هذه المواقف النبيلة بدأت تضيع منا شيئا فشيئا، وحلت محلها سلوكات مشينة تعكس مدى شيوع العقلية الانتهازية لدى كثير من الناس العاديين الذين يستبيحون النهب والسلب أثناء وقوع الحوادث أو الكوارث في غياب وازع ديني يحكمهم .
ولقد تكررت مثل هذه السلوكات المشينة سواء عند وقوع حرائق في الأسواق أو عند وقوع حوادث سير عند انقلاب الشاحنات المحملة بالسلع أو انحراف القطارات عن سككها أو حتى عند وقوع حوادث سيارات عادية ، ذلك أن يعض الناس من مختلف الأعمار ومن مختلف الشرائح الاجتماعية يستغلون تلك الحوادث لممارسة النهب والسلب بجشع دون وازع ديني ، ويبدو منظرهم وهم كذلك مثيرا للاستغراب خصوصا أولئك الذين توحي هيئاتهم إما بالتدين أو بحسن الحال، ومع ذلك يخوضون في النهب والسلب خوض اللصوص المحترفين ضاربين عرض الحائط مروءتهم ، ووقارهم ،وكرامتهم ، وسمعتهم ،وتدينهم ...
ومن تلك الحوادث اندلاع حريق سوق من الأسواق عندنا بمدينة وجدة مباشرة بعد صلاة التراويح ، فشوهد بعض المنصرفين من تلك الصلاة وقد كانوا قبل قليل فيها خاشعين ضارعين يرجون مغفرة ربهم وهم يسطون وينهبون مع الناهبين سلع تلك السوق قبل أن تلتهمها النيران ،وكأن ذلك يبيح لهم غلولها دون التفكير في الكارثة التي حلت بتجارها البؤساء ولا في مشاعرهم ونفوسهم المنكسرة . ولقد كان من المفروض أن يتوجه هؤلاء إلى مساعدتهم بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحريق وجمعه وصيانته ليتعرف عليه أصحابه ويستردونه عوض أن يصير غلولا مستباحا .
ومثل ذلك يحدث خلال حوادث خروج القطارات عن سككها وانقلاب عرباتها حيث يحل السلب والنهب محل انقاذ الضحايا وصيانة أمتعتهم ، ويتحول من لم يكن من قبل لصا إلى محترف للصوصية وقد سولت له نفسه استباحة ما ليس له بحق وفي ظرف حوادث أو كوارث مؤلمة ومؤسفة . ولقد شوهد في حادثة من تلك الحوادث سكان حي مجاور لمكان وقوعها يهرعون ليس للإنقاذ بل للسلب والنهب ،ولسان حالهم قول الشاعر المتنبي :
وقد صار هذا القول عندهم عقيدة وشريعة في غياب الوازع الديني الذي يمنع أن تكون مصائب البعض فوائد آخرين .
ومن تلك الحوادث انقلاب الشاحنات المحملة بالسلع مما يؤكل ،فترى الناس يتهافتون تهافت الفراش على النار، ويلتهمون في عين المكان ما يلتهمون ، ويجمعون ما وسعهم جمعه وهم يتنافسون في ذلك تنافسا شديدا، وقد ينشب بينهم العراك بسبب ذلك .
وأحيانا قد تنطوي المخاطر خلال وقوع بعض تلك الحوادث حين تكون المواد المحملة في الشاحنات أو الحاويات قابلة للاحتراق أو الانفجار من قبيل الوقود السائل ، فيتهافت الناس على سرقته وفجأة يقع انفجار أو يشب حريق فيهلكهم عن آخرهم ، ومثل هذا المشهد وقع في إحدى دول أمريكا اللاتينية مؤخرا، وقد تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع .
وآخر تلك الحوادث ما وقع عندنا من سطو في إحدى أسواق بيع الأضاحي حيث أقدم بعض الناس المحترف منهم في اللصوصية ، وغير المحترف على السطو على الخراف وقد صورت الهواتف المحمولة الحاضرة ساعتئذ ذلك تصويرا عكس مع شديد الأسف والحسرة مدى غياب الوازع الديني عند من أقدموا على ذلك عشية حلول عيد الأضحى والناس صيام بمناسبة يوم عرفة ، والأضاحي المسطو عليها نسك وعبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل ـ يا حسرتاه ـ ومع ذلك لم تمنع لا قدسية يوم عرفة ولا قدسية عيد الأضحى ، ولا قدسية التقرب إلى الله عز وجل بالأضاحي هؤلاء الناهبين من النهب والسلب، وكانوا من الجنسين ومن مختلف الأعمار ، وقد نشب بينهم العراك بسبب غلول محرم شرعا، و بذلك قد أفرغت مناسبة دينية عظيمة من دلالتها حيث صار هم المتهافتين على السرقة والغلول الحصول على لحوم محرمة شرعا إذا استقر شيء منها في بطونهم لم تقبل منهم عبادة ، وهي قطع من نار ستغلي في بطونهم غلي الحميم .
إن انتشار ظاهرة السطو على الأمتعة والسلع عند وقوع الحوادث والكوارث أو غير ذلك أمر محزن ومؤسف للغاية ، وهو مؤشر على غياب الوازع الديني في مجتمعنا ، وهو غياب ينذر بالويل والثبور وعواقب الأمور إذا لم تتدارك الأمة أمرها ،وتصحح مسار تدينها ،وإنها إن لم تبادر اليوم بذلك ، فإنها ستندم عما قريب ولات حين مندم .
وسوم: العدد 888