في الذكرى السابعة لــ "رابعة " الصمود والأمل ومشعل الحرية
13 أغسطس 2020
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ" (إبراهيم -42).
في مثل هذا اليوم، وفي صبيحة الأربعاء، السابع من شوال 1434هـ، الرابع عشر من شهر أغسطس عام 2013 م، استيقظ الشعب المصري، والعالم أجمع، على أبشع مجزرة في تاريخ مصر الحديث، دبرها بليل ونفّذها الانقلابيون العسكر ضد أكبر اعتصام سلمي وأكثرها تحضراً في ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر"، حيث اقتحمت المدرعات والمجنزرات الميدان، واعتلى القناصة أسطح المنازل وحلّقت الطائرات الحربية في سماء الميدان، فقتلوا وجرحوا الآلاف بدم بارد، وأحرقوا خيام الاعتصام بمن فيها، وبعد احتراق الجثث أزالوها بالجرافات، وألقوا بها في مقابر جماعية غير معلومة، لإخفاء معالم جريمتهم النكراء، وهو ما تابعه العالم على شاشات التلفزة، ووصفته منظمة "هيومن رايتس ووتش " بأنها أحد أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين فى يوم واحد فى تاريخ العالم الحديث ".
ومنذ ذلك اليوم أصبحت رابعة رمزاً للحرية والعزة والكرامة، وملهمة للأحرار ورافضي الظلم والطغيان في ربوع الدنيا، وأصبحت منارة هادية لهذا الجيل ولكل الأجيال القادمة. إنها ليست تاريخاً وجغرافيا -فقط- وإنما أصبحت أيقونة للأحرار ...كل الأحرار في العصر الحديث، وعلي طريقها يرتقي الشهداء الأبرار شهيدا تلو شهيد وكان آخرهم الدكتور عصام العريان الذي لقي ربه أمس الخميس شهيدا - بإذن الله - داخل سجون الانقلاب في ظروف وحشية يندي لها جبين الإنسانية.
واليوم.. وقد بات جلياً لكل ذي قلب حي وعقل واع خطر هؤلاء الانقلابيين على حاضر مصر ومستقبلها، بل وعلى حاضر الإسلام ومستقبله .. فقد انكشفت عمالتهم لأعداء الدين والأمة، وخيانتهم للوطن، وتفريطهم في أمنه وحدوده ومياهه وترابه وثرواته، وذلك في إطار حلف إقليمي متصهين يحرس مصالح وأمن الكيان الصهيوني ، ويفتح الطريق علي مصراعيه لجر دول عربية وإسلامية إلي مستنقع التطبيع مع هذا الكيان المحتل ، وما الإعلان أمس الخميس عن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الصهاينة ودولة الإمارات العربية منا ببعيد .
وقد تأكدت قسوة قلوب هؤلاء الانقلابيين على الشعب المصري، بكل طوائفه، حيث يتم سحقه بكل الوسائل، من تهجير قسري، وغلاء فاحش في الأسعار، وضرائب باهظة، ورشوة ومحسوبية ، وفساد يزكم الأنوف، وفي الوقت نفسه انكشفت أكاذيب وعودهم للشعب المصري، وسط حملات قمع وقهر تشيب لهولها الرؤوس، ولم يعد هناك سبيل للخلاص من تلك الطغمة المجرمة إلا أن ينتفض أحرار الشعب المصري على قلب رجل واحد لاقتلاع جذورها، وتخليص البلاد من شرورها.
وفي هذه الذكرى التي لن ينساها التاريخ، يجدد الإخوان المسلمون ومعهم كل الأحرار تأكيدهم على ما يلي:
أولاً : إن دماء آلاف الشهداء والجرحى الذين سقطوا في تلك المجزرة لن تذهب هدراً، وإن القصاص العادل حق لها لا يمكن التفريط فيه أو المساومة عليه "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة - 179)، وهو علاوة على أنه مسئولية المجتمع، فهو حق خالص لأولياء الدم، ولا يحق لأحد التنازل عنه. وإن إيماننا الكامل بوجود الله - ومعنا كل الأحرار- يملأ قلوبنا يقيناً بعدله في الظالمين.
ثانياً: إن استكمال مسيرة التحرر الوطني التي مهّد الشهداء طريقها بدمائهم الزكية، وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد محمد مرسي" أيقونه الحرية"، أمانة في عنق كل وطني غيور وكل محب للعدل والحرية، فالحرية عمل، والحرية بذل من أجل فكرة هادفة وغاية نبيلة، وكلنا راحلون والوطن سيبقى ..فليبق عزيزاً.
ثالثاً : نعاهد الشعب المصري الأصيل على استمرار العمل الدؤوب ومعنا كل الأحرار - دون كلل - لدى كل المنظمات والمؤسسات الحقوقية والقانونية الدولية لفتح التحقيق العادل في تلك المجزرة ، وهو ما نطالب به عبر كل السبل منذ سبع سنوات، ولن نتوقف عن هذا المسعى مهما طال الزمن، ومهما كان التواطؤ الإقليمي و الدولي مع المنقلبين، فهذه الجريمة الشنيعة لن تسقط بالتقادم ولن يفلت مرتكبوها وكل من شارك فيها من الحساب .
وإننا نؤمن أن الاستبداد إلى زوال وأن يد القدرة الإلهية تتدخل بعد الأخذ بالأسباب دون يأس أو وهن، كما أننا على ثقة في وعد الله بنصره لأهل الحق، ووعيده للمجرمين القتلة بالقصاص العادل : " فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ " ( إبراهيم 47).
رابعاً: استمرار مطالباتنا للأمم المتحدة للقيام بواجبها في ملاحقة مرتكبي هذه الجريمة التي ترقى إلى الإبادة الجماعية.
وفي هذه المناسبة التاريخيةً تعيد الجماعة التأكيد على دعوتها الدائمة لأبناء الشعب المصري الأصيل بكل قواه الوطنية - على قدم المساواة - العمل الجاد
و الاصطفاف الوطني، وفاءً لتضحيات الشهداء والجرحى والمعتقلين، وإعلاءً للمصلحة الوطنية في تحقيق آمال الشعب في إقامة دولة ديمقراطية عادلة يتمتع فيها الجميع بالحرية الكاملة.
تحية إجلال وعرفان لأرواح شهداء "رابعة" و"النهضة" وكل ميادين مصر وشوارعها، منذ ٢٥ يناير ٢٠١١م حتى اليوم. "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ "
(آل عمران 169 )، وتحية خالصة لروح الرئيس الشهيد البطل الدكتور محمد مرسي ولأسرته الصامدة الصابرة.
كما نتوجه بتحية إكبار وإعزاز لأكثر من ستين ألف من الأحرار والحرائر داخل سجون الظلم والطغيان، حيث يواصلون صمودهم ورفضهم للانقلاب الغادر، رغم كل ما يحيق بهم من انتهاكات.
إنهم جميعاً أبطال الحرية، وقادة الفجر الجديد القادم بإذن الله... "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا"(الإسراء: من الآية ٥١)
والله أكبر ولله الحمد
الإخوان المسلمون
الجمعة ٢٤ ذو الحجة ١٤٤١هجرياً؛ الموافق ١٤ أغسطس ٢٠٢٠ميلادياَ
وسوم: العدد 890