قصة نهب النفط العربي عمرها 100عام
الصراع على نفط منطقة الشرق الأوسط له عدة وجوه: تاريخية، أي منذ اكتشاف النفط في نهاية القرن التاسع عشر، وسياسية تؤكد طمع العالم في هذه السلعة الاستراتيجية التي كانت عماد المشروع الصناعي في العالم، واقتصادية بين الشركات النفطية الغربية خصوصا الأخوات السبع: اكسون، موبيل، شيفرون، غلف اويل، تكساكو، بي بي وشيل.
هذا الصراع تحول تدريجيا ليدخل ضمن السياسات الغربية التي تسابقت للسيطرة على منابع النفط، ويمكن اعتبار النفط أحد اسباب استهداف المنطقة من قبل الدول الاستعمارية منذ مطلع القرن العشرين، وما ادى اليه من سقوط الخلافة واقامة الدولة القطرية بديلا للمشروع الأممي المؤسس على الدين او الايديولوجية السياسية. هذا الصراع لم يتوقف على مدى أكثر من قرن، اي منذ اكتشاف النفط في دول المنطقة، وقد اتخذ اشكالا شتى ابتداء بالاستعمار مرورا بالتواجد العسكري بعد مرحلة الاستعمار، ومنع قيام انظمة سياسية عصرية على اساس الارادة الشعبية، واقامة الكيان الإسرائيلي، وصولا للوضع الحالي.
يتميز هذا الوضع بوجود وكلاء محليين أكثر حماسا لضمان مصالح الغربيين من التواجد العسكري المباشر بتكاليفه السياسية والاقتصادية. فمثلا ما دامت هناك أنظمة سياسية مستعدة لشن الحرب على اليمن فلماذا يتعب التحالف الانكلو-أمريكي نفسه في حرب غير مضمونة النتائج؟ وما دامت هذه الانظمة مستعدة لضمان أمن «إسرائيل» والتصدي للجهات المناوئة لها فلماذا لا تستفيد أمريكا من ذلك؟ ومن يمعن النظر في ما يجري في الوقت الحاضر على ارض الواقع في العالم العربي يكتشف وجود مشروع سياسي يهدف لأمرين: الحفاظ على التفوق العسكري النوعي للكيان الإسرائيلي، ومنع قيام وحدة عربية او إسلامية حقيقية توفر قوة ضاغطة على الغربيين الهادفين لاستمرار هيمنتهم على المنطقة.
النفط سلعة استراتيجية لا يمكن أن يستغني العالم عنها، حتى لو استطاع تطوير مصادر أخرى للطاقة. صحيح أن انتشار الجائحة في الوقت الحاضر قلل من بريق النفط نظرا لتراجع معدلات استخدامه في العالم الصناعي، إلا أن الصراع على النفط سيظل عنوانا للاهتمام العالمي بالمنطقة. ولدى الجمهور العربي شعور أن نفطه يتعرض لعمليات نهب منظمة من قبل الشركات الغربية التي ضمنت امتيازات خاصة للتنقيب والانتاج والتصدير. كما يعرف ان التلاعب بأسعار هذه السلعة وسيلة اخرى لتقليل شأنه ومنع تطوير وسائل انتاجه. ويعرف كذلك أن السياسة الغربية تعمل لمنع قيام منظومة عربية مؤسسة على الاستقلال والحرية والديمقراطية لكي تضمن استمرار الهيمنة الغربية في المنطقة. يعرف الجمهور كذلك أن الغرب استطاع ضمان مصالحه من خلال دعمه أنظمة سياسية يتهمهما، نفاقا، بالاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة والطفل، وان الشعوب لا تساوي شيئا في المشروع الغربي القائم على الجشع والنهب. لكن الأكثر إيلاما لهذا الجمهور ما يراه من سلب لهذه السلعة الاستراتيجية بأساليب وقحة خصوصا في السنوات الاخيرة. وهنا ترتفع بعض الصيحات الداعية لحماية النفط العربي من النهب والسلب وإعادة طرح سياسات اقتصادية تهدف لتوجيهه نحو التنمية الحقيقية ودعم سياسات إقليمية مختلفة عما هو سائد الآن. في السابق كانت شركات النفط العملاقة تستأثر بالقطاع النفطي بعد حصولها امتيازات خاصة أوصلتها الى مستوى من النفوذ والهيمنة غير مسبوق. وتكشف وثائق الخارجية البريطانية دور السياسيين الغربيين في تسهيل الهيمنة الاقتصادية الغربية على العالم العربي من خلال الهيمنة على السوق النفطية سواء من خلال برامج التنقيب والانتاج ام على مستوى التسعير والتسويق.
قبل ثلاثين عاما، كانت القوات الغربية بقيادة الولايات المتحدة تستعد لخوض أكبر حرب إقليمية حديثة بدعوى اخراج القوات العراقية من الكويت. ولم تخف القوى الغربية سعيها لضمان تدفق النفط بمعدلات وأسعار تناسب الاقتصادات الغربية. ومنذ ذلك الوقت أصبحت منابع النفط في مرمى القوات الغربية، وشيئا فشيئا اصبحت هذه القوات مرابطة في المنطقة بعناوين شتى. ثم جاءت الحرب الأمريكية على العراق في 2003 لتبدأ مرحلة من النهب المنظم للنفط، وهو امر لم يخفه الاستراتيجيون الغربيون لتبرير تشجيع التدخل الغربي العسكري المباشر.
حدثت الحرب على العراق وكانت النتيجة تعويم النفط العراقي ليصبح مشاعا بين أطراف شتى. فبالإضافة للحكومة المركزية استقل الأكراد في موضوع انتاج النفط وتسويقه بعد أن فتح الأمريكيون الطريق لهم لذلك، ومنعوا الحكومة المركزية من الهيمنة الكاملة على القطاع النفطي.
وبعد تصاعد التوتر الأمني في السنوات العشر اللاحقة، اصبحت المجموعات الإرهابية قادرة على استغلال النفط العراقي وبيعه خصوصا في الشمال. يضاف الى ذلك وضع بعض المجموعات المسلحة الداخلية يدها على بعض منابع النفط وتهريب كميات كبيرة منه للخارج للحصول على عائدات مالية كبرى.
في البدء كانت داعش تسرق النفط وتبيعه بطرقها الخاصة، وبعد تحرر محافظة نينوى وعاصمتها المحلية «الموصل» من سيطرة داعش استمرت سرقة النفط الخام عبر شبكات تهريب عديدة، واستمر الامر حتى الآن. لقد أصبح بعض نفط العراق منهوبا بشكل منظم ولم تستطع الحكومة المركزية منع ذلك بسبب الوجود الأمريكي العسكري الذي يوفر الغطاء لسراق النفط.
ولم يسلم نفط ليبيا من النهب، خصوصا أن أغلب منابعه تقع في المناطق التي يسيطر عليها خليفة حفتر المدعوم من قبل الإمارات ومصر. كما أن المجموعات المسلحة تسيطر على بعض الانتاج وتبيعه بطرقها الملتوية. بينما تعرضت موانئ ليبيا مرارا للتوقف عن تصدير النفط، الأمر الذي انعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية المحلية. وقد ساهم الصراع بين جماعة حفتر وحكومة فائز السراج في طرابلس في استيلاء مجموعات مسلحة على منابع نفطية. وبرغم جهود بعض القبائل الا انه لم يمكن منع تهريب النفط والمنتجات النفطية إلى تونس ومالطا.
والجدير بالذكر أن الامم المتحدة اصدرت سابقا قرارا بحصر حق تصدير النفط الليبي بالمؤسسة الوطنية للنفط، وأن أي محاولات لتصديره عبر قنوات أخرى ستخضع لعقوبات دولية، وحتى لمنع تصديره بصورة تامة. مع ذلك تستهدف الجهود العسكرية التي يقوم بها خليفة حفتر السيطرة على حقل الشرارة، الذي هو الأكبر في ليبيا، لحرمان الحكومة الوطنية في طرابلس من مصدر دخلها الرئيسي.
الأمر المؤكد ان سرقة نفط البلدان لا ينحصر بالمجموعات الإرهابية، بل أن هناك اتهامات بأن السعودية تسعى لوضع يدها على نفط اليمن الذي يتمتع باحتياطيات كبيرة من النفط والغاز لا سيما في الجوف ومأرب وشبوة وحضرموت. وقد كشف مسؤولون في شركة النفط والغاز المملوكة للدولة في اليمن، والمعروفة عالمياً باسم «صافر» وكذلك أعضاء حكومة هادي أن هنالك «مفاوضات» تجري بالفعل بين المملكة وحلفائها من المسؤولين في وزارة النفط اليمنية وشركة صافر للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يمنح السيطرة على جزء كبير من احتياطي اليمن من النفط والغاز إلى السعودية لعقود قادمة. وقد حضر مفاوضون من شركة النفط الفرنسية توتال بعض الاجتماعات التي عقدت في مأرب والمهرة والعاصمة السعودية الرياض. وتسعى السعودية للسيطرة على معظم احتياطي النفط في البلد وخاصة فيما أطلق عليه بعض المسؤولين «مثلث النفط» وهو منطقة تقع بين محافظتي الجوف ومأرب. ونشر مؤخرا مقطع فيديو يتحدث عن وجود وثيقة اتفاق نفطي بين السعودية واليمن، برغم اعتراض حكومة صنعاء على ذلك. ولم يكن سرا أن الطمع في النفط كان من بين أسباب الحرب التي يشنها التحالف السعودي ـ الإماراتي على ذلك البلد منذ اكثر من خمسة اعوام.
كاتب بحريني