وزارة التربية الوطنية مقبلة على مغامرة وخيمة العواقب في حال انطلاق الدراسة الحضورية
وزارة التربية الوطنية مقبلة على مغامرة وخيمة العواقب في حال انطلاق الدراسة الحضورية مع ارتفاع وتيرة الإصابات بالوباء بشكل غير مسبوق
عجيب أمر هذه الوزارة ذلك أنها في بداية الجائحة وعدد الإصابات لم يكن داعيا للقلق كما هو اليوم، سارعت إلى إيقاف الدراسة وإغلاق أبواب المؤسسات التربوية في كل ربوع الوطن ، واعتمدت ما سمته الدراسة عن بعد وقاية للناشئة المتعلمة من خطر الوباء ، وفي نفس الوقت تعويضا لتعطيل الدراسة الحضورية ، واليوم وبعد استفحال الوباء ووقوع الإصابات بالآلاف، أقدمت على قرار لا يمكن إلا أن يوصف بالمغامرة الوخيمة العواقب وقد جعلت أولياء أمور المتعلمين في حيرة من أمرهم أيرسلون فلذات أكبادهم إلى المؤسسات للدراسة حضوريا أم يختارون لهم الدراسة عن بعد ؟
ودون الرجوع إلى قرار المسؤولين عن قطاع الصحة لأنهم وحدهم من يبث في انطلاق الدراسة الحضورية أو تعطيلها، ذلك أن المجلس العلمي الأعلى قبل أن يصدر فتواه في إغلاق المساجد اعتمد رأيهم وعليه أسس فتواه ، فكيف بوزير التربية يستنكف عن اعتماد رأيهم والوضع الصحي في ترد مستمر ؟
إن الدراسة الحضورية تتطلب إمكانيات وشروط لا يمكن أن تتوفر في كل مؤسسسات الوطن عامها وخاصها . فأول ما تتطلبه هو ضرورة إجراء فحوص الخلو من فيروس الوباء على كل المتعلمين قبل التحاقهم بالمؤسسات التي يجب أن تعقم يوميا كل مرافقها من أقسام، وساحات ،ومراحيض، ومكاتب، وأدوات فضلا عن توفير الفصول الدراسية اللازمة بسبب اعتماد التباعد وهو أمر مستحيل إذا ما اختار جميع أولياء الأمور الدراسة الحضورية لأبنائهم .
والدراسة الحضورية بالنسبة لشريحة عريضة من المتعلمين تتوقف على فتح الداخليات وما يسمى بالمدارس الجماعاتية ،وهذه أمرها أدهى من أمر المؤسسات التربوية علما بأن رواد هذه الداخليات جلهم من أبناء البوادي، فهل أخذت عودة هؤلاء إلى الدراسة الحضورية بعين الاعتبار ؟
والدراسة الحضورية المتزامنة مع الدراسة عن بعد شبه مستحيلة بالنسبة للمدرسين لأنهم لا يمكنهم التوفيق بين الصيغتين فضلا عن انعدام أو قلة الوسائل التي تتطلبها الدراسة عن بعد، ذلك أن أول مشكل تواجهه هو ضعف الصبيب الكفيل بالتواصل رقميا بشكل يضمن سير الدراسة عن بعد سيرا عاديا .
وإلقاء الوزارة الكرة في مربع شباك الآباء إن صح التعبير أدخلهم في حيرة لا مخرج لهم منها ،ذلك أنهم بين خوفين : خوف من إصابة أبنائهم بالوباء في حال الدراسة الحضورية ، وخوف من تاخرهم الدراسي في حال الدراسة عن بعد .
وإذا ما اختار أولياء الأمور إحدى الصيغتين ، فسيفعلون ذلك مضطرين لأن الذين لا يمكنهم مصاحبة أبنائهم في الدراسة عن بعد بسبب غيابهم في شغلهم أو وظائفهم سيختارون لهم الدراسة الحضورية اضطرارا ، كما أن الذين يخشون على أبنائهم من الإصابة بالوباء ونقله إلى البيوت سيختارون لهم الدراسة عن بعد وهم مضطرون أيضا .
ومع هذه الوضعية المحرجة لأولياء الأمور، يعتقد وزير التربية أنه قد أدى واجبه على الوجه الأكمل ، وأن مسؤوليته انتهت باقتراح صيغتين للدراسة واحدة تعرض الناشئة المتعلمة لخطر الوباء ، والثانية تعرض مستوياتهم الدراسية للتدني بسبب انعدام أو قلة ما تتطلبه من إمكانيات ، وهو مع ذلك يعتقد أنه يستحق منصب الوزارة وقد عبر عن فشله في تدبير شأن الدراسة في ظرف الوباء.
ويجدر والحال الوبائية على ما هي عليه أن يعدل الوزير فورا عن قراره بانطلاق الدراسة وتأخيرها على الأقل خلال شهري شتنبر وأكتوبر حتى تتبين وتيرة الجائحة مع انطلاق الدراسة عن بعد خلال هذين الشهرين لأن النصف الأول من شهر شتنبر يخصص لما يسمى بأنشطة تقويم المكتسبات كما تنص على ذلك مذكرة وزارية ، وهي أنشطة لا بأس أن تكون عن بعد .
وإذا ما زادت وتيرة الوباء في الانتشار لا قدر الله، فإن الدراسة الحضورية ستكون مستحيلة، ويجب حينئذ الاعتماد كليا على صيغة الدراسة عن بعد شريطة توفير الإمكانيات وتطوير طريقة هذه الدراسة لتكون مجدية وفعالة ،مع أنها لن تحقق ما تحققه الدراسة الحضورية من نتائج .
ومعلوم أن الدراسة عن بعد بالنسبة لمؤسسات التعليم الخصوصي ستعيد من جديد الجدل أو الخلاف الذي نشأ بين أولياء الأمور وأرباب تلك المؤسسات بخصوص أداء واجب الدراسة، ذلك أن الأولياء يرون أن أداء هذا الواجب كاملا في حال الدراسة عن بعد غبن، ولذلك طالبوا بتخفيضه وهو ما لم يقبله أرباب تلك المؤسسات ،لهذا نجدهم مع حلول الموسم الدراسي الجديد يميلون إلى اعتماد صيغة الدراسة الحضورية حرصا على مصالحهم قبل مصلحة الناشئة المتعلمة دون وضع في الاعتبار ما يمكن أن يحصل إذا ما انتشر الوباء لا قدر الله في مؤسساتهم التي ستواجه الإغلاق، وربما تلا ذلك متابعات من طرف أولياء الأمور واتهامات بالتقصير .
وأخيرا نرجو من أولياء الأمور أن يقدموا ما يجب تقديمه من مصالح فلذات أكبادهم بدءا بالضروري منها والملح قبل غيرها، وألا يجعلوا مصالحهم الشخصية المادية أو غير المادية فوق مصالح أبنائهم . وعلى مؤسسات التعليم الخصوصي تحديدا ألا تجعل مصالحها المادية فوق مصلحة المتعلمين وتعرضهم لخطر الوباء .
ويجب ألا ينسى الجميع أن المؤسسات التربوية وهي الآن خالية من الوباء في غياب استعمالها ستكون خلال الدراسة الحضورية معرضة له وقد ينقل إليها من عدة بؤر أسرية تماما كما كان عليه الحال من قبل بالنسبة للعدوى الزكام المألوف سنويا حيث ينتقل من البيوت إليها ويزداد انتشارا في البيوت منها .
ولقد أعذر من أنذر .
وسوم: العدد 892