أنس وأصالة وبرج خليفة والجرح السوري
ضجت وسائل التواصل الإجتماعي بفيديو بثه الثنائي اليوتيوبير الشهير أنس وأصالة يتناول ومن برج خليفة الإعلان عن جنس مولودهم القادم والذي ما يزال يرقد في رحم والدته. وما بين معارض بشدة للفيديو خصوصا وأن والد أنس هو د. هشام مروة النائب السابق لرئيس الإئتلاف المعارض، رابطا التكلفة الباهظة للإعلان غير المسبوق بفساد تتهم فيه المعارضة، وبين من يرى الأمر حرية شخصية ونجاح وإبداع من الثنائي أنس وأصالة. من المؤكد أن هذا الجدال الساخن وبغض النظر عن محتواه يدخل البهجة والسرور على قلبي ثنائي اليوتيوبر ويزيد من متابعيهم وشهرتهم وعدد مشاهدات الفيديو وهو هدف الحفلة الرئيسي وغايتها ومرادها.
ليس من الإنصاف مهاجمة هشام مروة فقط من أجل تصرفات أبنه، فسيدنا نوح عليه السلام عانى من عقوق أبنه ونشوز زوجته، كما أن عم الرسول صلى الله عليه وسلم ابو لهب كان من أشد أعداء الرسول ودعوته وأصحابه. كما إنه من غير المنطقي ولا العقلاني ربط المبلغ الباهظ والتكاليف العالية بفساد المعارضة المالي المزعوم من غير دليلة ولا بينة، فمشاهير اليوتيوبر بشكل عام يحققون اموالا باهظة وارباحا خيالية خصوصا إذا كانت اعداد متابعيهم يتجاوز سبع ملايين متابع كما في هذه الحالة.
وبما أن تصرفات وإنتاجات المشاهير تؤثر على حياة الناس خصوصا الناشئة والمراهقين، فمن حق الآخرين بل من واجبهم تقويمها وتبين مخاطرها ومثالبها، مع التذكير بما حصل في الكويت مع مشاهير التواصل الإجتماعي والمتورطين بجرائم غسل الأموال. أنس وأصالة شابان مسلمان عربيان من سوريا ويعيشان في كندا، وعلى الأغلب أنهما في كندا بسبب جرائم النظام والتي خلفت ملايين المهجرين السوريين وملايين تأثرت حياتهم بشكل قاس مع أعداد كبيرة من الأيتام والأرامل والجرحى والمعتقلين والمعوقين. الثنائي الشهير لا يتطرق في قناته أبدا للقضية السورية حتى في بعدها الإنساني ولم يقوما مثلا بزيارة مخيم للاجئين كما فعلت الممثلة الشهيرة انجلينا جولي، ولم يتبرعا لمساعدة المكلومين السوريين كما فعل الاعب الالماني التركي مسعود أوزيل. باختصار لم يتفاعلا مع قضية بلادهم الإنسانية بأية طريقة ولو بدعوة الآخرين لفعل ذلك ليستثمروا شهرتهم في قضايا نبيلة، وليس فقط في جمع المال والحصول على الشهرة وحصد المزيد من المتابعين.
المناسبة الباذخة والترف البالغ لحفلة إعلان الجنين تزامن مع تطبيع إماراتي محموم ومهين ومتهافت مع الاحتلال الصهيوني، وبالتالي وظفت شهرة ثنائي اليوتوبير في حملة تبيض صفحة الإمارات السياسية والأخلاقية والملوثة بشدة بكل شرور التطبيع والنيل من ثوابت الأمة والتآمر على دينها ومقدساتها وعلى شعوبها وحرياتهم. ولعل النموذج الإماراتي في صناعة دولة تجارية دولية الأبعاد توظف كل شيء لصالح المال والشهرة من دعارة سياسية وأخلاقية على حساب الهوية والمبادئ والقيم يكاد يتطابق مع نموذج معين من اليوتيوبر والذي يمكن اسقاطه على الثنائي بشكل واضح. فاليوتيوبر يبحثان عن الشهرة والمال بأية طريقة وإن كان على حساب حياتهم الخاصة وحياة طفلتهم وبشكل مبتذل أحيانا ويقومان بتقليد مشاهير التواصل الإجتماعي الغربي بشكل يذكرنا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بموضوع حجر الضب. وبالبرغم من أن الثنائي أنس وأصالة من بيئة عربية مسلمة محافظة فهما يقومان بتقليد النموذج الغربي بالعناق والمبالغة في إظهار مشاعر الإثارة والاحاديث الخاصة والتي تتجاوز الأعراف الإجتماعية أحيانا ويبدوان مستعدان لفعل أي شيء في سبيل مزيد من الشهرة والمال.
وإذا كنت لا ارى من الإنصاف تحميل هشام مروة وزر ما يفعله أبنه من تمييع للقيم وسحق للمشاعر الإنسانية النبيلة في قناته على اليوتيوب لصالح الغرائز والنموذج الغربي الهابط وانعدام الارتباط الإنساني والأخلاقي بقضية وطنه واهله وشعبه، فإن المطلوب من الأب التبرؤ مما يفعل أبنه وإعلان موقفه الأخلاقي والفكري والإنساني من مسلك يؤثر سلبا على الناشئة ويسير في منهج قنوات الانحطاط الأخلاقي باشاعة الفاحشة والرذيلة والمياعة في مجتمعاتنا (مثل mbc) والتي أحتفت بالثنائي من خلال استضافتهم في احد برامجها الرئيسية.
وإذا كان البعض قد انتقد هشام مروة بشدة بناء على تصرفات أبنه، ومع تقديري لجميع الاراء فإن المواقف السياسية للرجل هي الأجدر بالتقييم دون إغفال موقفه من تصرفات أبنه. في 17 أغسطس الماضي نشرت عكاظ السعودية عنوانا: " هشام مروة لـ عكاظ: المعارضة السورية ترفض التدخل في ليبيا"، العنوان يوحي بأن مروة يقف مع الجانب السعودي والإماراتي ويجير المعارضة السورية لصالحهما بدعم حفتر رغم أن سياق الخبر يقول: " شدد النائب السابق لرئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية الدكتور هشام مروة على رفض المعارضة السورية التدخل في الشأن الليبي، مشيرا إلى أن تورط عناصر سورية في الصراع بليبيا لا يعني موافقة فصائل المعارضة لها". كلام مروة يراد له أن يصب في مصلحة التوجه السعودي وربما يكون الرجل محرجا وهو المقيم في السعودية ومحاولا بتصريحه مجاملة السلطات هناك. غير أن كلامه جاء بعد أيام معدودات من نشر صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا جاء فيه أن محمد بن سلمان في صيف 2015 أعطى الضوء الأخضر السري لتدخل روسيا في سوريا. هذا الموقف السعودي يستوجب من المعارضة الإنسحاب من الرياض أو على الأقل طلب تفسير من الرياض حول التقرير والذي إن صح (لم يتم نفيه) فهو يحمل السعودية مسؤولية مباشرة عن معاناة كبيرة أصابت وما تزال قطاعات عريضة من الشعب السوري المنكوب، لا التصريح كما فعل مروة لعكاظ ولو إحراجا بما يرضي النظام السعودي والذي يستخدم المعارضة السورية أو جزءا منها كأحد أدواته الخارجية كون قياداتها الحالية أو غالبيتها سهلة التدجين طيعة التوجيه.
وسوم: العدد 895