«المنصة» مسلسل في هجاء تركيا… هل وقعت «نتفليكس» ومكسيم خليل في قبضة الإمارات؟
يمتلئ صدر المرء بالاعتزاز فيما يسمع كاتباً تلفزيونياً سورياً شاباً يقول في
إنه يكتب بشروطه هو، لكن الخيبة ستأتي بمقدار ذلك الامتلاء مع مشاهدة أول حلقة يظهر فيها أن الكاتب منصاع أكثر من اللازم.هذا ما حدث إثر مقابلة هوزان عكو، مؤلف مسلسل «المنصة» الذي يقدم على «نتفليكس» فمعه لن تحتاج إلى مجهود كبير لإثبات أن المسلسل أنتج من قبل «إدارة التوجيه السياسي والمعنوي» الإماراتية.
يريد المسلسل، كيفما تلفّتَ، أن يصرخ بحقيقة واحدة، هي أن الإسلاميين شرّ مطلق، من دون أي مراعاة لمنطق الشخصية أو منطق الأحداث. فمنذ اللقطة الأولى سيظهر متشدد، وهو يسلّم طفلَهُ لمتشدد آخر لاغتصابه، ولن يتردد هو نفسه في إرسال ولديه إلى باص المدرسة الذي سيقوم بتفجيره بعد قليل، وإنْ صدَفَ أن مرّ مشهد عزاء ستكون آيات القرآن المرافقة تلك التي تبيح تعدّد الزوجات… وصولاً للحديث صراحة عن «جماعة مموَّلة من دول ترعى الإرهاب».
نقاشي هنا ليس سياسياً، بل هو حديث عن الكتابة الدرامية، وهي تخرج في «المنصة» عن الأصول بشكل فاضح، وتعلن منذ اللحظة الأولى أنها مصمَّمة لتقدم أجندة دولة الإمارات في محاربتها للإسلاميين وتركيا، من دون مواربة أو تلميح، كما تسرّب رؤيتها الخاصة حول الثورات والأحداث التي تهزّ المنطقة.
هذا عن المحتوى، أما بخصوص الشروط الفنية، التي يزعم الكاتب أنها نجت في «المنصة» من أمراض التلفزيون، فلا شك أنه يقع في أمراضه، وكانت لديه الفرصة ألّا يقع، من تطويل وثرثرة بصرية، إلى جانب أخطاء تتعلق بصدقية الأمكنة وعدم مطابقتها للأماكن الحقيقية التي تحيل إليها.
كذلك يريد المسلسل أن يلعب لعبة التشويق، ولا نحسبه يتقن ذلك حقاً، خصوصاً أن جزءاً كبيراً منه يصور مطاردات الكترونية غامضة، ومحاولات تهكير، مرفقة بموسيقى مثيرة، لكن المرجح أن ما يصوّر لن يكون مفهوماً تماماً لعموم المشاهدين. تبدو محاولة غير أصيلة لتقليد أعمال سينمائية أو تلفزيونية أجنبية.
المسلسل التركي
لو أردنا تلخيص وجهة العمل لكانت حلقته الثالثة، التي حملت عنوان «المسلسل التركي» دليلاً كافياً، حيث البطل (يؤديه مكسيم خليل) الباحث عن حقيقة مقتل أمه يسأل الجيران فرداً فرداً إن كانوا قد سمعوا أو لاحظوا شيئاً ساعة مقتلها، سيأتي الجواب واحداً لدى الجميع: «كنّا نشاهد المسلسل التركي». ويا له من مجاز خارق! تركيا هي المسؤولة إذاً عن تهيئة مناخ ملائم للجريمة، ولإخفاء الحقيقة، تماماً مثلما تعني دولة الإمارات في المسلسل أنها هي وحدها «وزارة الحقيقة» فهي من يرعى «المنصة» الصحيفة الالكترونية التي يديرها كرم (مكسيم خليل) والتي تحتضنها أبو ظبي، لكن يجري تصويرها وكأنها مقرّ للاستخبارات الحربية أكثر من أن تكون صحيفة أو مركز دراسات وأبحاث.
ومثلما هو متوقع ومكرر، فمع كل خلاف سياسي مع تركيا ستوجه الدولُ فنانيها وكتّابها لنبش الحقبة العثمانية في البلاد العربية، ودراما النظام السوري سباقة في ذلك. تستعيد الإعلامية شيخة حكاية
تتحدث عن سفينة إيطالية حملت ذلك الاسم «تم إرسالها إلى سوريا ولبنان أثناء المجاعة التي ضربت المنطقة العام 1914 لكن العثمانيين استولوا عليها».وهنا تلقي المذيعة خلاصتها: «اليوم هناك «روزانات» أخرى تنطلق من شواطئ البحر الأسود إلى مناطق الصراع في اليمن وليبيا تحديداً، تحمل في الظاهر مستحضرات تجميل ومواد أخرى، لكنها تحمل سلاحاً ومتفجرات… سقوط هذه الشبكة ما هو إلا البداية».
هذا ما تلاحقه «المنصة» إذاً، المافيا التي تنقل السلاح إلى اليمن وليبيا والصومال (تحديداً إلى «حركة الشباب») ومنظمات (مثل الإخوان وغيرها، كما يرد حرفياً). وتبدو كل الكوارث في المنطقة مسجلة حصرياً باسم تلك الجماعة (وتالياً باسم تركيا، كما يريد المسلسل أن يقول) لا دور لإسرائيل، ولا كذلك لإيران، ولا لأنظمة متوحشة (ومرة أخرى؛ لا أناقش هنا في السياسة، وإنما أحاول أن أثبت أن المسلسل مصنوع في خدمة أجندة سياسية إماراتية، ولا يمنع أن العداء لتركيا يلائم أيضاً مزاج الكاتب الكردي).
تتحدث «المنصة» عن مجرد فساد حكومي. وانظروا إلى البيان السياسي الصادرة عن «وزارة الحقيقة الإماراتية» على لسان المذيعة شيخة: «أحداث تبدو غير مترابطة تملؤها الحروب والأحقاد. مظاهرات في العراق. غزو تركي لشمال سوريا. تهجير للأكراد أصحاب الأرض. اللبنانيون في الشوارع بعد ما فاض بهم الكيل من فساد حكومتهم.. ابحثوا في جذور تلك الجماعة، ستجدون أنها ممولة من دول ترعى الإرهاب.. «إخوان» يغيرون ثيابهم وأقنعتهم، يستخدمون العواطف والشعارات والحكايات وحتى الآيات الكريمة من أجل السلطة والمال والسياسة، هؤلاء التنظيم الجديد الأكثر خطورة».
بالروح بالدم
حروب وفساد وسلاح أسود وتزوير وتهكير، تبدو كلّها موجهة لا إلى شعوب المنطقة برمتها، بل وكأنها تستهدف الإمارات وحدها، التي لم يكفّ المخرج والكاتب عن تصويرها كبلد سمح وطيب: «أرض الخير» و»النخلة الطيبة» القوة والثراء والعمارات الشاهقة المذهلة، التكنولوجيا الرقمية التي بإمكانها أن تفضّ بكارة الحقيقة.. هذا خطاب يقال في كل لحظة، إن لم يكن صراحة في الحوار، فبصرياً في مختلف المشاهد.
وهنا سؤال لبطل العمل الممثل السوري مكسيم خليل، ونعرف جميعاً موقفه الرائع مع ثورة الناس في بلده ضد النظام، هل أنت دارٍ بدورك في المسلسل وبوجهة «المنصة»؟ أم أنك تؤمن بأن الممثل مجرد برغي في ماكينة، وليس صاحب مشروع؟!
وسوم: العدد 895