إلامَ ترمي موسكو وحلفاؤها من التصعيد في إدلب؟
إذا كان يُشار إلى طنجة في النصف الأول من القرن العشرين على أنّها ملتقى الحضارات، فإنّ سورية ستحاكيها في تلاقي المصالح الدولية في النصف الأول من الواحد والعشرين، وعلى وجه الخصوص منها منطقة إدلب الكبرى، التي غدت صندوق بريد برمز دوليّ.
فالنظام على الرغم من تيقنه أنّه لا يستطيع الانتصار في أيّة معركة ينوي خوضها، نراه يدفع بمزيد من التعزيزات العسكرية، في إطار ترويجه لانطلاق جولة جديدة من المعارك في إدلب، بعد فشل الاجتماعات الروسية-التركية التي أجريت في أنقرة، يومي: 15- 16/ 9، بين الوفدين العسكريين: الروسي ـــ التركي، وذلك في محاولة مزدوجة مع حليفه الروسيّ، لحمل تركيا على الاستجابة للمطالب الروسية المفترضة، التي تم تسريبها من الاجتماعات الأخيرة، وفي مقدمتها سحب النقاط التركية الموجودة في مناطق مورك والصرمان والعيس، وعدد آخر من النقاط التي أنشئت لعرقلة تقدم قوات النظام في أثناء العمليات العسكرية أواخر 2019، كنقاط أطراف سراقب، ونقطة معر حطاط على الطريق "إم-5"؛ نافذًا من الكوّة التي فتحت له بواسطة ولي عهد أبو ظبي، عندما تحاشى إدانة تطبيعه مع إسرائيل.
وهو الأمر الذي تتلاقى فيه مصالح إيران أيضًا، التي ترى في خروج تركيا من نقاط طوق حلب، في العيس والراشدين وعندان والشيخ عقيل، فرصةً لتوسع نفوذ مليشياتها بالشكل الذي ترغب فيه، ولاسيّما في ضوء ما تسرَّب عن صفقة بين الروس والأتراك تتضمن انسحاب النقاط التركية من محيط إدلب مقابل دخولها منطقتي تل رفعت شمالي حلب ومنبج شرقها؛ الأمر الذي جعل تلك المليشيات تقوم بتعزيز وجودها العسكري في محيط نبل والزهراء شمالاً تعبيرًا عن رفضها المسبق لأيّة صفقة من هذا النوع تهدد منطقة نفوذها.
يبدو أنّ التصعيد الروسي الذي يسير بشكل تصاعدي، تهدف منه موسكو إلى الاستفادة من انشغال البيت الأبيض بانتخابات الثالث من شهر/ 11، التي يخشى فيها الرئيس ترامب مجيء غريمه بايدن إلى البيت الأبيض، مثلما هي الحال في الاستفادة من حالة التوتر التي يشهدها شرق المتوسط، فأخذ بوتين يغازل ماكرون في التصعيد ضد أردوغان، علّه يكون عاملاً مساعدًا له في تخفيف الضغط عنه عقب حادثة تسميم المعارض (نافالني)، التي وجدت فيها ميركل فرصتها للضغط عليه.
تلك الأمور مجتمعة حملت بوتين على هذا التصعيد غير المبرّر في إدلب، نحو أهداف في مناطق عمقها، مع تنفيذ عمليات برية محدودة، بهدف الاستطلاع بالقوة وزيادة الضغط.
في المقابل فإنّ أنقرة ماتزال ترفض ذلك؛ كونه يخرق اتفاقها مع موسكو في الخامس من آذار، ويجعل من سحبها تلك النقاط إقرارًا لبقاء قوات النظام في المناطق التي تقدّم إليها، وتشكل نسبة (40%) من منطقة خفض التصعيد الرابعة، وطيًّا لملف عودة أكثر من مليون ونصف من المهجرين إلى مناطقهم، التي كان يرابط النظام على حدودها قبل أيار/2019؛ فقامت بتعزيز الخط الدفاعي جنوبي الطريق "إم-4" في جبل الزاوية، بإدخالها المزيد من الأرتال العسكرية التركية خلال الأيام القليلة الماضية إلى منطقة العمليات المهددة بالاجتياح، عقب الشائعات عن قيامها بسحب قسم من سلاحها الثقيل من إدلب.
وذلك ما حمل المراقبين على الذهاب إلى أنّ هذا التصعيد سيكون محدودًا، ولن يتطور في وقت قريب على الأقل إلى مواجهة مفتوحة لأسباب عديدة، من أهمها تصلّب الموقف التركي الرافض حتى الآن لتقديم أيّة تنازلات، فضلاً على ضعف تعزيزات النظام المتجمعة في جبهات إدلب لخوض مواجهة مفتوحة مع الفصائل، لأن العدد الأكبر من المليشيات الروسية (قوات النمر والفيلق الخامس) قد تمّ نقله إلى ليبيا، وبالتالي سيتمّ الاعتماد على الفرق العسكرية النظامية (الفرقة التاسعة والفرقة 11 والفرقة السابعة والحرس الجمهوري)، وهي قوات ذات جاهزية أقل من القوات التي تدربها وتدعمها روسيا بشكل مباشر.
وسوم: العدد 895