من هم أهل البيت؟ (ج2)
تحدثنا في الجزء الأول، عن حقيقتين أساسيتين، تتعلقان بالقرآن الكريم وهما: 1- أنه الأعلى، لا يعلو عليه أي كلام، 2- وأنه لا يحتاج إلى تفسير، لأن الله تعالى أرسله إلى كل البشر، ليفهمه، ويعيه جمعيهم دون استثناء، ثم عرضنا لتفسير أحد المفسرين، الذي أكد بشكل يقيني، وقاطع، وحاسم، أن أهل البيت هم: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن تلحق به ابنته فاطمة، وأسرتها من قبيل القرابة.
والآن نتابع عرض تفسيرات مفسرين آخرين.. لنستجلي الحقيقة الكاملة عن ماهية أهل البيت.
فتح القدير للشوكاني
وهنا نجد الشوكاني يؤكد ما قلناه بأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل بيته مصدقاً لكلام رب العالمين.
"قالُوا: والمُرادُ بِالبَيْتِ بَيْتُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ومَساكِنُ زَوْجاتِهِ لِقَوْلِهِ: ﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ﴾{12}.
وأيْضًا السِّياقُ في الزَّوْجاتِ مِن قَوْلِهِ: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ قُلْ لِأزْواجِكَ﴾{11} إلى قَوْلِهِ: ﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللَّهِ والحِكْمَةِ إنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾"{12}.
ابن كثير
"وَهَذَا نَصٌّ فِي دُخُولِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُنَّ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَسَبَبُ النُّزُولِ دَاخِلٌ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا".
"وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ: عَنْ عِكْرِمة أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي فِي السُّوقِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾{8}، نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً، وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَاب، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾{8} قَالَ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ خاصة.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ".
وهنا نجد أن ابن كثير يفصل فصلاً حاسماً وقاطعاً، بأن القرآن هو الأولى بالاتباع، لأن الأحاديث - وإن صحت - فلا تخلو من مغالطات، وأخطاء، وفي أسانيدها نظر، فنستشف من كلامه، أنه أكثر وعياً، وإدراكاً لطبيعة القرآن، ذي الدلالة القطعية، وطبيعة الأحاديث التي يعتورها الشك، والريب، حتى - وإن صحت - فإن في بعض أسانيدها نظر!
بل نحن نقول: إنه يجب على العلماء الربانيين، الذين يخافون الله تعالى، ويتقونه، ويقدرونه حق قدره، أن ينبذوا جميع هذه الأحاديث المتعلقة بأهل البيت، جملة وتفصيلاً، ويرمونها في البحر لأنها تعارض معارضة واضحة، لقول الله العزيز الحكيم، وما ينبغي لمسلم عاقل، ومؤمن تقي، أن يجعل أي كلام، يعلو فوق كلام رب العالمين، سواء كان كلام نبي، أو كلام مَلَكٍ مقرب.
ويتابع ابن كثير في التفسير..
"وَجَمْعًا أَيْضًا بَيْنَ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِنْ صَحَّتْ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ أَسَانِيدِهَا نَظَرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ مَنْ تَدَبَّر الْقُرْآنَ أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ ﷺ دَاخِلَاتٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾{8}، فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ مَعَهُنَّ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾{11} أَيِ: اعْمَلْنَ بِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَاذْكُرْنَ هَذِهِ النِّعْمَةَ الَّتِي خُصِصْتُنَّ بِهَا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، أَنَّ الْوَحْيَ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِكُنَّ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، وَعَائِشَةُ [الصِّدِّيقَةُ] بِنْتُ الصِّدِّيقِ أَوْلاهُنَّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، وَأَحْظَاهُنَّ بِهَذِهِ الْغَنِيمَةِ، وَأَخَصَّهُنَّ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ الْعَمِيمَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الوحيُ فِي فِرَاشِ امْرَأَةٍ سِوَاهَا، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ".
مقاتل بن سليمان
وهنا نجد في هذا الرجل الذي بالرغم من أنه يميل فكرياً وعقائدياً نحو الشيعة الزيدية، وهو أول من سلك طريق تفسير القرآن في القرن الثاني الهجري، إلا أنه يصدع بالحق بشكل كامل ويخضع وينحني لكلام رب العالمين فيقرر أن أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم هم أهل بيته.
"فذلك قوله «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ»{8} يا أَهْلَ الْبَيْتِ يعني نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- لأنهن في بيته وَيُطَهِّرَكُمْ من الإثم الذي ذكر في هذه الآيات تَطْهِيراً".
قول فصل وصدع بالحق رائع جداً.
الطبري
"إنَ عِكْرِمَةُ كان يُنَادِي فِي السُّوقِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}{8} قَالَ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً".
البسيط للواحدي
وهنا ينقل الواحدي، أقوال الصحابة والتابعين الذين يؤكدون، ويوثقون، أن أهل البيت هم: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بشكل مختصر، ومفيد جداً، ليدحض كذب من يقول خلاف ذلك!
"واختلفوا في المراد بأهل البيت هاهنا، من هم؟ فقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: هذا في نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقال عكرمة: إنما هو في أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة.
وقال مقاتل: يعني بها نساء النبي كلهن؛ لأنهن في بيته.
وقال الكلبي: يعني بذلك نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهؤلاء احتجوا بما تقدم من الخطاب وما تأخر، وهو قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى} الآية.
وكل ذلك خطاب لأزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاصة.
قالوا: وإنما ذكر الخطاب في قوله: عنكم ويطهركم، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر".
وهنا ننقل تفسير بعض المفسرين عن معنى أهل البيت، التي وردت في القرآن بحق إبراهيم عليه السلام، في قوله تعالى: ﴿ قَالُوۤا۟ أَتَعۡجَبِینَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُۥ عَلَیۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِیدࣱ مَّجِیدࣱ ﴾{12} لنربط بينهما، لأنها لم ترد في القرآن إلا مرتين، مرة بحق إبراهيم، ومرة بحق محمد صلى الله عليهما وسلم.
فنجد أنها تؤكد، وتوثق مفهوماً أشمل وأعم، بأن زوجات الأنبياء هن أهل بيوتهم.
البسيط للواحدي
"وقوله تعالى: {أَهْلَ الْبَيْتِ} يعني: بيت إبراهيم، في تفسير {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ}{12} قالوا: وفي هذا دليل على أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته تكذيبًا لمن أنكر ذلك؛ لأن الملائكة خاطبوا سارة بأهل البيت، وسموها أهل بيت إبراهيم".
الزمخشري
"وفي هذا دليل بيّن على أنّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته".
معالم التنزيل للبغوي
"وفيه دليل على أن الأزواج من أهل البيت".
المحرر الوجيز لابن عطية
"وهذه الآية {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}{12} تعطي أن زوجة الرجل من أهل بيته، لأنها خوطبت بهذا، فيقوى القول في زوجات النبي عليه السلام بأنهن من أهل بيته، الذين أذهب الله عنهم الرجس، بخلاف ما تذهب إليه الشيعة، وقد قاله أيضاً بعض أهل العلم، قالوا: «أهل بيته» الذين حرموا الصدقة، والأول أقوى وهو ظاهر جلي من سورة الأحزاب لأنه ناداهن بقوله: {يا نساء النبي} {7} ثم بقوله: { أهل البيت}{8}.
القرطبي
"هذه الآية تعطي أن زوجة الرجل، من أهل البيت. فدل هذا على أن أزواج الأنبياء من أهل البيت. فعائشة رضي الله عنها وغيرها من جملة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ممن قال الله فيهم : " ويطهركم تطهيرا " {8}.
النتيجة الحاسمة والنهائية
نصل إلى النتيجة القاطعة، والثابتة، واليقينية التي لا ريب، ولا شك فيها، وهي: أن أهل البيت هم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اللاتي هن أمهات المؤمنين فقط . ويمكن إلحاق ابنته فاطمة وأسرتها من قبيل القرابة.
وكل من يزعم، ويدعي أن أهل البيت هم: فاطمة وعلي والحسن والحسين، إنما يفتري على الله الكذب - وإن اعتمد على ترليون حديث صحيح – لأنها تعارض، وتصادم كلام رب العالمين!
وكل كلام – مهما كان ومن أي جهة صدر – يعارض كلام الله تعالى يجب نبذه ورميه في البحر. وهذه قاعدة شرعية، علمية متفق عليها من قبل علماء الأمة كلها.
هذا كلام فصل، وليس بالهزل.
لا كلام يعلو فوق كلام الله عز وجل، ولو كان كلام نبي مرسل، أو مَلَكٍ مقرب!
رفعت الأقلام، وجفت الصحف.
المصادر:
7- القمر ٢٢
8- الأحزاب 32
9- الأحزاب 33
10- الرعد 41
11- الأحزاب 28
12- الأحزاب 34
13- هود ٧٣
وسوم: العدد 897