لماذا تقف إيران الشيعية إلى جانب أرمينيا؟
موقف إيران من الصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان المنحاز إلى أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الغالبية الشيعية يثير الكثير من التساؤلات، كون جمهورية الملالي تنصّب نفسها قائدة للمسلمين الشيعة والحامية لهم، وهذا يعكس كذب ادعاءات ملالي إيران، ويؤكد أن تبنيهم للمذهب الشيعي ما هو إلا ستاراً لما تهدف إليه في حقيقة الأمر، وهو إعادة أمجاد الدولة الساسانية الفارسية، وأرجو أن ينتبه شيعة العراق والبلدان العربية والإسلامية الأخرى للخديعة الكبرى التي تتستر بها طهران، لخداع الشيعة وتسخيرهم ليكونوا الحربة التي تستخدمها طهران لذبح المسلمين عرباً كانوا أم عجم سنة أو شيعة!
فمع تزايد نذر تحول الصراع الأذربيجاني الأرميني لحرب، تبدو طهران أقرب لأرمينيا رغم إعلانها رسمياً الحياد، الأمر الذي يثير تساؤلاً هو: لماذا تؤيد إيران أرمينيا ضد أذربيجان الشيعية رغم أن سياسة طهران تقوم على أنها قائدة العالم الشيعي، وما هو سر مثلث علاقات إيران أذربيجان أرمينيا المعقد؟
مع ظهور الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم قره باغ المتنازع عليه بينهما، حاولت إيران مرارًا التوسط بين الطرفين لحل الأزمة، خاصة أن طهران لا تريد خسارة أحد الأطراف، لكن بالتعمق في العلاقات بين الأطراف الثلاثة، نجد أن إيران تميل باتجاه الاصطفاف إلى جانب أرمينيا لعدة اعتبارات، أولها أن أرمينيا شريك اقتصادي مهم بالنسبة لإيران، حيث تحتاج أرمينيا إلى النفط الإيراني، بينما تنافس أذربيجان إيران على بيع النفط، كما أن طهران كانت ترغب حينها في وقف النفوذ التركي الساعي إلى التمدد في منطقة القوقاز.
الجذور التاريخية لدعم إيران لأرمينيا
يستند الدعم الإيراني لأرمينيا إلى جذور تاريخية، فقد تحالفت أذربيجان في بداية استقلالها مع تركيا لترويج مشروع الجامعة الطورانية، الذي كان يُعد نجاحه إزاحة لإيران من المنطقة بشكل كلي، وفي الوقت نفسه، تعتبر إيران بالنسبة لأرمينيا عنصرا داعما مهمًا في ظل محاصرة الأخيرة من الشرق بأذربيجان ومن الغرب بتركيا المعاديتين لها.
علماً أن 97٪ من سكان أذربيجان مسلمون، ومنهم 85٪ من الشيعة، و15٪ من السنة؛ إذ إن جمهورية أذربيجان لديها ثاني أعلى نسبة من الشيعة في أي بلد في العالم.
وأذربيجان دولة علمانية، وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب 2006-2008، ذكر 21٪ فقط من المشاركين من أذربيجان أن الدين جزء مهم من حياتهم اليومية.
ما مصلحة إيران في هذا الصراع ولماذا تدعم أرمينيا؟
على الرغم من ايديولوجيتها المعلنة فيما يتعلق بالتضامن الإسلامي، دعمت إيران أرمينيا في حربها ضد أذربيجان الشيعية منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، لأن طهران تخشى أن تكون أذربيجان المزدهرة مصدرا لجذب سكانها ذوي الأصول العرقية الأذربيجانية، والتي تشكل ثلث البلاد. غالبا ما يشار إلى إيران باسم بلاد فارس لكن الفرس يشكلون أقل من نصف سكان البلاد. وهناك أيضا ما بين 4 إلى 5 مليون من سكان إيران عرب.
وسياسة إيران تجاه النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، يوضح ذلك، فعلى الرغم من خطابها الذي يصدّر فكرة التضامن الإسلامي في سياستها الخارجية، فإن ذلك لا يظهر مع أذربيجان، وقد طردت أرمينيا ما يقرب من مليون مسلم أذربيجاني من منازلهم، دون أن تصدر طهران إي إدانات، واستمرت في التعاون مع أرمينيا.
موقف إيران وتركيا وروسيا والغرب من النزاع الأذربيجاني الأرمني
لفهم المواقف الإيرانية والروسية والتركية والغربية من النزاع الأذربيجاني الأرميني حول إقليم ناغورنو كاراباخ يجب فهم الطبيعة المعقدة لأذربيجان جغرافياً التي أضيف لها عوامل سياسية وأخرى مرتبطة بصراع الطاقة في المنطقة، إذ تعتبر أذربيجان دولة وسطية بين إيران وتركيا وروسيا، جغرافياً وسياسياً وعرقياً وتاريخياً، فأذربيجان كانت مهد الديانة الزرادشتية الديانة القومية للإمبراطوريات الفارسية قبل الإسلام، وكانت إقليماً مهماً على مدار تاريخ هذه الإمبراطوريات، ولكن بعد الإسلام حدث تحول رقي مهم في تاريخ المنطقة، إذ تدفقت القبائل التركية على إيران من أسيا الوسطى حيث أسسوا دولاً مهمة في تاريخ البلاد، أهمها الدولة السلجوقية، التي كان معقلها إيران، وهي الدولة التي أدخلت الوجود التركي للأناضول.
وعلى مدار قرون طويلة في إيران الإسلامية كان الأتراك هم حكام وجنود الدول التي حكمت إيران، كما غيرت هجرة القبائل التركية تركيبة إيران العرقية، وكان هذا أوضح ما يكون في أذربيجان، حيث اختلطت القبائل التركية مع السكان الأصليين، في عملية تتريك تدريجية مشابهة لما حدث في الأناضول، وأصبح الأذربيجانيون إحدى القوميات التركية يتحدثون لغة قريبة للتركية.
ولكن مع تحول الأذربيجانيين إلى شعب تركي، ظلت البلاد جزءاً من الإمبراطوريات الفارسية المتعاقبة، وظل الأذربيجانيون نموذجاً للعلاقة المركبة بين الفرس والأتراك داخل إيران، حيث كان الأتراك يمثلون إما قبائل رعوية محاربة (مثل قبائل القاشقاي) أو نخبة عسكرية تحكم البلاد (الأتراك هم مؤسسو الإمبراطورية الصفوية ومن بعدها الكاجارية والقائد الإيراني الشهير نادر شاه كان من قبيلة تركية).
ومع أن أغلب النخب العسكرية التركية التي حكمت إيران كانت سنية، إلا أن الصفويين أجبروا مجمل الإيرانيين على التحول للمذهب الشيعي بمن فيهم الأذربيجانيون في إطار المنافسة مع العثمانيين (الصفويون أنفسهم كانوا في الأصل قبائل تركية سنية تعيش في شمال إيران في أذربيجان ومناطق مجاورة).
ونتيجة لهذا التاريخ المعقد، فإن الأذربيجانيين الحاليين يمكن وصفهم بأنهم شعب تركي مرتبط بإيران، وكان في أغلب تاريخه جزءاً من الإمبراطوريات الفارسية ولكنهم حافظوا على مساحة كبيرة من الحكم الذاتي، كما أنهم شيعة مثل الإيرانيين.
وفي القرن التاسع عشر استولى الروس على مساحات كبيرة من أذربيجان، ضمن أراض واسعة كانت تابعة للإمبراطورية الكاجارية الإيرانية في القوقاز تشمل أجزاء من جورجيا وأرمينيا.
ولكن ظل هناك جزء كبير من أذربيجان تابع لإيران، حيث يمثل الأذربيجانيون حالياً نحو 16% من سكان إيران (إضافة إلى 2% قوميات تركية أخرى منتشرة في أماكن أخرى من إيران مثل القاشقاي والتركمان).
الأذربيجانيون يبتعدون عن طهران رغم أنهم القومية الثانية بإيران
ومع سنوات طويلة من الحكم السوفييتي الذي أضعف دور الدين في حياة الأذربيجانيين الخاضعين لحكم الشيوعية، ومع صعود الشعور القومي الآذري خاصة في مواجهة روسيا وبالأكثر أرمينيا، فإن المشاعر القومية الأذربيجانية باتت أقرب إلى أولاد عمومتهم في اللغة والقومية الأتراك (تعتبر اللغة الأذرية أقرب لغة من العائلة التركية إلى اللغة التركية الخاصة بتركيا).
بالنسبة لكثير من القوميين في جمهورية أذربيجان المستقلة، فإن إيران لا تختلف كثيراً عن روسيا المحتل السابق أكثر من كونها الشقيق الشيعي الأكبر، باعتبار أن طهران تضم أجزاء من الوطن الأذربيجاني الواسع.
الأذربيجانيون أكبر قومية في إيران
الأذربيجانيون أكبر قومية، في إيران 16% بعد الفرس الذين يمثلون 61% من سكان إيران، وقبل الأكراد الذين يمثلون 10%.
والأذربيجانيون ليسوا مجرد قومية حدودية كبيرة مهمشة كالأكراد أو العرب (2%) أو البلوش (2%)، أو ليسوا قومية تنتمي للمجموعة العرقية الإيرانية ملحقة بالفرس مثل اللور 6%، أو الميزاندرين والجيلاكيين الذين فقدوا لغتهم الشبيهة بالفارسية وأصبحوا يتحدثون الفارسية.
فالأذربيجانيون في التراتبية الإيرانية هم الشعب الثاني بعد الفرس، حيث يحتلون مكانة مهمة في الدولة خاصة في التجارة أو الدين، إذ إن أغلبيتهم من الشيعة عكس الأكراد مثلاً (مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي من أصول أذربيجانية)، والأقاليم الأذربيجانية في إيران من أكثر المناطق تقدماً من الناحية الحضرية والاقتصادية.
لكن هذه المكانة التي يحتلها الأذربيجانيون مشترطة بما يمكن أن نسميه الالتزام برواية الدولة الفارسية الرسمية للأذربيجانيين، باعتبارهم جزءاً من المنظومة الإيرانية وتاريخهم جزء من تاريخ إيران، وباعتبارهم قومية شيعية فارسية الأصول والثقافة مع تهميش البعد التركي في المكون الأذربيجاني والبعد الاستقلالي الذي ينظر لأذربيجان باعتبارها بلداً له تاريخه الذاتي.
فعلى سبيل المثال لا تحظى اللغة الأذربيجانية بوضع اللغة الرسمية في الأقاليم الأذربيجانية الإيرانية رغم أن عدد المتكلمين بها أكثر من المتكلمين بها في أذربيجان.
محاولات الاتحاد السوفييتي فصل أذربيجان الإيرانية عن طهران
ومما يزيد من القلق الإيراني، وجود محاولة للاتحاد السوفييتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لفصل أذربيجان الإيرانية عن طهران، حيث رفض الاتحاد السوفييتي التخلي عن الأراضي الإيرانية التي احتلتها موسكو خلال الحرب العالمية الثانية.
وتحت رعاية سوفييتية، أعلن الإيرانيون الموالون للاتحاد السوفييتي انفصالهم عام 1946 تحت ما يعرف بجمهورية أذربيجان الشعبية. ولكن قادت المفاوضات التي قام بها رئيس الوزراء الإيراني في ذلك الوقت أحمد قوام والضغوط الدبلوماسية على السوفييت من قبل الولايات المتحدة إلى الانسحاب السوفييتي. واعتبرت الأزمة كواحدة من الصراعات المبكرة فيما عرف لاحقاً بالحرب الباردة التي أخذت في النمو منذ ذلك الحين.
وتظهر هذه المرحلة المريرة في التاريخ الإيراني، أن القومية الأذربيجانية المستقلة التي تركز على البعد التركي وتهمش البعد الشيعي كما هو الحال في جمهورية أذربيجان تمثل خطراً كبيراً على وحدة إيران ذاتها.
موقف إيران من الصراع الأذربيجاني الأرميني
لقد كان موقف وسلوك إيران في التعامل مع الصراع الأذربيجاني الأرميني منذ التسعينيات، هو في الوقوف إلى جانب أرمينيا، وحتى لا يسبب لها ذلك الموقف إحراجاً باعتبارها تدعم بلداً مسيحياً ضد بلد مسلم شيعي الأغلبية تعلن عن موقفها الحيادي من الصراع، وفي الوقت ذاته فإن سياسات طهران ترمي دوماً إلى إضعاف أذربيجان حتى لا يؤدي صعود الشعور القومي الأذربيجاني لانعكاسات على الأقاليم الأذربيجانية في إيران.
وزاد الفجوة بين البلدين أنه منذ استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفييتي كان النظام في باكو علمانياً متوجساً من نظام الحكم الديني في إيران، ويجد تركيا العلمانية المنفتحة على الغرب أقرب له وأفضل.
وحتى تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا، فإن طبيعة النظام الجديد في تركيا الجامع بين الإسلام والانفتاح والقومية والقيم الليبرالية كان أقرب لباكو من النظام الإيراني المنغلق.
الاقتصاد يعمق الفجوة بين أذربيجان وإيران
عمّق الاقتصاد الفجوة بين البلدين، باعتبار أن مصالح أذربيجان مع الانفتاح على تركيا والغرب، لأن أنقرة تعتبر المعبر للغاز والنفط الأذربيجاني الذي ينافس مصادر الطاقة الإيرانية.
كما أن إيران بحاجة إلى صداقة أرمينيا لتوفير معبر بديل للنقل إلى روسيا وأوروبا، وأرمينيا بدورها تواجه في الوقت الحالي انسداداً متواصلاً في طرق التجارة من جانب أذربيجان وتركيا، وهي معنية بتأمين ممر آمن وموثوق للتجارة، وتوثيق العلاقة مع إيران في مجال الطاقة، إذ إن أرمينيا تفتقر للنفط والغاز، وتخطط لإغلاق مولدات الطاقة النووية التي تملكها في غضون 10 سنوات، وسيساعد مشروع محطة الطاقة الحرارية والربط مع مراكز الإنتاج الإيرانية في تعزيز أمن أرمينيا الاقتصادي.
ولهذه الأسباب مجتمعة بنت إيران علاقات جيدة مع أرمينيا، وصلت مرحلة الشراكة، على النقيض من العلاقات الإيرانية – الأذربيجانية، التي اتسمت في معظم الأوقات بالتوتر وعدم الاستقرار.
تركيا تؤيد أذربيجان بشكل واضح، فما دوافعها؟
منذ اللحظات الأولى للصراع، كان موقف تركيا واضحاً، وهو تأييد ودعم الأذربيجانيين الذين يُعدُّون أقرب الشعوب لغوياً وعرقياً إلى تركيا.
وبعد التطورات الأخيرة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم بلاده الكامل لأذربيجان.
وطالب رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان المجتمع الدولي، بأن يضمنوا ألا تقحم تركيا نفسها في الصراع بين بلاده وأذربيجان في تبادل للتصريحات اللاذعة مع أنقرة.
أما عن سبب موقف أنقرة من هذا الصراع، فأرجعه المحللون إلى الخلاف التاريخي بين تركيا وأرمينيا وتمسّك الأخيرة بمزاعم الإبادة الأرمينية على يد العثمانيين، ومطالبة أنقرة بالاعتراف بها.
بينما يرجعها البعض إلى العلاقات التاريخية والعرقية بين تركيا وأذربيجان، فالشعب الأذري من العرق التركي ويتفقان في الديانة الإسلامية رغم الاختلاف على المذهب، وكانت تركيا أول دولة اعترفت باستقلال أذربيجان عام 1991.
ويرى آخرون أن أنقرة تسعى للحصول على موطئ قدم في منطقة القوقاز على الحدود الروسية، لتمتلك ورقة ضغط قوية في مفاوضاتها مع روسيا، والحصول على تنازلات من موسكو في الملف السوري والليبي.
موقف روسيا المعلن يختلف عن الواقع
أذربيجان وأرمينيا كانتا جزءاً من الاتحاد السوفييتي، حتى انهياره في مطلع التسعينات، وإعلان باكو استقلالها عام 1991.
وبالرغم من دعوات موسكو للبلدين بوقف إطلاق النار، فإنها تؤيد وتدعم أرمينيا، ويرجع مراقبون ذلك لأن فقدان أرمينيا يعني فقدان موسكو بعض مناطق الاتحاد السوفييتي السابق، التي لا تزال تملك تأثيراً عليها رغم الاستقلال، ما يفقدها تأثيرها في منطقة القوقاز.
كما تعد أرمينيا حليفاً استراتيجياً واقتصادياً هاماً لموسكو، فروسيا تمتلك قاعدة عسكرية في أرمينيا، وتملك نحو 40% من الاستثمارات الأجنبية فيها.
إلا أن مراقبين يرون أن استمرار الصراع يرضي موسكو، التي تبيع السلاح للبلدين المتحاربين بمليارات الدولارات كل عام.
وتاريخياً، كان الأرمن أقرب القوميات المسيحية في المنطقة قرباً للروس خلال توغلهم في القوقاز، ويلاحظ أن هذه العلاقة الحميمية تختلف عن علاقة روسيا المتوترة مع جورجيا.
الحياد الأمريكي بين المصالح والتاريخ
أما الموقف الأمريكي فهو يقول إنه على الحياد ويسعى لحل النزاع بين الدولتين، فبعد التطورات الأخيرة، خرجت واشنطن وأعلنت إدانتها لتصاعد العنف بين أذربيجان وأرمينيا، ودعت الجانبين إلى وقف الأعمال العدائية فوراً، مقدمة تعازيها لأهالي الضحايا المدنيين.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها، إن على الجانبين أن ينهيا العنف "على الفور"، فضلاً عن إنهاء أي خطاب أو إجراءات أخرى يمكن أن تزيد من حدة التوتر.
وأضافت الخارجية: "أي مشاركة في العنف من أطراف خارجية ستكون غير مفيدة أبداً وستعمل فقط على رفع التوترات الإقليمية، ندعو الأطراف للعمل ضمن مجموعة مينسك للعودة إلى محادثات جدية في أقرب وقت ممكن".
كما اتصل مساعد وزير الخارجية الأمريكي، ستيفن بيغان، بالطرفين من أجل "حضّهما على وقف الأعمال العدائية فوراً، واستخدام قنوات التواصل المباشر القائمة لتجنّب مزيد من التصعيد، وتجنّب المواقف والأفعال غير المفيدة"، وفق بيان للخارجية الأمريكية.
وهو نفس موقف الدول الأوروبية الساعية لإنهاء هذا الصراع التاريخي على حدودها، حسب المعلن على الأقل.
ويمكن القول إن الموقف الأمريكي والغربي عامة يتنازعه توجهان: توجه المصلحة الاقتصادية والسياسية التي تجعله يميل لأذربيجان الغنية بالطاقة والمتنافرة مع غريمي الغرب التقليديين روسيا وإيران، وموقف نابع من الخلفية المسيحية الغربية التي تنظر للأرمن خاصة بتعاطف كبير.
فتقليدياً يحظى الأرمن بتعاطف غربي ومسيحي في نزاعاتهم مع محيط من الدول والشعوب الإسلامية (الأتراك، الإيرانيين، الأذربيجانيين)، ولكن أهمية أذربيجان الاستراتيجية زادت بفضل ثروتها النفطية التي تنامت أهميتها بعد استقلالها.
كما أن الدعم الروسي لأرمينيا يمثل إرباكاً للموقف الغربي، فعادة تتخذ أمريكا موقفاً معاكساً للروس، لكن اليوم موسكو تدعم أرمينيا المسيحية التي تحظى بوضع خاص في الحضارة الغربية، كما أن تركيا التي تدعم أذربيجان تمردت على الهيمنة الأمريكية والأوروبية.
وقد يزداد الأمر تعقيداً مع دخول متغير توتر العلاقات الفرنسية التركية، في ظل قيادة فرنسا لسياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية.
إذ بات التنافس بين البلدين ممتداً من ليبيا إلى مالي مروراً بلبنان وسورية، وقد يؤدي ذلك إلى تدخل فرنسي وأوروبي لصالح أرمينيا، خاصة في ضوء تاريخ فرنسا التاريخي في استغلال قضايا الأقليات المسيحية في الشرق، ومحاولاتها خلق ما يمكن تسميته شوفينية أوروبية في مواجهة تركيا والعديد من الدول الإسلامية.
الشكوك الإيرانية في شيعة أذربيجان
الإيرانيون لا ينظرون كذلك إلى المواطنين في جمهورية أذربيجان على أنّهم شيعة موالون لأهل البيت بنفس الطريقة التي ينظرون إليها على سبيل المثال إلى بعض الشيعة الموالين لهم في لبنان والعراق والبحرين، والكويت..الخ، علماً أنّ النفوذ الإيراني في تحريك الهوية الطائفية لدى المواطنين الأذربيجانيين كان قد بدأ يزداد في العقدين الأخيرين.
علاوةً على ذلك، فإنّ تبنّي أذربيجان النموذج العلماني-القومي يضعها في تناقض تام مع النموذج الديني-الطائفي الذي تُقدّمه إيران. ومن هذا المنطلق بالتحديد، فإنّ العنصر "الطائفي" الذي من المفترض توظيفه في القياس القائل إن "إيران لا تدعم شيعة أذربيجان وأنّ هذا دليل على أنّ سياساتها غير طائفية" غير موجود أساساً في المعادلة. فضلاً عن ذلك، ينظر الطرفان إلى بعضهما البعض بتوجّس كبير نظراً لما يمثّلانه من نموذج متناقض: أذربيجان (علمانية-قومية) في مواجهة إيران (دينية-طائفية).
نقطة أخيرة هنا وهي أنّ أذربيجان دولة غنية بالغاز والنفط، وهي من هذه الزاوية أيضاً تزعج روسيا وإيران لأنّها تنقل الغاز إلى تركيا وعبرها إلى أوروبا أيضاً وهذا يقوّض من وضع البلدين. وتقوم أنقرة مؤخراً بتخفيف الاعتماد على صادرات الطاقة من موسكو وطهران لحماية أمن الطاقة لديها وللتخلّص كذلك من عبء الارتهان إلى البلدين والذي يقيّد خياراتها السياسية ونطاق المناورة لديها. وقد برزت أذربيجان العام الماضي كأكبر مصدر للغاز إلى تركيا لتحل محل روسيا وتتقدم على إيران أيضاً ولا شك أنّ الضغط على أذربيجان من بوابة أرمينيا يدخل في حسابات الطاقة أيضاً.
المصدر
*عربي بوست-28/9/2020
*ترك برس-29/9/2020
*النبأ-13/4/2016
*أزتاك العربي-3/8/2017
*الطاقة-22/7/2020
وسوم: العدد 897