ما كان لمصر أن تغير الصورة في فيديو إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات

من المألوف والمفهوم أن تتستر الدول على حقائق هزيمتها وخسائرها في الحرب ، ومتعارف عليه أن الأرقام  التي تبثها الدول عن قتلاها وجرحاها خلال الحرب  في الغالب ليست حقيقية حفاظا على معنويات القوات المحاربة والشعب . وربما يتواصل التستر إلى ما لانهاية . أما في الانتصارات فلا تستر . من يتستر على نجاحه ؟! لا أحد . هذه بديهة سلوكية منطقية . مصر تصرفت منذ أيام خلاف هذه البديهية  حين نشر المتحدث العسكري المصري تامر الرفاعي فيديو للمدمرة الإسرائيلية إيلات التي أغرقتها البحرية المصرية في 21 أكتوبر 1967 ؛ بمناسبة الاختفال باليوم البحري العالمي بالإسكندرية . واضطر المتحدث سريعا إلى حذف العلم الإسرائيلي من صورة المدمرة ، وواضح أن الحذف وقع بعد احتجاج إسرائيلي رسمي ، وعبر عنه الإعلام الإسرائيلي في غضب شديد ، فطالب جاكي خوجي مخلل الشئون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع جانتس بالرد على نشر الفيديو وإلا فإنهما سيكونان مثل الكشاف الذي نام  خلال حراسته  . ولم يأتِ على بال خوجي ما قاله نتنياهو في الذكرى السابعة والأربعين لحرب 1973 من انتصار إسرائيل في تلك الحرب على الأعداء ، وأن الجيش الإسرائيلي كان قادرا على الوصول إلى القاهرة . ولا نتوقع من خوجي العدو أن يأتي على باله كلام رئيس وزرائه المستفز لمصر والعرب . المتوقع والطبيعي كان ألا يغير أحد في مصر  صورة المدمرة إيلات في الفيديو بحذف العلم الإسرائيلي منها لتصبح مدمرة مجهولة . مصر بذلك تتستر على انتصار كبير لبحريتها ولجيشها ولذاتها . لم يكن تدمير إيلات مهمة سهلة بعد أربعة أشهر من انتصار إسرائيل الخاطف في 5 يونيو 1967 ، وفي جو عربدة الجيش الإسرائيلي ، والإلحاح المتصل على معنويات العرب بأنه لا سبيل لقهر هذا الجيش ، وأن العرب لن تهب لهم ريح قبل مائة عام مثلما قال ديان وزير دفاع إسرائيل في ذلك الزمان . وكانت قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على المسارعة لحماية إيلات التي دأبت بعد الحرب على دخول المياه المصرية شمال شرقي بورسعيد ؛ مانعا كبيرا في مهاجمة البحرية المصرية  أو سلاح الجو المصري لها . ومن استفزازات إيلات للقوات المصرية إطلاق نيرانها على الزوارق الحربية المصرية ليلة 11 / 12 يوليو . وأخيرا قررت البحرية المصرية الانتقام منها ، وإنهاء عربدتها ، و "تفسحها "في المياه المصرية مثلما سمى جمال عبد الناصر تلك العربدة . فتحرك زورقان مصريان بقيادة النقيب أحمد شاكر من نوع كومر السوفيتي الصنع ، ويحمل كل زورق صاروخين من نوع ستيكس ، سطح / سطح ، واقتربا منها مسافة 5 أميال بحرية   ، وأطلق أحدهما  صاروخا أصاب  خاصرتها ، فمالت ، وثني بصاروخ آخر  ، فغرقت ، وقتل 47 وجرح 91 من بحارتها الذين كان بينهم متدربون من الكلية البحرية الإسرائيلية يشرح وجودهم عمق الثقة والطمأنينة التي  يشعر بها سلاح البحرية الإسرائيلية تجاه عجز القوات المصرية عن المس بإيلات . وهز تدميرها وإغراقها إسرائيل ، وسمحت لها مصر بانتشال قتلاها وجرحاها ، وسحبها ، فردت جميل مصر بقصف من مدفعبتها المتمركزة شرقي القناة لمصافي النفط في الزيتية بالسويس محدثة خسائر قدرت ب 100 مليون جنيه مصري بقيمتها العالية في  ذلك الزمان . وفي الجانب المصري والعربي ، كان تدمير إيلات عيدا وطنيا وقوميا ، وتخاطف الناس صحف الصباح في المدن المصرية مبتهجين بالنصر المبين الذي شعروا بحجمه الكبير بعد شهور من مرارة الهزيمة الموجعة المذلة . وطلبت إسرائيل من فرنسا الإسراع في تصنيع الاثني عشر زورقا من نوع ساعرالتي تعاقدت على شرائها منها لاستعمالها في استفزازاتها وقتالها البحري دون تعريض المدمرة الثانية " يافا " التي لا تملك سواها إلى مآل إيلات .  

وفي الحرب البحرية ، كان تدمير إيلات نقلة نوعية واسعة تمثل في استخدام الزوارق البحرية في هذه الحرب . وتدمير إيلات منجز كبيرفي تاريخ البحرية المصرية لها أن تفخر به لا أن تخفيه خضوعا لرغبة ونزوة عدو،  يظل عدوا مهما أسرف في الحديث عن السلام بينه وبين العرب . وهو إذ يتحدث عن السلام معهم يقصد استسلامهم لقوته وهيمنته . ودهش ، وله  أن يدهش ، روعي كييس مراسل الشئون االعربية في الإذاعة الإسرائيلية من سرعة تغيير مصر لصورة الفيديو بحذف العلم الإسرائيلي من فوق المدمرة لتبدو مجهولة الهوية . وإسرائيل من ناحيتها لا تتوقف  بين حين وآخر عن كشف منجزات مخابراتها وجيشها ضد العرب ، وأكثرها  جرائم  وحشية لا إنسانية فيها مثل قتل عالم عربي نووي أو قتل سياسي أو حتى كاتب . فلم تبدو مصر كأنها تعتذر لإسرائيل عن نشر تلك الصورة لانتصار بحري مصري مشرف ، لا جريمة فيه ؟! لا حدود لطلبات إسرائيل بوجوب ابتعاد العرب عن كل ما تقدره مسيئا لها مهما صغر وتفُه ؛ في الإعلام وفي المناهج التعليمية وفي الكلام الشفوي وفي الأغاني والأدب حتى نصبح أشباحا لا تلبث أن تختفي في قفار الجغرافيا وظلمات التاريخ لتزدهر هي وتسود  على أنقاضنا . نحن في صراع مصيري  مع عدو مختلف عما عرفه تاريخنا من أعداء مثل التتار والصليبيين وإن تحالف مع أحفاد الصليبيين واستصدر  منهم أكثر عناصر قوته .  

وسوم: العدد 900