إيران وتخريب البناء التربوي في العراق والوطن العربي
وسط صمت لم يعد يثير دهشة أحد من المراقبين، تُمارِسُ طقوسه مرجعية النجف وقم وطهران، تتواصل عمليات مسخ الثقافة الوطنية وزرع بذور الفتنة الطائفية المدمرة للقيم التي نشأ عليها المسلمون "إن لم تكن قد تحولت إلى أشجار مثمرة حتى الآن"، في أوساط أطفال العراق وسوريا ولبنان واليمن، تبدأ بعمليات تلقين ورفع شعارات يومية في الفصول الدراسية، تركز على لعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه المطهرات من الأرجاس بنص قرأني "مهما حاول المحرفون من غلات الشيعة أو كادوا كيدهم، وبذلوا ما في طاقتهم المسمومة، من حرف معانيه لن يتمكنوا من تحويله إلى آخرين غيرهن".
وفي الوقت الذي تتعالى أصوات المعممين الفاسدين من أتباع ولاية الفقيه أو من أتباع السيستاني في العراق وسوريا خاصة في تكريس الطائفية في بيئة الأكثرية السنية في البلدين، وتتعمد نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن تُواجه بردّة فعل من جانب الدول التي تُناصب الإسلام العداء وخاصة في الولايات المتحدة وفرنسا وبقية دول الاتحاد الأوربي، التي لم يعد لها هدف إلا محاربة الإسلام عبر المناهج المدرسية الدينية في الدول العربية والإسلامية، تحت لافتة الحرب على الإرهاب، فمن حقنا أن نتساءل، أليست هذه البرامج الطائفية المقيتة والمقززة للنفوس، برامج دينية تثير ردود فعل مضادة وتؤذي مشاعر الأمة الإسلامية، لمجرد إرضاء أقلية ضئيلة محسوبة على الإسلام وهي ليست منه ولا تمت له بصلة؟
ومما يثير الاستغراب أن هذا كله يحصل في إطار الحرب على الإسلام لاقتلاعه من جذوره واستيلاد دين جديد، إما لخوف من بطش إيران وأدواتها الإرهابية، أو لقناعة مطلقة بأن هذا الدين الموازي هو رأس النفيضة في الحرب على الإسلام وليس الجيوش الغربية.
المثير للفزع والألم والمرارة أن دولاً عربيةً وإسلاميةً، انصاعت بذلٍ لإرادة الدول الغربية في حذف كثير من مناهجها التعليمية الموجهة للصغار، فتركتهم فريسة لتوجيه مضاد وفكر تكفيري حاقد على الإسلام، انصاعت تحت ضغط شعار الحرب على التطرف الديني الإسلامي الذي يخلق الإرهاب، وكأن هذه المناهج هي الدرس الأول في الإرهاب الدولي، وهي تعي جيداً بطلان هذه الفكرة من أساسها.
وهكذا نرى أن الولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة، تسير في اتجاهين متلازمين، الأول تشجيع الممارسات والطقوس التي تنم عن خرافات مثيرة للسخرية والتقزز والاشمئزاز ولا تستند على أي أساس تاريخي أو ديني في مدن أوربا وأمريكا، وتكرّس ثقافة الكراهية وتقيم سدوداً بين المسلمين أنفسهم بمن فيهم من يعيش في مجتمعات تلك الدول وكأنها تسعى لإثارة الفتنة داخل مجتمعاتها بحكم أن لكل فعل رد فعل، كما أنها تغض النظر عن الجرائم التي ترتكبها عصابات مرتبطة بإيران أو بعلي السيستاني في الدول الإسلامية في شبه القارة الهندية وأفريقيا والوطن العربي، ذلك أن التشيّع بثوبه التكفيري تحول إلى حاملة طائرات ثابتة، لمواجهة الإسلام في عقر داره وفي نقطة انطلاقه الأولى أي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وإلا هل يستطيع حكام السعودية أن يقدموا تفسيراً واحداً ومقنعاً عن تساؤلات الخائفين على الإسلام، كيف سمحوا لسلسلة الإجراءات "التحديثية الفارغة من أي مضمون فكري أو ثقافي" والتي كانت بمثابة طعنات إلى مكانة الإسلام في الحجاز؟ وكيف سمحوا لإقامة حفلات الخلاعة والفجور على مقربة من المدينة المنورة؟ أليس هذا جزء من الثمن المطلوب دفعه لتوفير الحماية لنظم لا ثقة لها بنفسها ومن أجل ترضية الصهيونية والمسيحية الصليبية على حساب الإسلام المحمدي الأصيل؟
هذا النحت العقائدي الذي يغرس الحقد المبكر في عقول طرية لم تُدنس بعد بأفكار التكفير والحقد والكراهية، فتتحول مع الوقت إلى سموم متنقلة تنشر البغضاء في المجتمع وتعبر به الحدود بأشخاصها وما تحمله من أمراض وأدران لتنثر فكرها الشعوبي إلى المجتمعات التي تتواجد فيها أقليات شيعية من أجل نشر ولاية الفقيه بين صفوفها كما حصل في اليمن، وبدأت عمليات التبشير ابتداءً من تكفير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه المطهرات من الأرجاس، وبدء طقوس شركية تحمل من الخرافة والخزعبلات ما لاوجود فيه حتى في المجتمعات البدائية التي لم تعرف معنى لأي تطور أو حضارة، وكأنهم ما زالوا يعيشون في العصور الحجرية الأولى.
وما يحصل اليوم في سوريا والعراق واليمن من مسخ للمناهج الدراسية وخاصة لمرحلتي الروضة والابتدائية بهدف نشر التشيّع الولائي، وإدخال مناهج عملية للّعن والتكفير وخاصة في المناطق السنية، من قبل معممين متخصصين في فن غرس الكراهية ويتم إرسالهم من طهران والنجف وقم وكربلاء لزرع الشجرة الخبيثة التي لعنها الله في كتابه الكريم، إنما يريد تكريس فكرة الشتم واللعن في ألسنة أطفال لم يعرفوا شيئا عن أسباب ترديدهم لهذه الهتافات التي يأخذون عنها هدايا مالية وعينية من أساتذة الكراهية، كل هذا يتم من أجل تسهيل ترديدها على الألسنة، ومن ثم قبولها كفكرة ذهنية ومن ثم تصبح تقليدا اجتماعيا وعُرفا يتسلل للعائلة ومن ثم للشارع والمدينة عن طريق الأطفال الذي لا يعرفون معنى ما يقولون ولا مدى التخريب الذي حصل لعقولهم.
ولكن رب سائل يسأل أين علماء الدين عن تلك الجرائم التي تندرج ضمن جرائم ضد الإنسانية، الجواب بسيط جدا وهو أن القمع متعدد الأوجه الذي تمارسه السلطات الداعمة لبرامج التبشير بعقيدة التشيّع، والتهديد بالقتل والتغييب وانتهاك الأعراض، لا يترك هامشا للمتصدين لهذه المهمة! فهم أمام خيارين إما الموت أو الاعتقال مع أساليب من التعذيب المبتكر غير الموروث من تقاليد محاكم التفتيش والمحاكم التي أقامها الصفويون بداية وصولهم لحكم فارس لإخلاء الساحة من المخالفين.
وأخطر ما في هذا البناء العقائدي المنحرف هذا، أنه يبني جيلا مؤمنا بأن الولاء لمركز التشيّع في "طهران، وقم" ليس في جانبه الديني فقط وإنما في ترسيخ ثقافة الولاء السياسي للزعامة الإيرانية أيا كانت أوصافها والقناعة بتمسكها بأهداب الدين أم هي زعامات فاسدة بكل المقاييس الدينية والسياسية من عدمه، ويتقدم هذا الولاء على الولاء الإسلامي دينيا لقبلة المسلمين في مكة المكرمة و"الكعبة المشرفة"، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن المسلم الحقيقي في كل دول العالم لا يوالي المملكة العربية السعودية بل يحصر قناعته في الجانب الديني فقط ولا يتجاوزه لغير حب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام والكعبة المشرفة والمدينة المنورة، ومن هذه النقطة يبدأ الفراق بين الأمة الإسلامية وأتباع الدين الفارسي الجديد.
تتطابق الحركة الصهيونية وهي الوجه السياسي للديانة اليهودية، مع التشيّع الولائي الذي يمثل الاطار السياسي للتشيّع، في أنهما يغرسان فكرتين تبدوان مختلفتين أو متنازعتين، ولكنهما تركزان على غرس اليقين في أذهان أتباعهما أنه من غير المسموح لهم الإيمان بالنزعة الوطنية فلا وطنية في قاموسهما، لأن الوطنية تتصادم مع مبدأ الولاء لمركز المعتقد، ففي إيران ومنذ بدايات النصف الثاني من القرن الماضي، كانت حركات التشيّع السياسي ترتبط بإيران ارتباطا عقليا وقلبيا مع أن النظام الذي كان يحكم هناك كان نظاما علمانيا ويتعامل مع معممي قم بازدراء، وإن كان ينافق لرجال الدين في النجف في ثنائية لا يحسنها إلا الفرس، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، فما تسمى بمرجعية النجف تنتظر إعلان بدايات الشهور العربية وخاصة شهر رمضان المبارك وبداية السنة الهجرية، من قم أو حتى من قصر الشاه نفسه، أما بالنسبة لوقفة عرفة، فإن الخميني أعطى أمرًا للحجاج الإيرانيين "بمشاركة المسلمين في وقفة عرفة، وأن لا تلتزموا بما يحصل في إيران" هذا لأن بلدهم لا يحتفل بعيد الأضحى المبارك إلا بعد يوم من المسلمين.
بل إن تلك الحركات كانت تفكر بمصلحة إيران قبل العراق، ومع وصول خميني إلى الحكم في 1979، أصبح الولاء لإيران مقياسا لإيمان الشيعي بشيعيته وإلا اُعتبر من الخارجين على الدين والمذهب، وقد شهدت معركة القادسية المجيدة انحرافات في غاية الخطورة، نزع خلالها كثيرون قيمهم ومبادءهم وحولوها إلى أحذية خاضوا بها بمستنقعات الرذيلة، فلماذا فعلوا ذلك؟ لأن مؤسسي التشيّع الأولين ربطوا بين صدق الانتماء له وبين التجرد عن أية مشاعر وطنية أو قومية، فكم من معمم يحمل الجنسية العراقية كان يصرح جهارا نهارا، أن الحرب إن وقعت بين العراق وإيران فإنه سيخوضها إلى جانب إيران لأن ذلك تكليف شرعي، فهل سمع أحد منا ردا مما تسمى بالمرجعة ردا رافضا لهذه الأفكار المنحرفة شرعا وقانونا؟ كيف نسمع ونحن نعرف أن المرجعيات في النجف وكربلاء هم من أصول فارسية أو من حملة الجنسية الإيرانية؟ فهل يُعقل أن يحارب فارسي أبناء قومه أو إيراني أبناء بلده؟ ولم يقتصر الأمر على العراق في هذه الظاهرة الفضائحية فقط، بل حصل ذلك في لبنان فمن يستمع لحسن نصر الله يسمع عجبا لا نظير له في كل قواميس السياسة الخانعة لقوى خارجية من أشكال التضحية بلبنان وتدميره وتجويع شعبه لمجرد إشباع إيران.
ومما أغرى أتباع التشيّع الولائي، أنهم مطلقو الحرية في توجيه السباب واللعن إلى عمر بن الخطاب من دون أن يتخلى سُنّي واحد عن قناعاته الدينية ويدخل في لعبة الكراهية واللعن سواء لعلي بن أبي طالب أو ابنيه الحسن والحسين، لأن المسلمين ويمثلهم السُنّة وهم الأمة بكل تفاصيلها، يحبون آل البيت ويعطونهم مكانتهم كما يتعاملون مع صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من دون زيادة أو نقصان، تماما كما أنهم يجلّون فاطمة ابنة الرسول الكريم كما يجلّون عائشة زوج النبي وابنة الصديق أبي بكر، هذا المنطق الإسلامي هو الذي أغرى أتباع التشيّع الولائي بمواصلة إطلاقهم نيراناً حاميةً من اللعن والسباب بحق رموز المسلمين وما ظنوا أنهم بذلك ينزعون عن أنفسهم آخر ما تبقى في المسرح من ديكورات التقيّة، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل ابتدع الفرس تشكيلات نسوية وشبابية المسميات تنضح بالطائفية تمهيدا لزج أفرادها في معارك سياسية وعسكرية لاحقة، مثل منظمات الزينبيات وفاطميون وغيرها من رموز لا ذكر لهم في التاريخ الإسلامي مما يفخر به المسلم سواء في عالم الفكر أو الفقه أو الفتوحات.
كل هذه التوجهات تحظى بدعم مؤكد من جانب الدول الكبرى التي تشن حربا حامية على المناهج التربوية الإسلامية الصحيحة، المعتمدة في مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي من دون أن تسأل نفسها عن ارتدادات ذلك على سائر الشعوب الإسلامية التي تنظر إلى بلاد الحرمين باعتبارها منطلق الرسالة الإسلامية التي انتشرت في الآفاق، وتسعى بلا كلل من أجل تغييرها أو حذفها نهائيا من المواد المقررة، للأسف الشديد خضعت بعض الأطراف وأخلَت الساحة للبناء العقائدي المضاد الذي يجري كالسيل تحت الأقدام ومثل النمل الأبيض "الأرضة" التي تنخر البناء من دون أن يشعر به أحد فيتهاوى دفعة واحدة.
وسوم: العدد 900