نيويورك تايمز: هكذا عرّى فيروس كورونا “السيسي” وكشف زيف وعوده للمصريين
لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمراسلها ديكلان وولش قال فيه إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعد بتحسين الصحة وجعلها على رأس أولوياته، إلا أن فيروس كورونا عرّاه، وكشف كيف قدّم السيسي مصلحة الجيش على الشعب.
فعندما انتشر الوباء في النيل خلال فصل الربيع، شعر طبيب شاب في مستشفى عام بالقاهرة بالقلق، ثم تحول القلق إلى الغضب، خاصة أن المرضى بدأوا يتدفقون على أبواب المستشفى بدون أن تكون هناك مصادر كافية للتعامل معهم.
ولم يكن لدى الأطباء المعدات الواقية، بل كانوا يعتمدون على قناع واحد في المناوبة التي عادة ما تستمر 24 ساعة. ولم تتوفر معدات الفحص، مما أدى إلى إصابة الزملاء والأصدقاء بالفيروس، ومات منهم عدد كبير.
وقبل ستة أعوام، تعهد عبد الفتاح السيسي بأن يضع الصحة في مركز أجندته، لكن الأمر لم يكن كذلك. فالنظام الصحي المصري كان يتعرض لضغوط كبيرة، مما دعا الطبيب الشاب إبراهيم بديوي (27 عاما) للتحذير على الإنترنت في أيار/ مايو قائلا: “لن يكون أي طبيب آمناً في هذا الوضع الحالي.. ولا حتى عائلته”.
وبعد أيام من نشره هذا التعليق، هاجمت قوات الأمن بيت عائلته واعتقلته حيث يواجه سلسلة من الاتهامات المرتبطة بالإرهاب. وفي كل دولة على الكرة الأرضية بما فيها الثرية، لم يكن فيروس كورونا تحديا كشف عن محدوديتها، بل قاد إلى محاسبة قادتها السياسيين، وزاد من ثروة البعض وعرّض آخرين للخطر.
وفي مصر كان الوباء بمثابة الفرصة للسيسي كي يظهر الإصلاحات الواسعة في النظام الصحي التي وعد فيها عام 2014، ولكن الوباء كشف عن ضعفه.
ففي الأشهر الأولى من الأزمة، كافحت المستشفيات التي عملت فوق طاقتها، وقرر الأطباء الغاضبون الإضراب عن العمل. ومن تجرأ منهم على الانتقاد وجد نفسه في السجن. وأصبحت مصر واحدة من الدول العربية التي ترتفع فيها نسبة وفيات فيروس كورونا. وفي الوقت نفسه واصل السيسي قطع الدعم عن الفقراء، والإسراف بالإنفاق على صفقات السلاح التي وصلت إلى 12 مليار دولار.
ويمكن للسيسي أن ينسب بعض النجاح له في الرد على الفيروس، فعدد الحالات لم يتجاوز 109.000 حالة، و6.380 وفاة، وهو عدد لا يقترب من عدد الإصابات في أوروبا وأمريكا. لكن مستوى الفحص لا يزال منخفضا بمعدل 953 فحص لكل 100.000 شخص حسب أرقام منظمة الصحة العالمية، مما يعني أن هناك حالات عدة لم يتم اكتشافها.
ويرى خبراء الصحة، أن نهج الحكومة المصرية أعطى الرأي العام حساً زائفا بالأمن. ويقول بيير نابت من منظمة الصحة العالمية: “يميل الناس للاعتقاد أن الوباء قد انتهى.. وهذا وضع مثير للقلق؛ لأن موسم الشتاء لم يبدأ بعد”.
وفي المنطقة، فمستويات الفحص في مصر تتفوق على حالات الفحص في اليمن وسوريا، وتأتي بعد العراق والأردن وحتى ليبيا التي مزقتها الحرب. ويرى الكاتب أن هشاشة النظام الصحي الذي لا ينفق عليه الكثير، يكشف عن جوهر نظام السيسي القاسي، الذي يؤبد فيه النظام عدم المساواة ويكافئ الجيش على حساب المواطنين.
ويقول وولش، إن السيسي حنث بأول وعوده بعد فترة قصيرة من نطقه. فبعدما وصل إلى السلطة في انقلاب تموز/ يوليو 2013، أعلن السيسي للمصريين أن الجيش لا نية له للحكم: “هم خارج السياسة”. وبدا واضحا أن السيسي لم تكن لديه رغبة بالتخلي عن الحكم، وفاز في عام 2014 بانتخابات شكلية بنسبة 95% من الأصوات. وفي يوم تنصيبه، ألقى خطابا وصل إلى درجة العقد الاستبدادي مع المصريين.
ومقابل حريات سياسية محدودة، وعد السيسي بتحسين الأمن والازدهار وتحسين الخدمات العامة خاصة إصلاح القطاع الصحي. ووعد بتخصيص ميزانيات له، وبناء مستشفيات جديدة وزيادة رواتب الأطباء الذي يهاجرون بأعداد كبيرة إلى دول الخليج. وفي قلب كل هذا الدستور الجديد الذي ألزم الحكومة بتخصيص نسبة 3% من الناتج المحلي للقطاع الصحي في كل عام.
لكن خطة السيسي الطموحة اصطدمت برياح معاكسة قوية. فالتمرد الإسلامي في سيناء أضعف وعوده بالأمن. ثم جاء انهيار العملة في 2016 الذي قاد إلى إصلاحات اقتصادية مؤلمة ضربت الفقراء أكثر من الأغنياء. وبحلول عام 2019، كشفت أرقام الحكومة أن نسبة الثلث من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وهي أعلى من نسبة 28% عام 2015.
وفي الأيام الأولى من انتشار فيروس كورونا، بدا وكأن سمعة السيسي لمعت بسبب الرد المصري. ولجأ إلى الجيش لإظهار صورة من الغرور والقدرة، وانتشرت أشرطة فيديو متقنة تظهر جنودا في زي محاربة الأسلحة الكيماوية وهم يرشون المطهرات في الشوارع الخالية، وصفوفا من سيارات الإسعاف في الصحراء تنتظر المرضى، بل حول السيسي الأزمة إلى فرصة علاقات عامة، حيث قام بإرسال كميات من المعدات الطبية إلى دول أخرى، مظهرا صورة الرجل القوي السخي.
وكانت تلك صورة رمزية عن الطريقة التي أدار فيها السيسي مصر، حيث يُملي جنرالات الجيش والأمن من يُرشح ويُنتخب في البرلمان، بل وما يعرض من مسلسلات في التلفزيون. وكانت مصر ثالث مستورد للسلاح في الفترة ما بين 2015- 2019 حسب معهد أبحاث السلام في ستوكهولم.
وخصص السيسي 58 مليار دولار لبناء عاصمة جديدة في الصحراء خارج القاهرة. وزادت ميزانيات الصحة بسبب اكتشاف الغاز في البحر. ولكن السيسي ظل بعيدا عن هدفه بإنفاق 3% من الناتج المحلي العام على القطاع الصحي. وفي العام الماضي كانت النسبة ما بين 1.3- 1.8%.
ومصر ليست وحدها في أدنى القائمة، فأندونيسيا تنفق 1.4% من الناتج المحلي العام على الصحة، وكذا باكستان التي تنفق 0.8%. لكن العناية الصحية في مصر موزعة بحسب الطبقات الاجتماعية، حيث تعتمد نوعية العناية على المركز الاجتماعي والوظيفة.
ومن بين 740 مستشفى عام، هناك 25 مخصصة للجيش، و110 أخرى تديرها جامعات وتعالِج قوات الأمن والموظفين المدنيين. وفي أدنى السلم هناك 600 مستشفى عام الكثير منها في حالة سيئة، وهي التي ضربها الوباء بشكل شديد.
وفي مواجهة الفيروس حاولت مصر الموازنة بين الصحة العامة وحماية الاقتصاد. وتجنبت الحكومة عمليات الفحص الواسعة التي قد تكون مكلفة في بلد تعداده 100 مليون نسمة، وخصصت مصادر للمستشفيات وحملات توعية. وحتى عندما بدأت الذروة الأولى للفيروس في نيسان/ أبريل، لم يستطع الكثير من المرضى الحصول على العناية، فيما كافح الأطباء للتعامل مع الحالات وأضربوا، وحذرت نقابة الأطباء من الضغوط التي يتعرض لها النظام الصحي، وأنه يتجه نحو الكارثة.
وقال نديم حوري، مدير مبادرة الإصلاح العربي، إن الرد المصري على الوباء كان “صورة عن مصر في ظل السيسي… على السطح تبدو الأمور تحت السيطرة، ولكن في الأسفل، الوضع غير جيد”. وحتى قبل الوباء، ظل الأطباء الذين يُعتبرون مفتاح إصلاحات السيسي يبحثون عن فرص عمل أفضل في الخارج. وتراجع عدد الأطباء في المستشفيات الحكومية من 113.100 عام 2014 إلى 75.700 عام 2018 بحسب إحصائيات الحكومة.
وتشير إحصائيات نقابة الأطباء إلى أن نصف الأطباء المسجلين وعددهم 220.000 طبيب يعملون في الخارج. وقلّص الفيروس من عددهم، حيث مات 203 منهم.
ولم يمت في أندونيسيا التي سجلت أربعة أضعاف الحالات في مصر سوى 130 طبيبا. وبعد تخرجهم من الجامعة فإن الأطباء وغيرهم من عمال الصحة يتجهون إلى المطار؛ لأن راتب الطبيب الحكومي في مصر لا يتعدي 190 دولارا في الشهر.
الصديلي إسلام السايس كان يعمل في الإسكندرية ويحصل في الشهر على 300 دولار، ويسافر بالحافلات المتهالكة، لكن بعد انتقاله إلى السعودية بات يملك سيارته الخاصة. وقال: “قادتنا ينفقون الأموال على الجيش والقضاة وطائرات رافال” الفرنسية، و”ليس الأطباء والمستشفيات والشعب”.
ويشير الكاتب إلى أن السيسي يمكنه الحديث عن بعض الإنجازات، مثل زيادة معدلات الحياة إلى 78 عاما في 2018، ونظام تأمين صحي للتأكد من حصول كل المصريين حتى الفقراء على العناية الصحية.
كما سيزيد الناتج المحلي العام في السنة المالية المقبلة. وواحد من الوعود التي لم ينفذها السيسي ووعد بها عام 2014 أنه “لا تسامح ولا تصالح” مع من يعتقد أنهم أعداؤه، وهي فئة توسعت خلال الوباء لتضم الأطباء.
ولا يزال الطبيب إبراهيم بديوي في السجن، وهو واحد من تسعة عمال صحة سُجنوا بسبب نقدهم الحكومة وطريقة معالجتها للوباء، وذلك حسب منظمة أمنستي انترناشونال. وأنجبت زوجته الشهر الماضي ابنة سمّتها ماريا.
وتعتبر الاعتقالات امتحانا للبنك الدولي الذي أعلن في آذار/مارس أنه لن يتسامح مع الانتقام ضد من يشاركونه في الرأي حول مشاريع البنك. ذلك أنه تعهد بدعم مصر بـ58 مليون دولار لتنفيذ بمشاريع لها علاقة بكوفيد-19.
ورفض متحدث باسم البنك الدولي التعليق على اعتقال الأطباء، لكنه أكد أن عدم التسامح يشمل كل مشاريعه في مصر.
وتقول نرمين (27 عاما) التي انتقلت إلى الولايات المتحدة للعمل كطبيبة أسنان: “ليس شعورا جيدا أن تترك بلدك للعمل.. ولكن المستشفيات المصرية في وضع مأساوي”.
ويتساءل الكاتب: “أيهما أحسن الحرية السياسية أم خدمات أجتماعية أفضل؟”. ويجيب أن المصريين لم يحصلوا على أي منها.
وسوم: العدد 903