حال الأمة العربية مع نتيجة الانتخابات الأمريكية كحال المستجير من الرمضاء بالنار
لعبة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية عبارة عن مسرحية بطلانها حزبان اثنان لا شريك لهما ،أحدهما يركب حمارا، والآخر يركب فيلا ، ولا ندري هل اختيار هذين الحيوانين اللذين يركبان كان صدفة أم كان عن قصد ولغاية ؟
ولقد كانت هذه الانتخابات دائما تشغل العالم بأسره إذا جاء موعدها بسبب موقع الولايات المتحدة في العالم من حيث القوة الاقتصادية والعسكرية التي تجعلها مهيمنة عالميا . وانتخابات هذه السنة شغلت العالم أكثر من غيرها في السابق خصوصا وأن موضوع الحسم في الفائز فيها لم يعلن عنه بعد رسميا ، ولا زال الأخذ والرد في نتيجتها قائما لأن الخاسر فيها حسب الإعلام الأمريكي لم يقر بخسارته ، والرابح فيها لم يمكن بعد من الاستعداد لتقلد زمام الأمور على العادة الجارية في تلك البلاد .
وإذا كانت معظم وسائل الإعلام العالمية قد تفرغت إلى هذا الحدث ، فإن بعض وسائل الإعلام العربية قد غطته تغطية نافست تغطية وسائل الإعلام الأمريكية بل ربما فاقتها في ذلك، وكأن الأمر يتعلق بانتخابات رئاسية في بلدان الوطن العربي ، وهي انتخابات غالبا ما تكون محسومة بنسبة تقارب المائة في المائة، الشيء الذي يفقدها نكهة التنافس والمصداقية . ولا شك أن وسائل الإعلام العربية تلك تجد عزاء في تغطية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لأنه لا مثيل لها لحد الساعة في بلدان العالم العربي إلا ما كان من تجربة ديمقراطية يتيمة في مصر سرعان ما أجهز عليها بانقلاب عسكري دموي ، وعادت نتيجة الانتخابات بعد ذلك إلى سابق عهدها بنسبة تقارب المائة بالمائة وهي مؤشر على التزوير والتدليس عن سبق إصرار من الاستبداد .
ومع أنه لا حظ للوطن العربي مما لغيره من فوائد في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، فإن إعلامنا العربي أقام الدنيا ولم يقعدها في تغطيته لها ، وقد يكون محقا إلى حد ما إذا كان قد فعل ذلك تحسبا لعواقب الأمور المرتقبة من تلك النتيجة ،علما بأن العادة حظ الأمة العربية منها إما أن يركلها الحمار أو يدوسها الفيل ، وهي دائما الطرف الخاسر في كل الأحوال ، وحالها كحال الذي يستجير من الرمضاء بالنار، وهذا مثل من أمثال العرب السائرة تضمنه بيت من الشعر جاء فيه :
وقيل أن عمرو بن الحارث مرّ بكليب وائل، وفيه رمق من طعنة رمح، فاستسقاه كليب، فألوى عليه الحارث، فأجهز عليه . وهذا المثل يضرب لمن يفر من أمر فيه شدة إلى ما هو أشد منه .
ومعلوم أن الحمار والفيل يتناوبان على صنع المصائب اللاحقة بالوطن العربي ، وتحديدا في قلبه النابض فلسطين السليبة إذ كلما آلت الأمور إليهما أغذقا على الكيان الصهيوني بالمزيد من التأييد والتمكين في هذا الوطن المسكين الذي ينخر السرطان الصهيوني جسمه العليل .
وتبدو سياسة الحمار والفيل في الوطن العربي كلعبة السباق أو العدو التي يشترك فيها أربعة عدائين يحمل الأول منهم وهو يعدو قطعة من عود أو ما يسد مسدها فيسلمه للذي يليه ويكون في انتظاره ،وهكذا إلى آخر عدّاء يصل إلى خط الوصول أو النهاية بالقطعة التي يجب ألا تسقط أرضا لتصح اللعبة .
أما القطعة بالنسبة للعداءين الحمار والفيل، فهي مصالح الكيان الصهيوني التي يتناوبان على تحقيقها بتفان وإخلاص . وأما الوطن العربي فحظه عندهما أن تبقى دار لقمان على حالها بل تزداد خرابا ووحشة .
و تعتبر الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الوطن العربي قمة الديمقراطية عند الكثيرين مع أنها لا تحاكى ولا تقلد فيه بل تنوب عنها انتخابات مثيرة للسخرية والشفقة في نفس الوقت. ومما يخشى أن ينتقل إلى الانتخابات المقبلة في الوطن العربي ما شاب الانتخابات الأمريكية الأخيرة من تشكيك الرئيس الخاسر في نزاهتها ، مع أنه أمر مألوف عندنا ، وله من شواهد الحجج ما لم يتوفر في الانتخابات الأمريكية الحالية كما يقول الأمريكيون أنفسهم .
ومن المثير للسخرية أن بعض وسائل الإعلام في بعض البلاد العربية التي يسودها الحكم الشمولي الذي كان مدعوما من طرف الرئيس الأمريكي الخاسر للانتخابات قد توجست من خسارته، وكانت تتمنى فوزه لاستمرار الحكم الشمولي فيها ظنا منها أن الفائز الجديد لن يكون في مستوى تأييد الخاسر له ، والحقيقة أن مصالح الكيان الصهيوني هي المتحكمة في قرار التعامل معه، وليس للإدارة الأمريكية الجديدة سوى الإمضاء على ما يأمر به ذلك الكيان كما حصل مع قضية إعلان مدينة القدس عاصمة أبدية له حيث وقع الرئيس السابق بأحرف عريضة على ذلك، وعرضه على وسائل الإعلام بزهو وخيلاء أمام ابتسامة عريضة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني . وبناء على هذا لن ينتظر الوطن العربي من الرئيس الأمريكي الفائز في هذه الانتخابات الخيرة سوى ما كان من سابقه أو أكثر ، والأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن ذلك .
وعلى الأمة العربية أن تعزي نفسها في أرض فلسطين كلما حلت انتخابات رئاسية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية .
وسوم: العدد 903