قراءة في خطوات حركة حماس نحو المصالحة الوطنية
قراءة في خطوات حركة حماس
نحو المصالحة الوطنية
نعمان فيصل
في ميدان السياسة لا تثمر العواطف والنوايا الطيبة؛ ولكنها المصلحة هي التي تسوق الدول، وتهدي سياستها الخارجية على قاعدة تبادل المصالح، وكان لموقف حركة حماس من الأزمة السورية منذ بداية الغليان فيها، سبباً في تعكير صفو العلاقات بين حماس وحلفاؤها في دول المنطقة التي توصف (بالراديكالية) المتمثلة في إيران وسوريا. وأدى انشغال دول ما تسمى (الربيع العربي) بهمومها وقضاياها الداخلية، إلى تراجع مساندتها لحماس في غزة مساندة حقيقية وجادة، ومن ثم انحسار دعمها المادي والمعنوي لها، حيث تركتها في خندق الحصار في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المستمر، وكانت الضربة القوية التي تلقتها حماس بعد سقوط رهانها على حليفها الإستراتيجي المتمثل في حركة الإخوان المسلمين في مصر، التي ترتبط بها ارتباطاً أُممياً، خاصة بعد حادثة عزل الدكتور محمد مرسي عن سدة الحكم، وإزاحة الإخوان المسلمين من المشهد السياسي في مصر بالغ الأثر في عزلة حكومة حماس، وجرت الأحداث بذلك في تيار خطر، حيث اشتددت الأزمة السياسية وأخذت الأمور في التراكم.
وفي ظل المشكلات السياسية والمعضلات الاقتصادية التي ما تزال تضرب أطنابها على المستوى الداخلي والخارجي، لم تعد حكومة حماس في غزة قادرة على الوفاء بكل ما يتطلبه الحكم، حيث اشتدت حدة الأزمات، وثقلت وطأتها إلى درجة فاقت كل الحدود، وزاد من خطورة تلك الأزمات فشل حكومة حماس في الاهتداء إلى حل سليم لها، بفعل أفاعيل الانقسام وغياب المصالحة، وسيطرة إسرائيل على المعابر والحدود والاقتصاد، وإمعانها في الحصار والعدوان والتضييق على الغزيين، وكان آخر هذه المستجدات التغيرات في الخارطة السياسية في المنطقة.
وكان لهذه الأزمات أصداؤها عند الناس؛ إذ ضاقت بمعظمهم سبل العيش، وتقطعت بهم الأسباب، وأصبحوا في حالة فاقة يمدون أيديهم إلى من يرحم أو لا يرحم. وأضحت غزة بل قطاعها سجناً كبيراً يضم أكثر من مليون ونصف المليون بين مواطن ولاجئ، ناقمين على تدهور الأوضاع المعيشية خلال فترة حالكة من تاريخهم، ساد فيها الظلام، ولسان حالهم يقول: إن القائمين بالحكم أصبحوا غير قادرين على القيام بواجبهم خير قيام، انطلاقاً من أن أي حكومة يجب أن تكون أمينة على أحلام وتطلعات الناس وتسعى لتلبيتها، كما راجت بذلك الأقوال والروايات المتعددة.
وهكذا، مرت حكومة حماس بأصعب مراحلها جراء الأوضاع الجديدة التي قلبت الميزان رأساً على عقب، ولم تستطع تغيير العواصف التي كانت تهب من كل اتجاه، وباتت المهمة الجوهرية المطروحة على جدول أعمال القيادة هو البحث عن حماية الذات في خضم هذه التعقيدات والتشابكات، وتجلى ذلك في توجهات حماس الأخيرة في دفع عملية المصالحة إلى الأمام لإنهاء هذا الانقسام الذي أكل الأخضر واليابس، واستعادة الوحدة الوطنية كطوق نجاة يخرجها من عسرتها وأزمتها المالية التي استحكمت حلقاتها، إذ باتت غير قادرة على تسديد فاتورة رواتب موظفيها الحكوميين في غزة الذين قدر عددهم بـ 55 ألفاً بين مدني وعسكري. خاصة بعد هدم الأنفاق على الحدود الفلسطينية – المصرية التي كانت تعد الشريان الرئيسي لحكومة حماس في غزة.
وتابع الناس ببصيص من الأمل مؤشرات إنهاء الانقسام في تريث وترقب؛ حتى يتضح الموقف تماماً، ولا يصطدم الناس في آمالهم، وأن لا تهدف هذه الخطوات التي أُعلن عنها في إطار التمهيد لإنجاز المصالحة؛ لاحتواء الأزمة الداخلية أو أن تكون بمثابة متنفس للإحباط الفلسطيني في قطاع غزة، بل أن تكون دعوات وخطوات حقيقية، تخرج فيها المصالحة إلى حيز الواقع الملموس، وأن يكون عام 2014 فاتحة عهد جديد، تطوى فيه صفحة الانقسام إلى الأبد، بعد الكبت المضني والألم الممض.
وبعد أن خطت حركة حماس خطوات نحو المصالحة، من خلال تصريحاتهم المتواترة والإشارات والرسائل الإيجابية، لعل من المفيد في هذه المرحلة ترجمة الأقوال إلى أفعال على الأرض، تبدأ بالموافقة على تشكيل حكومة التوافق الوطني، التي تمهد للانتخابات الرئاسية والتشريعية، بعيداً عن مربع المناكفة والتسويف والمماطلة، وفي نفس الوقت على حركة فتح أمام هذه المؤشرات التي أظهرتها حركة حماس التقاط اللحظة، واستثمار تلك المبادرة، والتقدم للقاء منتصف الطريق؛ لتذليل العقبات التي تعترض طريق المصالحة وجمع الكلمة، وإعادة الروابط والتضامن وإزالة الأحقاد من النفوس؛ والاتفاق على برنامج إجماع وطني، على أسس راسخة وعميقة، يدعم الثوابت الفلسطينية، ويخدم مصالح الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، ويعزز الهوية الوطنية الفلسطينية في هذه المرحلة، كهوية أولية جامعة تسبق وتعلو على أي هوية أو أيديولوجية تعبر عن خصوصية هذه الحركة أو تلك، في ظروف الصراع الراهن مع الاحتلال الإسرائيلي، وعدم إحداث الصراع مرة أخرى بين تيار مفاوض وتيار مقاوم، وتداول السلطة بطرق سلمية وديمقراطية، وعبر صناديق الاقتراع، والاشتراك عملياً في إصلاح الأوضاع السيئة التي خلفها الانقسام، وبذلك يقدم قطبا الصراع أعظم خدمة لفلسطين ووحدتها. ولعل ذلك وما ينتج عنه من خير، أن يمد الشعب العربي الفلسطيني بأسباب من القوة، وبوارق من الأمل، تثبت عزائمهم على الصمود في الأرض، ويزيدهم تمسكاً بهويتهم الفلسطينية.
إن المؤشرات توضح سيناريو الأحداث، وهو قبول حركة حماس صيغة تسهل عليها الاندماج في العملية السياسية، وإلى تأكيد حضورها في صياغة المشروع الوطني الفلسطيني في ظل الوحدة الوطنية، بحيث تظل رقماً، وإنْ كان معارضاً، في حال عدم محالفتها الحظ في الانتخابات المزمع القيام بها، وذلك لإعادة تقويم مشوارها واستنباط العبر من تجربتها، في ظل بوتقة وطنية جامعة لكل أطياف الشعب الفلسطيني بمكونات قضيته العميقة.