شتان بين حاكم يخضع للمساءلة أمام ممثلي الشعب وبين حكام فوق مساءلة شعوبهم
شتان بين حاكم يخضع للمساءلة أمام ممثلي الشعب لمجرد تحريضه على الإساءة إلى الديمقراطية و بين حكام فوق مساءلة شعوبهم وهم يذبحون الديمقراطية
استكمالا للمقال السابق ،سنقف مرة أخرى عند ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية عشية رحيل رئيس عن البيت الأبيض وحلول آخر محله بعد انتخابات رئاسية لم تشهد البلاد مثيلا لها بسبب إصرار رئيس خسر الانتخابات على أنه هو الفائز، وأن خصمه لم يفز وإنما تلاعب بالأصوات ليحصل على فوز غير مستحق من وجهة نظره ، و لذلك ظل يهدد بعدم التنازل عن السلطة بالرغم من حسم القضاء المستقل في القضية، وذلك من خلال الإقرار بنتيجة الانتخابات وبمصداقيتها وببطلان دعوى التشكيك فيها . وتحت تأثير الحماس بسبب عدم الرضا بالهزيمة ارتكب الرئيس المنهزمة حماقة بتحريض شريحة من أنصاره المنفلتين من الانضباط للقانون على الاحتجاج ضد ممثلي الشعب في مقرهم بالكونجرس، فذهبوا بعيدا في الاستجابة لتحريضه حتى بلغ بهم الأمر حد اقتحام مقرهم بأسلحة ،وأتلفوا بعض ما فيه وكان في نيتهم أن يقوموا بتصفية أعضائه أو الاعتداء عليهم حسب تقارير الجهات المحققة في الأحداث .
ولقد اعتبر هذا الذي حدث سابقة خطيرة مهددة للديمقراطية والشرعية التي هي مفخرة الولايات المتحدة الأمريكية ،وأدين تحريض الرئيس المنهزم واستجابة من حرضهم بشدة ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تابع الشعب الأمريكي رئيسه عن طريق ممثليه مطالبا بمساءلته ومحاكمته على فعلته انتصارا للديمقراطية والشرعية ولمجتمع الحق والقانون .
فإذا ما قارنا هذا الذي حدث في بلد ديمقراطية حقيقية مع ما حدث ويحدث في بلاد لاديمقراطية أو ديمقراطية صورية ،نلحظ فرقا شاسعة ، بل لا مجال للمقارنة أصلا .
ولنأخذ مرة أخرى دولة مصر كمثال لا يراد به الحصر لنرى كيف يبارك ممثلو الشعب ذبح الحاكم الديمقراطية والشرعية ، ولا يجرؤ منهم أحد على الكلام عما حدث من ذبح لها بله يجرؤ على التفكير في مساءلة متزعم لانقلاب دموي ،علما بأن ما اقترفه الرئيس الذي خسر الانتخابات في الولايات المتحدة لا يرقى إلى ما اقترفه الحاكم العسكري في مصر ، ولو عرض ما فعله هذا الأخير على برلمان في مستوى الكونجرس الأمريكي لتعدى الأمر مستوى المحاكمة والمساءلة إلى مستوى آخر يناسب جرم ذبح الديمقراطية والشرعية إلا أنه مع شديد الأسف لم تصدر أية إدانة من الدول الراعية للديمقراطية في العالم على ما حدث في مصر ، ولم يكن موقفها من ذبح الديمقراطية والشرعية فيها كموقفها من تهديدهما في الولايات المتحدة، لأن تلك الدول تكيل بمكيالين فالديمقراطية عندها مقدسة بينما الديمقراطية في دول العالم الثالث لا قدسية لها ،والسر في ذلك أن مصالح الدول الديمقراطية تتوقف على ذبح الديمقراطية في تلك الدول ذات الأنظمة الشمولية ،ولذلك يتم سكوتها على ذبحها .
إن الشعوب في الدول الديمقراطية هي التي تختار من يمثلها في البرلمانات بكل حرية احتراما للديمقراطية ، بينما الشعوب في دول الديمقراطية الصورية أو في دول الأنظمة الشمولية فهذه الأخيرة هي التي تختار لها من يمثلها حسب شروط تشترطها لتعطيل تمثيلها الحقيقي للشعوب منعا لسيادة الديمقراطية الحقة .
فمتى سيأتي اليوم الذي ستختار الشعوب ضحية الشمولية كغيرها من شعوب الدول الديمقراطية من يمثلها بكل حرية ، و تختار من يملك الجرأة والسلطة لمحاكمة ومساءلة حكامها كما هو الشأن في الولايات المتحدة إذا ما صح أن المحاكمة والمساءلة الجارية فيها ستكون حقيقة وليس مجرد مسرحية يراد بها الدعاية الإعلامية المموهة على ما تخفيه الكواليس ؟؟؟
وسوم: العدد 912