الانتخابات الفلسطينية المنتظرة وصفة فعالة لاستدامة الانقسام واتساعه
تجدد الحديث والنشاط الخاصان بالانتخابات الفلسطينية ، وأعلن الرئيس عباس أن الانتخابات التشريعية ستجري في 22 مايو ، والرئاسية في 31 يوليو ، والمجلس الوطني في 31 أغسطس من هذا العام . وتتابع الانتخابات الثلاثة وليس تزامنها جاء تنفيذا للتعديل القانوني الذي أجراه عباس على قانون الانتخابات رقم (1 ) لسنة 2007 الذي يقضي بتزامنها لا بتتابعها . خطوات الاستعداد للانتخابات تكيفٌ من السلطة الفلسطينية مع إدارة بايدن ، واستجابة لطلب مباشر منها بتجديد ما سمته الشرعيات الفلسطينية . ونتذكر أن آخر انتخابات فلسطينية ، وهي التشريعية في يناير 2006 جرت بضغط من إدارة بوش الابن على عباس الذي كان يتخوف من فوز حماس فيها ،وهو ما حدث ، وتوقعته استخبارات إسرائيل وأميركا اعتمادا على مراقبة الأحوال في الضفة وغزة ، وقراءة استطلاعات الرأي فيهما ، وانتهى الخلاف بين فتح وحماس بعد تلك الانتخابات بالانقسام الذي عمره الآن 13 عاما و6 أشهر ، وهو ما كان في حسابات ونوايا إسرائيل وأميركا عندما ضغطت الثانية بإيعاز من الأولى على عباس لإجراء تلك الانتخابات . ولم يحدث أي شيء إيجابي في الواقع الفلسطيني طوال تلك الأعوام ، والعكس هو ما حدث . تعمق الانقسام ، وأصبح شطرا الوطن الفلسطيني متنازعين إلا من خطوط اضطرار لا اتفاق بينهما تتصل بالرواتب والصحة والتعليم ، أما السياسة ومقاومة الاحتلال فالشطران مشطوران فيهما . وما من بيئة سياسية ووطنية الآن تسمح بانتخابات فلسطينية جديدة ، وبتنفيذ نتائجها في الواقع السياسي والإداري والمعيشي الفلسطيني . وتأمل فتح في أن تفوز بالانتخابات التشريعية فلا تواجه استحالة قبولها وقبول الواقع الفلسطيني الذي تسيطر عليه إسرائيل فوزَ حماس ، ومن ثم تقدمها لتشكيل الحكومة مثلما حدث بعد انتخابات 2006 التي قاد فوز حماس فيها وتقدمها لتشكيل الحكومة إلى استعصاء الأمور ، وانفجار الخلاف مسلحا بين الحركتين في يونيو 2007 الذي تلاه الانقسام . وإذا فازت فتح وتقدمت لتشكيل الحكومة سيكون المجلس التشريعي الجديد منصة خلافات ونزاعات بين الحركتين تتفجر فيها كل الأضغان والتباينات التي تجتهد الآن الحركتان لكبتها وإخفاء دخانها وحرارتها . وإذا تعثرت الانتخابات التشريعية مسارا ونتائج فلن تجري الانتخابات الرئاسية ،ولا انتخابات المجلس الوطني ، . وإذا فازت حماس وتقدمت لتشكيل الحكومة فستطالبها إسرائيل وأميركا باتباع نهج فتح من حيث الاعتراف بإسرائيل والتنسيق الأمني معها ، وسترفض حماس ، وتلغى نتائج الانتخابات عمليا ، ويتواصل الانقسام بأسوأ مما هو الآن . بعد انتخابات 2006 قالت إسرائيل إنها ليست لديها مشكلة في التعامل مع حماس إذا نهجت نهج فتح اعترافا سياسيا بها وتنسيقا أمنيا معها ، ورفضت حماس انسجاما مع موقفها السياسي المبدئي في عدم الاعتراف بإسرائيل . في هذا الواقع الفلسطيني المثبط المحبط ، الواقع الذي لم يتحسن أي تحسن في بعده السياسي ، بل تعمق سوءُه واتسع بتعمق التطبيع العربي واتساعه مع إسرائيل في تهتك قومي تاريخي مذهل ؛ لا معنى لأي انتخابات فلسطينية جديدة. إنها سير في الطريق الخاطىء للوصول إلى نفس النتائج السابقة التي صنعت الواقع الانقسامي الحالي الذي شل الحراك الوطني الفلسطيني ، وأطلق يدي إسرائيل للتوسع الاستيطاني والتغول على الحقوق الفلسطينية الوطنية والإنسانية . الانتخابات المأمونة العاقبة أيا كان الفائز فيها لا تجري في قبضة احتلال استيطاني إحلالي من صنف الاحتلال الإسرائيلي . إزالة هذا الاحتلال يجب أن تسبق أي انتخابات . ولا مفر من مواجهة قسوة الحقيقة ، وهي أننا في مرحلة تحرر وطني لا في مرحلة انتخابات لا بيئة سياسية وأمنية وسيادية فلسطينية ملائمة لها .وتقديم الانتخابات على التحرر ذقنا مرارته وحرقتنا حرارته بعد يناير 2006 ، وما من موجب لتكرير تلك التجربة التي تتواصل توابعها المخربة لقضيتنا منذ ذلك الحين. الانتخابات الفلسطينية المنتظرة وصفة فعالة لاستدامة الانقسام واتساعه في واقع فلسطيني وعربي وعالمي يوفر له كل مقومات استدامته واتساعه ، وربما تستجد أحداث في المنطقة أو خلافات بين فتح وحماس توقف الانتخابات التشريعية ومن بعدها الرئاسية والمجلس الوطني. الانتخابات ليست ثقافة عربية ، ولا وسيلة لإدارة الحكم ، وتعطيلها أو إلغاء نتائجها بعد إجرائها اضطرارا لسبب ما أو التخلص من الفائز فيها نهج عربي عام .
وسوم: العدد 912