«المقاومة العشائرية» وتحرير فلسطين في عام 2041
هنيئاً لنا، يا أمة العرب، بالبشرى العظيمة الآتية من حلب والتي رواها تقرير صدر في «القدس العربي» يوم أمس، بشرى تأسيس «وحدات المقاومة العشائرية» التي أخذت على عاتقها تحرير سوريا من خلال «طرد المحتلّين من أمريكيين وأتراك». ومن نافل القول إن «المقاومة العشائرية» تنوي بذلك الطرد إنجاز محطة ضرورية على طريق تحرير فلسطين، كبرى البشريات التي جاءتنا من طهران في نهاية العام الماضي.
ولو فاتكم هذا الخبر الأخير الأعظم على الإطلاق، فقد بلغنا عن طريق مشروع القرار الذي تقدّم به أعضاء في مجلس النواب الإيراني حول «شروط التفاوض مع واشنطن، ودعم حلفاء طهران» والذي حدّد شهر آذار/ مارس 2041 مهلة قصوى لتحقيق «القضاء على إسرائيل» (كافة الاقتباسات المتعلقة بمشروع القرار الإيراني في هذا المقال منقولة عن النبأ كما أورده الموقع الروسي RT بتاريخ 4/1/2021). فإن عدم ذكر الاحتلال الصهيوني بين المحتلّين الذين تنوي «المقاومة العشائرية» طردهم من الأراضي السورية، لم يكن إغفالاً ولا تغافلاً بالتأكيد، بل إدراكاً مُحكماً بتسلسل المحطات الاستراتيجية التي ستص بنا تدريجياً وبعد عشرين سنة بالتحديد، إلى تحرير فلسطين.
لكن لنتوقف أولاً أمام «المقاومة العشائرية» التي سوف تتولّى «طرد المحتلّين من أمريكيين وأتراك». فقد انعقد الاجتماع الذي أعلن عن تشكيلها في مضافة قبيلة البكارة في مقر «لواء الباقر» في مدينة حلب، وتحت صور لقاسم سليماني كما روى تقرير «القدس العربي» وبيّنت الصورة التي رافقته. أما «لواء الباقر» فإن تسميته هي نسبة إلى الإمام محمد الباقر، وهو الإمام الخامس عند الشيعة، بما يعني أن تسمية اللواء في بلد كسوريا جامعة بقدر ما يكون جامعاً اسم معاوية بن ابي سفيان لو أطلِق على لواء في إيران، حيث نسبة أهل السنّة قريبة من نسبة مجمل الطوائف الشيعية في سوريا، بما فيها الطائفة العلوية.
الحقيقة أن استخدام المواجهة مع إسرائيل غطاءً أيديولوجياً لسياسة النظام الإيراني ليس سوى المثال الأحدث في تقليد طويل من الاستغلال السياسي لقضية فلسطين
أما سبب اختيار هذه التسمية فيعود إلى أن قبيلة البكارة المنتشرة في العراق وسوريا، إنما يعود اسمها، وهو البقارة في الأصل، إلى انحدارها من الإمام محمد الباقر، وذلك بالرغم من أنها انتمت إلى أهل السنة. وكانت القبيلة بالتالي محطّ مجهود طائفي خاص لجعل أفرادها يعتنقون المذهب الشيعي، وقد أفلح بنسبة غير معلومة من أبناء القبيلة السوريين. والجدير بالذكر أن نوّاف البشير، شيخ القبيلة في سوريا، كان من أبرز المعارضين لنظام آل الأسد ومن أركان «إعلان دمشق» المعارض الصادر في عام 2005، وقد رحّب بالانتفاضة السورية عند بدايتها قبل عشر سنوات وانضمّ إلى قوى المعارضة وبقي في صفوفها حتى عودته إلى دمشق قبل أربع سنوات، في مطلع عام 2017، معلناً «وضع نفسه تحت تصرّف القيادة السورية ورئيسها» ومشيداً بقوات النظام السوري وإيران وروسيا.
ولا يُخفى على أحد أن «لواء الباقر» جزء من المنظومة العسكرية التي يديرها «فيلق القدس» جناح العمليات الخارجية في جيش «حرّاس الثورة الإسلامية» الإيراني. والحال أن اللواء يعتبر نفسه جزءاً من «المقاومة الإسلامية» الموالية لطهران (أو بالأحرى للزعيم الإيراني علي خامنئي وفق مبدأ «ولاية الفقيه» الذي يقوم على أساسه النظام الإيراني) والتي تضم «حزب الله» اللبناني و«أنصار الله» (أي «الحوثيين») اليمنيين وطيف من الروادف العراقية للمنظّمتين المذكورتين.
فلا صدفة في أن يندرج الإعلان عن «المقاومة العشائرية» في ما ينصّ عليه مشروع القرار البرلماني الإيراني سابق الذكر، الذي دعا، تحت مادة «طرد أمريكا من المنطقة» إلى أن «تتخذ الحكومة والقوات المسلّحة الإيرانية الترتيبات اللازمة لإخراج القوات العسكرية التابعة للقيادة المركزية في الجيش الأمريكي من المنطقة». وليست الغاية الحقيقية من كل هذا طرد القوات الأمريكية من أي من العراق أو سوريا، ناهيكم بالطبع من تحرير فلسطين (!) بل هي رفع سقف الموقف التفاوضي الإيراني إزاء الإدارة الأمريكية الجديدة التي سبق مشروع القرار استلامها لزمام الأمور بأقل من ثلاثة أسابيع، ولا لبس في أن غايته الأساسية هي تحديد «شروط التفاوض مع واشنطن».
ولتعزيز التمويه، أضاف المشروع إلى وجوب «اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تؤدي إلى القضاء على إسرائيل بحلول مارس عام 2041» (كذا) دعوة إلى «العمل على كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزّة، عبر إرسال السلع الأساسية بالمجان، أو مدفوعة الثمن، بحيث يتم إرسال أول شحنة بعد ستة أشهر من التصويت على القرار». (لم يخطر ببال أصحاب المشروع أن لعبارة «أو مدفوعة الثمن» في صدد التضامن مع شعب غزّة المنكوب وقعاً سيئاً في الآذان العربية.)
والحقيقة أن استخدام المواجهة مع إسرائيل غطاءً أيديولوجياً لسياسة النظام الإيراني ليس سوى المثال الأحدث في تقليد طويل من الاستغلال السياسي لقضية فلسطين، طالما مارسته شتى الأنظمة العربية لتبرير سياساتها، سواء ادّعت النطق باسم الأمة العربية أم باسم الإسلام.
وسوم: العدد 914